اخبار الاردن

جو٢٤

سياسة

فاز ممداني أم خسر: خلاصنا في أنفاق غزة وليس "صب واي" نيويورك!

فاز ممداني أم خسر: خلاصنا في أنفاق غزة وليس "صب واي" نيويورك!

klyoum.com

فاز ممداني أم خسر: خلاصنا في أنفاق غزة وليس "صب واي" نيويورك!

كمال ميرزا

منذ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة، وإعلامنا ومثّقفونا ومؤثّرونا من حيث يدرون ولا يدرون في سباق محموم من أجل غسل أمريكا والكيان الصهيونيّ بالماء والثلج والبَرَد من وزر الإبادة والتجويع والدمار والتهجير (مع أنّ كلّ هذا ما يزال مستمراً)، وإعادة تلميع "ديمقراطيتهما" الكاذبة، ومجمل ما يُسمّى مشروع "الحداثة" الغربيّة الأشدّ كذباً.. وكأنّ السنتين الماضيتين لم تكونا!

بالنسبة لنجاح "ممداني" عمدةً لنيويورك الذي يطنطن له الجميع، ولم يتبقَ إلا أن يقفوا على صعيد واحد ويهتفوا بعلو صوتهم: "إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً"، ومع أنّ هذا النمط قد تكرّر عشرات المرّات من قبل، فإنّ هناك إصرار عجيب على تجاهل ما يلي:

أولاً: "ممداني" ابن النظام الأمريكيّ، وفكرة التغيير من داخل النظام هي فكرة سمجة وممجوجة، على الأقل حين يتعلّق الأمر بمصالح وأولويّات هذا النظام، وسياساته الخارجيّة تجاه العالم أجمع، وتجاه العرب والمسلمين وقضاياهما بشكل خاص وفي مقدمتها القضية الفلسطينيّة.

بل هي فكرة سمجة وممجوجة حتى بالنسبة للداخل الأمريكيّ والشعب الأمريكيّ نفسه (إذا صحّ اعتباره شعباً)، وإعادة ضحك على لحى الأمريكيّين بأنّهم من خلال صناديق الاقتراع، ومن خلال إعادة إيلائهم الثقة بالمنظومة القائمة، يستطيعون إحداث "التغيير" المنشود، وتلافي خطر أن تتحوّل "هزّة الوعي" الذي تعرّض لها الشعب الأمريكيّ والعالم أجمع جرّاء "طوفان الأقصى" إلى حالة "تثوير" وليس مجرد تغيير!

ثانياً: "ممداني" عضو في "الحزب الديمقراطيّ" الذي هو شريك أساسيّ في الإبادة والتهجير، وشريك أساسيّ في جميع الجرائم والموبقات الأمريكيّة!

والمفارقة أنّ أي طالب سنة أولى "شخّاخ" يدرس العلوم السياسيّة يستطيع أن يقول لكَ أن "المعارضة" في النظام السياسيّ الأمريكيّ هي معارضة شكليّة، تقتصر على القشور والفروع والإجراءات، ولا تمسّ جوهر المنظومة وثوابتها التي تقوم على "المصالح الخاصّة" للبنوك والشركات والصناديق السياديّة وأفراد وأسر بعينها (والتي يمثّلها الديمقراطيّون والجمهوريّون على حدّ سواء).. وليس على المصلحة العامّة، سواء مصلحة عامّة الأمريكيّين، أو مصلحة عموم البشر.

وتداول السلطة في أمريكا هو على طريقة "قم لأجلس مكانك"، وتقاسم الأدوار بين الإدارات المتعاقبة هو على طريقة "الشرطي السيء والشرطي الطيّب" كما في الأفلام الهوليووديّة، أو على طريقة "كسّر وإحنا بنجبّر" كما يقول الهتاف المشهور في ملاعبنا الرياضيّة.

ثالثاً: في معرض استعارة "إدوارد سعيد" في كتابه "الاستشراق" مفهوم "القوّة" أو "السلطة" وعلاقته بـ "المعرفة" و"الإنشاء" و"التمثيل" لدى "ميشيل فوكو"..

