خاص الهديل: قسد تبحث عن النفط وتترك المدن: لعبة استراتيجية أم إملاء أميركي؟
klyoum.com
خاص الهديل…
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 ضد نظام الأسد، وجد الكُرد أنفسهم أمام تحدٍّ وجودي. ففي عام 2012 سارعوا إلى حماية المناطق ذات الغالبية الكردية، وأعلنوا عن تأسيس إدارة ذاتية امتدت لتشمل معظم شمال شرق سوريا، أي ما يُعرف اليوم بجغرافيا شرق الفرات أو إقليم شمال شرق سوريا. هذه المنطقة ليست هامشية، بل هي قلب الثروات السورية: من الزراعة الخصبة إلى الثروات الباطنية، مروراً بالأنهار الكبرى والسدود التي تغذي البلاد بالكهرباء.
لم يقتصر دور الكُرد على حماية تلك المناطق، بل انخرطوا في الحرب ضد تنظيم "داعش" عبر تشكيل "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وهي قوة ذات غالبية كبرى من المكون العربي بدعم من التحالف الدولي، لتصبح القوة الفعلية المسيطرة على هذه الرقعة الواسعة من الجغرافيا السورية.
مدينة منبج كانت واحدة من أبرز المدن التي وقعت تحت إدارة قسد عقب طرد مسلحي داعش منها. مدينة لها ثقل استراتيجي واقتصادي كبير، فهي تقع على خاصرة نهر الفرات الغربية وكانت تشكل فاصلاً بين مناطق المعارضة المدعومة تركياً شمالاً وبين قوات النظام شرقاً. لهذا السبب تحولت إلى عقدة صراع إقليمي ودولي، لا سيما مع التهديدات التركية المتكررة بالسيطرة عليها.
لكن ما حدث لاحقاً كشف عن براغماتية سياسية وعسكرية لافتة. فمع سقوط نظام الأسد المخلوع، انسحبت قسد من منبج، لكنها في المقابل وسّعت نطاق سيطرتها جنوباً نحو دير حافر ومَسكنة، أي باتجاه حلب، حيث تعتبران المدينتان خزاناً زراعياً وفيراً. كما أنها تقدمت جنوب شرق مدينة الطبقة وصولاً إلى تخوم البادية على طريق أثريا–سلمية.
السؤال هنا: لماذا كل هذا التمدد نحو البادية؟ وما الذي يجعل هذه الرقعة القاحلة هدفاً مغرياً؟
الجواب بات واضحاً لكل من يسلك طريق أثريا–الرقة؛ حيث تنتشر عشرات الآبار النفطية التي أُنشئت حديثاً على جانبي الطريق. عند هذه النقطة نفهم سرّ الاستغناء عن منبج مقابل التوسع في مناطق النفط، فالمعادلة الاقتصادية هي التي تحكم.
لكن تبقى الإشكالية الأعمق: هل كانت هذه التحركات نتيجة تخطيط استراتيجي لقسد نفسها، أم أنها جاءت بإملاء أميركي يهدف إلى ضمان السيطرة على الثروات السورية ومنع أي تسوية سياسية حقيقية بين دمشق وقسد؟ خصوصاً أن الكشف عن هذه الآبار جاء عقب الاتفاق الذي وُقّع بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات قسد مظلوم عبدي، والذي يبدو وكأنه يواجه عراقيل خارجية تحول دون تنفيذه.
هنا تتضح معالم الصراع، ويمكن القول أنه ليس مجرد خلاف محلي أو تنازع نفوذ داخلي، بل يمكن اعتباره لعبة إقليمية – دولية أكبر، تُستخدم فيها الجغرافيا السورية كأوراق مساومة، وتبقى الموارد هي بيت القصيد.