اخبار لبنان

جريدة اللواء

ثقافة وفن

(نَدَم إبليس) رشيد الضعيف.. رواية سرد الطرس

(نَدَم إبليس) رشيد الضعيف.. رواية سرد الطرس

klyoum.com

«جاء في أخبار الأولين، أن ذلك حدث في جبال ما يسمّى اليوم اليمن. ومنهم من يقول إن ذلك حدث في جبال ما يسمّى اليوم لبنان. وبعضهم يزعم أن ذلك حدث في أعالي جبال ما يسمّى بالهند».

التناص الأدبي والثقافي، كثيرا ما يقع للكتاب وهم في محنة الكتابة. يهمّون بالنص ويهمّ النص بهم، من خلال إعادة قراءة الطروس المكدّسة فوق بعضها طبقات طبقات. وشأو الكاتب، أن تسلس له الثقافة قتادها، تلك التي إعتاد مراجعتها مرارا وتكرارا بغية الوقوف على ثقافة المجتمعات التي غالبا ما تتوالد، من رحم أم واحدة.

«رشيد الضعيف. نَدَم إبليس. دار الساقي. بيروت-2025: 160 ص. تقريبا».

«ثم أن الزمن مضى. وسال وقت كثير في وديان الأرض ومجاريها. وغلبت الزوجة على أثر الصدمة التي أحدثتها في نفسها نصيحة الساحر الحكيم:

- لا تنجبا».

غلب هذا الروائي المجد، أن يعاود قراءة المكتوب الثقافي الذي تربّت عليه الأجيال، والذي يشكّل بطانة أدبنا وبطانة حياتنا بإمتياز. راح يوغل في قراءة الطروس والمدونات، ويقدمها لنا بأسلوبه الممتع، ويدعنا وحدنا نفكر، بما ورثنا من طرق التفكير الملتبسة والمتلبسة بالديني والأسطوري والخرافي، والذي يشكّل قعر المرآة، التي نرى فيها وجوه حياتنا اليومية.

«أقلقه هذا الصوت، فأمضى نهاره متسائلا عما تمنّاه من الحياة أكثر مما يتمنى غيره؟ ألا يحق له بأن يكون سعيدا بحمل زوجته؟ وهل ما سمعه لوم أم تنبيه أم تحذير أم ترهيب؟ ومن هو الذي يسمح وينهى؟».

لا يقول لنا رشيد الضعيف لماذا تأخّرنا، ولا يقول لنا ما أصابنا، ونحن نطوي دهورنا في مراجعة السرود الدينية التي حوت ما حوت من كل غث وثمين. لم يرد هذا الروائي الفذ، أن يأخذ دور الشارح، ولا دور المفسر، ولا حتى دور القارئ، بل كان يعمد إلى طرسنا الثقافي، ويقلبه في وجوهنا، فتهرّ منه الأحاجي والألغاز والأساطير والخرافات والمعتقدات، التي سوّست عقولنا ونخرت أبداننا، وأصابت عقولنا بكل خواء، بحيث عطّلت قوى التفكير عندنا.

«ودام هذا الضياع طويلا، إلى أن قررت أن تحزم أمرها، وأن تختار إسما من أسماء البشر. وأن تسمّي كما يسمّي البشر. لأن الكينونة التي رجت منها المساعدة، لم تستجب لرجائها».

رشيد الضعيف بثقافته الأناجيلية المتعددة، وبثقافته التراثية الممعنة في حشرنا في عصور الظلمة والحيرة والكآبة، يكاشفنا بما نحن عليه، منذ زمننا الأولاني، الذي لا رجاء فيه، مع أننا أمة رجاء دائم، أن تستقيم أحوالنا، ونصبح على عقل يستيقظنا على علوم محايثة.

«لم ترَ الزوجة في هذا الأمر ما يزيد من قلبها. فقلقها مقيم لا يبرح من قلبها. لكن الجن لا يعدم حيلة».

هذا الروائي الذي لا يتكرر، تماما هو، كما روايته، لا تتكرر. يجري ماؤها فوق عيوننا، فنستفيق على ما ينقصنا من عقل وعلم وشعر وأدب، غير مكرور في طروسنا.

«رماعيل يشغل بال والدته لأنه، منذ ولادته، محاط بالأسرار. هذا ما تشعر به في شعاب وجدانها، وفي روحها السائلة في دمها، دون أن تدرك كنه ما تشعر به، ودون أن تدرك حقيقة ما يسببه، وغايته».

ناقد مجتمعي حصيف، يعرّي ذواتنا على عيوبها، ويسلطّ الضوء على أعظم تلك العيوب، وهو الخلود بل الركون، للخوارق والتسليم بها. فهو يتأبى أمامنا على هدمها، بل يدعنا ننظر بكل حرية، في ما آلت إليه أحوالنا ونحن غارقون في التسليم بقوى الجن والعفاريت التي تستبيح سماء تفكيرنا.

«نعم أنا ظل في الشمس. لذلك أنتعش في الليل، حين تراني الشمس أصبح ظلا».

رسالة رشيد الضعيف إلينا، أننا تأخّرنا كثيرا، عن مراجعة كتبنا، وعن مراجعة ما كتب لنا، لأنه تسبب بما كتب علينا، فنحن اليوم ندفع ضريبة جهلنا، لأننا أسلسنا القياد للقوى الشيطانية أن تتحكم بنا.

«لم ينتبه أحد إلى أن الرئي حضر في الليل، وكانا نائمين، وزجّ بيضة في المطمر، سرقها من عش الطير المتحدر من أفعى...

وبين الإنسان والأفعى ما بينهما، منذ محنة آدم».

ليس قديما جدا ما طرحه أمير البيان شكيب إرسلان، في رسالته إلينا: «لماذا تقدّم الغرب وتأخّر العرب؟». ويكاد رشيد الضعيف أن يردّ اليوم على هذا السؤال: بأننا أسلمنا أنفسنا للغيبيات ولقواها الملتبسة، أن تكون طروسنا ودروسنا وكتبنا وأناشيدنا. وأن نكتفي بها أدبا وعلما وعلوم حياة.

«لكن الصدمة جاءت من أن المحاولة لم تنجح. فبعد أن أشعلا البخور وإطمأنا إلى أن الرئي هرب أو مات إختناقا، جلسا ليحتفلا... هو الرئيس يشاركهما الطعام».

رشيد الضعيف، يأتي في زمانه، رجل زمان ومكان، ليقلب هذه الطروس علينا، ويجعلنا نتذوق مرارة العفونة التاريخية فيها، أنفسنا بأنفسنا، بحيث ننفر منها ونعود إلى صوابنا، نبني من جديد، أجيالنا الجديدة، على قواعد جديدة من العلم والعمل، على قاعدة من القول المأثور: «بدأوا من هناك، فلنبدأ من هنا».

«حبس الجن إسمي، وسماني رماعيل لبنى. أرضى بأن أكون من أولادك. لكن أنا من أسمي نفسي».

أستاذ في الجامعة اللبنانية

*المصدر: جريدة اللواء | aliwaa.com.lb
اخبار لبنان على مدار الساعة