وفي معرض تقديم "كمال أبو ديب" لترجمته العربية لكتاب "الاستشراق".. يقول "أبو ديب":

((وهكذا ترتبط القوة، في أعلى صورها، بامتلاك القدرة والطاقة على تقديم مَعْجَبَة: فرجة مثيرة مفرطة)).

ولا يحتاج الأمر لكثير من العبقريّة لإدراك أنّ "معجبة" و"فرجة" انتخاب "ممداني" (التي تجري في عصر السوشال ميديا) هي إعادة إنتاج ممجوجة ومفضوحة لـ "الحلم الأمريكيّ" باعتباره النسخة الدعائيّة المُحدّثة من وعود "الحداثة الغربيّة" الكاذبة: شاب مهاجر مسلم أسمر من الطبقة المتوسطة ينجح بالعزيمة والإصرار والعمل الجاد (والإيمان في المنظومة) في تحقيق ذاته، وتحدّي السلطة، وهزيمة الرجل الأبيض الأشقر المتغطرس "دونالد ترامب" وعصابة المليارديريات الذين يقفون وراءه، ويمثلون مجرد "استثناء" أو "حالة شاذة" على هامش الحالة المثاليّة الطوباويّة الناصعة التي يمثّلها "الحلم الأمريكيّ" (الحلم الذي تطالبنا نهاية التاريخ والعولمة بتعميمه على العالم كلّه بما في ذلك غزّة بعد تخليصها وتطهيرها من الحيوانات البشريّة التي تقطن فيها)!

رابعاً: في أحسن أحواله ما هو المتوقّع من "ممداني" و"الحالة" و"التيار" الذي يُفترَض أن يمثّلهما "ممداني"؟!

هل سيعلن الحرب مثلاً على الكيان الصهيوني؟!

هل سيعلن الحرب على البنوك والشركات الأمريكيّة، وعلى المجمّع الصناعيّ - العسكريّ، وعلى اللوبيّات وجماعات الضغط الصهيونيّة؟!

هل سيعترف بـ "المقاومة المسلّحة" باعتبارها حقّاً مكفولاً للشعب الفلسطينيّ وسائر الشعوب المكتوية بنار الهيمنة الأمريكيّة كجزء أصيل من حقّها بـ "تقرير المصير"، ويعترف بفصائل المقاومة الفلسطينيّة باعتبارها حركات تحرّر وطنيّ مشروعة؟!

في أقصى حالاته سيعيد "ممداني" اجترار نفس الخطاب الحقوقيّ البرّاق ولكن الزائف الذي يحترف "الديمقراطيّون" ترديده وتوظيفه كلما استدعت الحاجة مثل "نشر الديمقراطيّة" و"الحريّة" و"حقوق الإنسان" و"الأمن" و"التمكين" و"المشاركة السياسيّة" و"الحوكمة".. الخ.

وتصوير الفلسطينيّين باعتبارهم "حالة إنسانيّة" لبشر مساكين جلّ همّهم في الحياة أن يظفروا (ولو من خلال الهجرة والتوطين) بالحدّ الأدنى من مقتضيات العيش (حصتهم العادلة من الحلم الأمريكيّ ونمط الحياة الرأسماليّ الاستهلاكيّ).. وليسوا أصحاب "قضية"، يتمسّكون بوطنهم، ويمتلكون مشروعاً للتحرّر الوطنيّ يدفعون من أجله الأثمان عن سابق إرادة ووعي.

والمساواة بين الضحيّة والجلاد بتصوير أفعال المقاومة باعتبارها "عنفاً" و"إرهاباً" (حتى وإن كان هناك ما يبرّرها أو على الأقل يفسّر لماذا يمكن أن يلجأ البعض إليها)، والترويج للسلام (الاقتصاديّ طبعاً)، و"التعايش"، و"الأخوّة" (على غرار الأخوّة الإبراهيميّة).. باعتبار هذا كلّه بديلاً لـ "العنف.. والعنف المضاد"!

