صوت هند رجب: صرخة غزة التي تهز ضمير العالم
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
شاهد البث المباشر لمواجهة الفيصلي والبقعة .. وتعرف على تشكيلة الفريقينصوت هند رجب: صرخة غزة التي تهز ضمير العالم
الكابتن اسامة شقمان
في مهرجان البندقية السينمائي، لم يكن عرض فيلم "صوت هند رجب" مجرد حدث فني عابر، بل مواجهة بين الضمير العالمي ونبض صوتي ينبعث من تحت الركام. لم تصنع المخرجة التونسية كوثر بن هنية فيلمًا عن طفلة فلسطينية فقط، لكن أسست بحسها العميق اختبارًا فلسفيًا: ماذا يبقى من الإنسان حين يُترك وحيدًا أمام آلة العنف؟
الفيلم يرتكز إلى تسجيلات صوتية حقيقية للطفلة هند رجب، التي وُجدت مقتولة داخل سيارة في غزة، بعد أن حاولت النجاة عبر الهاتف من دون أن يأتي أي رد. هنا يتحول الصوت إلى أثر وجودي أخير؛ الجسد يختفي، لكن الاسم يظل، والنداء يظل، كأن الوجود كله أصبح صرخة جهر بها آخر صوت للبراءة.
الفيلم يطرح السؤال: هل الإنسان موجود بقدر ما يُسمع صوته؟
هند تصرخ، ليس كوسيلة للإنقاذ، بل لأن النداء ذاته مقاومة ضد المحو. تقول: أنا هنا… حتى لو تجاهلها العالم.
غزة في هذا النص ليست جغرافيا، بل استعارة لزمن تُقتل فيه البراءة مرتين: بالنار، وبالصمت الدولي. كل بيت مدمر يمثل تكرارًا لصوت هند، وكل أم تبحث عن طفلها تواصل صرخته. هكذا يتحول الفيلم إلى شهادة جماعية ضد الإبادة الرمزية التي تسعى لتجريد الإنسان من إنسانيته عبر الأرقام، في حين أن خلف كل رقم حلمًا لم يكتمل.
عند انتهاء العرض، اهتز الجمهور بتصفيق دام أكثر من 23 دقيقة. لم يكن التصفيق مجرد إعجاب، بل طقس جنائزي جماعي يعلن أن الضمير رغم تأخره ليس ميتًا بعد.
ما زاد في قوة الفيلم أن أُنجز بدعم من أسماء عالمية مثل Brad Pitt ،Joaquin Phoenix ،Rooney Mara ،Alfonso Cuarón ،Jonathan Glazer. هذا الانحياز الفني إلى قضية إنسانية جعل الفيلم سؤالًا كونيًا عن العدالة والمعنى.
ولا يتوقف الفيلم عند التأثير العاطفي فقط، بل توج بجائزة الأسد الفضي – Grand Jury Prize في الدورة الـ82 من مهرجان البندقية السينمائي، وهو بمثابة اعتراف فني دولي بأن صرخة طفلة، وإن تأخر وقت سماعها، لا تزال فعلاً مقاومًا ضد غياب الإنسانية.
في النهاية، "صوت هند رجب" ليس فيلمًا عن ماضٍ، بل مرآة الحاضر وجرس إنذار للمستقبل. هو وثيقة فلسفية تطرح السؤال الأكثر إلحاحًا: هل نحن مجتمع إنساني يسمع أصوات الضحايا في وقتها؟ أم جمهور يتقن التصفيق بعد فوات الأوان؟
إنه فيلم عن غزة، وعن كل إنسان تُرك وحده ليواجه ما لا يطيق. إنه تذكير بأن الإنسانية ليست في الكلمات الكبرى، بل في الاستجابة لصرخة طفلة تقول: أنقذوني.