بابا الفاتيكان يُغادر لبنان ويدعو إلى تخطي الانقسامات ووقف الأعمال القتالية
klyoum.com
بيروت ـ ناجي شربل وبولين فاضل
استهل بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر يومه الثالث والأخير من زيارته للبنان بمحطة إنسانية من مستشفى راهبات الصليب للأمراض العقلية في جل الديب، حيث احتشد الناس على الطرقات من ساحل جونية إلى جل الديب، وفي طريقه إلى دير الصليب، سلك موكب البابا الجهة المعاكسة من الأوتوستراد الساحلي ليتسنى للمواطنين التوجه إلى بيروت للمشاركة في القداس الذي يترأسه البابا. وشوهدت مروحيتان للجيش اللبناني في الأجواء وقت توجه موكب البابا إلى جل الديب.
رئيسة الدير الأم ماري مخلوف تكلمت بصعوبة وغالبت دموعها في عرضها لواقع المؤسسة ومعاناة المرضى، واختصرت بعبارة تحولت «ترند»: «وحدها السماء تعرف الجواب»، عن أحوال المرضى ومعرفة البعض منهم واقعهم في هذا العالم. ولعلها عبارة تعكس واقع أحوال لبنان في عين العاصفة الإقليمية والدولية. ورد البابا بكلمة استخدم فيها عبارتين باللغة العربية وقد بدا عليه التأثر خلال هذه الزيارة، ومما قاله في كلمته «لا تفقدوا فرح هذه الرسالة، ما نشهده في دير الصليب عبرة للجميع، إذ لا يمكن أن ننسى الضعفاء ولا يمكن للمجتمع أن يركض خلف الرفاهية متجاهلا الفقر والهشاشة». وفي مرفأ بيروت وبحضور رئيس الحكومة د.نواف سلام ووزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد وعدد من أهالي ضحايا انفجار المرفأ، أدى البابا صلاة صامتة أمام اللوحة التذكارية التي تحمل اسم 245 شهيدا وضحية، وصافح عددا من ذوي الضحايا واستمع اليهم.
البابا وفي عظته خلال القداس الاحتفالي في الواجهة البحرية في بيروت قال «في بعض الأحيان تحت وطأة صعوبة الحياة نميل أكثر إلى الاستسلام بدل الشكر، لذلك أدعوكم يا شعب لبنان للمحافظة دائما على روح الامتنان.. نحن مدعوون إلى عدم اليأس». وأضاف «إن هذا الجمال يظلل بالفقر والمعاناة وبالجراح وبالظرف السياسي الهش وغير المستقر وبالأزمة الاقتصادية وبالعنف والنزاعات». وتابع البابا «أقول للبنان انهض وكن علامة للسلام في المشرق».
وقال «ليس أمامنا إلا طريق واحد لتحقيق ذلك، أن ننزع السلاح من قلوبنا، ونسقط دروع انغلاقاتنا العرقية والسياسية، ونفتح انتماءاتنا الدينية على اللقاءات المتبادلة، ونوقظ في داخلنا حلم لبنان الموحد، حيث ينتصر السلام والعدل، ويمكن للجميع فيه أن يعترف بعضهم ببعض إخوة وأخوات».
وفي ختام القداس، توجه البابا إلى الحضور قائلا «أصلي بنوع خاص من أجل لبنان. ونطلب من المجتمع الدولي دعم الحوار ومساعدة الحوار وان يسمعوا صوت الشعب الذي يصرخ من أجل السلام.. يا مسيحيي لبنان تشجعوا والكنيسة العالمية تهتم بكم. الشرق الأوسط يحتاج إلى مقاربات جديدة لتخطي الانقسامات وفتح صفحة جديدة باسم السلام».
رئيس الجمهورية العماد جوزف عون قال في وداع البابا في مطار بيروت «زيارتك ستبقى محفورة في لبنان، شعبنا يرفض الموت والرحيل ويستحق الحياة والعيش الكريم».
البابا وبعدما حيا المناطق التي لم يستطع زيارتها ولاسيما الجنوب الذي يعيش كما قال «حالة من الصراع وعدم الاستقرار». وتابع قائلا «أطلق نداء من كل قلبي: لتتوقف الهجمات والأعمال العدائية. ولا يظن أحد بعد الآن أن القتال المسلح يجلب أي فائدة. فالأسلحة تقتل، أما التفاوض والوساطة والحوار فتبني».
وختم قائلا بالعربية «شكرا والى اللقاء». وفي المحصلة، يصح القول في نهاية الأيام البابوية الثلاثة في لبنان بأن «حضور بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر كان نسمة روح على شعب أضنته الأيام»، على حد تعبير البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، لاسيما أنها أتت في أحرج وأخطر مرحلة يمر بها لبنان، وهو الذي يتعرض لضغوط خارجية عارمة للرضوخ الكامل لإسرائيل ولتهديد مستمر بحرب إسرائيلية مدمرة. والأكيد أن الزيارة بالبعد السياسي لها مفاعيلها القوية لناحية التأكيد على هوية لبنان وكيانه النهائي وديمومته في ظل الرياح التقسيمية التي تلفح المنطقة. ولعل تعمد الجهات الأمنية اللبنانية مرور موكب البابا والرئيس العماد جوزف عون في اليوم الأول من الزيارة في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، هو رسالة وحدة وطنية متعددة الجوانب، ومنها أن لبنان اليوم ليس جزرا أمنية معزولة وممنوعة على البعض.
وإذا كانت الثمار الروحية للزيارة هي مسؤولية كل فرد، فإن شجرة الزيتون التي غرسها البابا في اللقاء المسكوني والحواري مع كل الأديان تحتاج من يرويها لتثمر سلاما. وفي الانتظار، نجحت الدولة في الظهور كدولة مؤسسات أحسنت التنظيم والتحضير للزيارة في وقت قصير، بموازاة شعب احتشد للاستقبال وسط الرايات الرسمية والشعارات الداعية إلى السلام. والاكيد أن نجاح الزيارة وتوقيتها هما ورقة قوة للرئيس جوزف عون عشية مرور سنة على عهده. ومع مغادرة «موفد السلام»، تستأنف حركة الموفدين السياسيين في اتجاه لبنان، وفي مقدمهم رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الذي يصل إلى بيروت في إطار المساعي العربية الرامية إلى تخفيض أجواء التوتر في المنطقة ومنع الانزلاق إلى حرب واسعة. واذا كانت الجهود العربية والدولية تركزت في هذه الفترة من العام الماضي على تأمين انتخاب رئيس للجمهورية، فيبدو انها تخوض سباقا مع الوقت في مسألة حصر السلاح ونزعه، لتجنيب لبنان عواقب تهدد بها إسرائيل.