بل إنّ "ممداني" قد شرع فعلاً بلوك مثل هذا "الخطاب" بمجرد الإعلان عن فوزه في الانتخابات، ومن جملة ذلك تصريحه بأنّه سيعمل على محاربة كراهية المسلمين ومعاداة الساميّة (وكأنّ هذين المفهومين المركّبين اللذين جمعهما معاً في عبارة واحدة هما في خلفيّاتهما ودلالتهما وسياقيهما شيء واحد مختزل وأحاديّ ومسطّح)!

خامساً: الاحتفال والاهتمام و"الانجلاق" الزائد بانتخابات "نيويورك" وانتخاب "ممداني" (وقبلها الانجلاق بالانتخابات الأمريكيّة) هو مظهر آخر من مظاهر التبعيّة للآخر، والانبهار بالآخر، والانسحاق أمام الآخر.. أو متلازمة "الافرنجي برنجي" إذا جاز التعبير!

فإذا كان الويل والثبور واللعنات مصدره السيّد الغربيّ القويّ المتحضّر.. فإنّ الرحمات والبركات والخلاص مصدرها هذا السيد الغربيّ أيضاً!

وإذا كانت "نيويورك" (عاصمة النظام الرأسمالي العالميّ) هي "وكر الشيطان".. فهي أيضاً وعلى حين غرّة "مربط خيلنا"!

في الجحيم والنعيم نحن ننظر لأنفسنا باعتبارنا "تابعين"، ومصيرنا رهن بيد الآخر القويّ المتفوّق، وبمشيئته التي لا تُقهر ولا تُرد ولا تُساءَل ولا يمكن تجاوزها!

والذي يستفز أكثر أن هذا كلّه يحدث بعد مضي عامين على معركة "طوفان الأقصى" المباركة، أي بعد أن قدّم لنا أهل غزّة ومقاومتهم الباسلة أعظم نموذج إنسانيّ ممكن ومُلزم ومُفحم عبر العصور.. ومع هذا ما يزال المنسحقون يصرّون على تعلّقهم المَرَضيّ الهوسيّ بالربّ الغربيّ/ الصهيو-أمريكيّ، بسبب خوفهم وجبنهم (حتى وإن رأيت أحدهم في سياقات أخرى بعباعاً جعجاعاً)، وبسبب عبوديّتهم لنمط الحياة الاستهلاكيّ الذي يخشون أن يفقدوا ولو النذر اليسير من ملذّاته ووعوده، وبسبب رغبتهم المضمرة بالتنصّل من المسؤوليّات التي سيلقيها على كاهلهم إقرارهم الصريح بـ "طوفان الأقصى" واعترافهم به نموذجاً.

خلاصة الكلام: فاز "ممداني" أو خسر "ممداني".. طز يا "ممداني"!

حال الذي ينتظر "التغيير" والخلاص القادم من "الخارج" ومن "الآخر" ومن أمريكا كحال طالب الدبس من طـ.... النمس!

خلاصنا هنا، في مقاومتنا، في تحرّرنا الوطنيّ، في جبهتنا الموحّدة، في دفاعنا القوميّ والإسلاميّ المشترك!

خلاصنا في أنفاق غزّة وليس في "صب واي" نيويورك (أو مجاريها)!

وفي المقابل، "ممداني" وأهالي نيويورك والأمريكيّون و"الآخرون" جميعاً هم الذين يحتاجوننا ولسنا نحن الذين نحتاجهم، وهم الذين يحتاجون إلى "الطوفان" ونموذجه ليحرّروا أنفسهم.. وساعتها "كثّر خيرهم"، لسنا بحاجة لهم ليحررونا، ولا نحتاج حتى لتعاطفهم وتضامنهم، فقط فليحرروا أنفسهم وليتركونا في حالنا و"يكافونا شرهم".. وساعتها نحن أدرى بكيفيّة تحرير أنفسنا!

*المصدر: جو٢٤ | jo24.net
اخبار الاردن على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com