اخبار لبنان

جريدة اللواء

ثقافة وفن

في الذكرى الثامنة لرحيله.. عبد المجيد الرافعي وإن رحل فإن ماضيه باقٍ أبداً

في الذكرى الثامنة لرحيله.. عبد المجيد الرافعي وإن رحل فإن ماضيه باقٍ أبداً

klyoum.com

سنواتٌ ثمانٍ تفصلنا عن توقّف نبض قلبِ حكيم طرابلس والشمال وملهم الكفاح الوطني والقومي وأيقونة الإنسانية، المناضل المسكون بفلسطين والأمة وقضايا المظلومين.

تسعون سنة وطرابلس الفيحاء في قلب الدكتور عبد المجيد الطيب الرافعي؛ فسكنت عقله وحضرت دائماً في وجدانه وتصرفاته. فكانت عيناه ترنوان نحوها من أبي سمرة وبيروت وبغداد وأينما حلّ.

عيناه شاخصتان كعيني رفاقه ميشيل عفلق وصدام حسين والرواد الأوائل، متطلّعين بثقة وأمل الى مستقبل مجيد لكل مدينة وبلدة وقرية ودسكرة وناحية من نواحي الوطن متحررة مزدهرة، في ربوع امة عربية واحدة ذات حضارة وأبّهة.

نتذكّر عبد المجيد بالصوت والصورة ناطقا بالمواقف الوطنية والقومية مثالا للعمل الدؤوب وعلماً يُحتذى بالتضحية والاقدام وقيادة العمل الوطني والقومي حتى غدا رمزاً للعمل الجاد والتضحية بلا حساب؛ ذلك بفعل حضوره الدائم ومواقفه التي لامست أحلام الناس وهواجسهم ومنحت الأمل لتطوّر الوطن نحو السيادة الحقّة الخالية من شوائب التبعية والزبائنية والفساد.

انه ذلك الإنسان الذي لم تغرِهِ الامكانيات أو تبعده المناصب والمواقع القيادية عن أهله ومجتمعه. وكما كانت هواجس الناس شغله الشاغل ولا سيما الفقراء منهم، كذلك كانت وحدة الدولة بمؤسساتها الشرعية ومواطنيها، العابرة للطوائف والمذاهب.

إن تذكُّر طبيب الفقراء الحكيم عبد المجيد الرافعي، في الذكرى الثامنة لرحيله وفي كل وقت وحين، هو وفاء لثوابته وتطلّعاته وأحلامه، هو استحضار لطيبة روحه وممارسته العمل العام بضميرٍ حيٍّ ونُبلِ خُلُقٍ بلا حساب.

عقود حياته التي حفلت بالعمل الوطني والقومي لم تثنه عن مشاركته في الأفراح والأتراح وخاصة في حضوره الإنساني في الطبابة التي كان ذراعه فيها خصيبا ووفيراً؛ فكان ظاهرة نادرة في العمل السياسي حيث كرّس حياته للمحتاجين وقد تكوكب حوله جمع من الرفاق والأصدقاء والعارفين القريبين والأبعدين، حتى ظنّ كل من عرفه انه صديقه الحميم.

لم يكن لعبد المجيد مواكب طويلة وسيارات مفيّمة، ولم يكن ذات مرة محبًّا للظهور أو متسابقاً للبروز، في مرحلة كان يُعدُّ فيها من أبرز قادتها.

يروي الكاتب والإعلامي نيكولا ناصيف في كتابه «سر الدولة» كيف ان حكمت الشهابي رئيس أركان الجيش السوري في العام 1972 استدعى أنطوان الدحداح المدير العام للأمن العام في عهد الرئيس سليمان فرنجية الى دمشق على عجل، كي يطلب من الحكومة اللبنانية رسمياً إسقاط عبد المجيد الرافعي ورياض طه في الانتخابات (المقبلة) وأن النظام اللبناني أكد للنظام السوري ان الانتخابات ستكون ديمقراطية ونزيهة، لكن استطلاعات الحكم أكّدت يومها ان الرافعي سيفوز بسبب شعبيته الكبيرة. وهذا ما حدث؛ وفاز الرافعي بفارق زيادة 543 صوتاً عن الرئيس كرامي، حيث شكّلت النتيجة صدمة للنظام السياسي التقليدي آنذاك. علماً انه تمكّن أيضا عام 1960 من اختراق لائحة الرئيس كرامي في طرابلس، وعلّق المحافظ فوزه ليعاود في اليوم التالي إعلان غيره نائبا عن المدينة.

هذا غيض من فيض مآثر «الحكيم» الذي صمد مع رفاقه في قيادة مسيرة حزب البعث القومية، طوال سنوات صعبة، متوّجاً حياته النضالية بتلك المواجهة المجيدة لأعتى حصار وأشرس عدوان أميركي، ما زال العراق والأمة يعانيان آثارهما. كذلك كان يجهد ويحرص مدى العمر على تقديم وتجسيد أبهى نموذج إنساني وحضاري للبنانيين وللأمة العربية، مقتدياً بمقولة المؤسس الرفيق ميشال عفلق «ان مشكلة لبنان مع العروبة هي مشكلة العروبة مع نفسها، مع تقدميتها، مع ديمقراطيتها».

لكن، مع الأسف لو كان عبد المجيد ما يزال معنا لكان يحزن ويتألّم على الحالة التي تنتاب الوطن والأمة من تشرذم وتشتّت، بين المتمسّك بالمبادئ والمساوم والمزايد!!!

تبقى الذكرى محل إلهام، ولعلّها تكون حافزاً على النهوض والتجدُّد ومواصلة نهج الإستقامة والجود والتضحية والعطاء.

وكما أورد أمين معلوف في مقدمة كتابه (متاهة الضائعين) قول الكاتب المفكر ويليام فوكر «ان الماضي لا يموت أبدا، لا ينبغي لك حتى أن تعتقد انه قد مضى». فمسيرة عبد المجيد باقية في العقل والقلب والوجدان.

محمد حلاوي

عضو قيادة قطرية سابقاً

*المصدر: جريدة اللواء | aliwaa.com.lb
اخبار لبنان على مدار الساعة