قراءة تحليلية لخطة "ترامب" للسلام
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
معاريف: أخبار سيئة لإسرائيل لأول مرة منذ عام 1979حين وقف دونالد ترامب إلى جانب بنيامين نتنياهو ليعلنا ما سمي بخطة السلام ، كان المشهد أشبه بعرض مسرحي رديء الاخراج ، اذ ان "الرئيس الأمريكي" يتحدث عن غزة "كصفقة تجارية" وكأنها قطعة أرض معروضة في "مزاد علني" ، والى جانبه وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي وهو يبتسم ابتسامة الواثق من أنه حاز على ما لم تستطع حكومات إسرائيل المتعاقبة أن تنتزعه ، فما بدا في ظاهره مشروعاً متماسكاً بآلياته وتسلسله، سرعان ما تكشف عن وثيقة لإدارة أزمة أمنية أكثر منه حلاً سياسياً .
الخطة ،"كما رسمت"، تقوم على خطوات متتابعة ، كن وقف إطلاق النار ، الى تبادل أسرى ، وإعادة إعمار ، ونشر قوة استقرار دولية، ثم وعود بأفق اقتصادي جديد ، لكن وللوهلة الأولى تبدو هذه العناصر جذابة ، فهي تقدم تفاصيل إجرائية دقيقة، وجداول زمنية محكمة، ووعوداً بمساعدات إنسانية عاجلة تدغدغ مشاعر المتابعين ، بل إن ترامب حرص على أن يضيف بعداً دولياً شكلياً عبر الحديث عن "مجلس للسلام" وتعيين شخصيات دولية في واجهته، قبل أن يزين المشهد بوعود اقتصادية تصور السلام كأنه صفقة تجارية رابحة.
لكن ، ما أن يشرع المرء في قراءة أعمق حتى تظهر الثغرات الصارخة ، فأول ما يلفت النظر هو الغياب الفاضح للفلسطينيين عن صياغة الخطة ، فلم يستشر أي طرف فلسطيني ، فلا حماس ولا السلطة ولا الفصائل ، وكأن غزة مجرد ساحة خالية يعاد تشكيلها من الخارج ، وكأن الفلسطينيين ليسوا أصحاب الأرض ولا جوهر القضية ، ثم إن الحديث عن الدولة الفلسطينية وحق تقرير المصير يأتي في بند هامشي ، غامض ومشروط، يختزل في عبارة فضفاضة تقول : "قد تتوافر الظروف…" ،هنا ينهار الادعاء بالسلام ، لأن ما يطرح في الجوهر ليس إلا تحسينات إدارية وخدماتية دون أفق وطني حقيقي.
إلى جانب ذلك ، يجري تهميش السلطة الوطنية الفلسطينية تماماً، إذ لا مكان لها في إدارة غزة، بل يستبدل حضورها بلجنة "تكنوقراطية" تحت إشراف خارجي ، وكأن الهدف تعميق الانقسام وترسيخه لا تجاوزه ، أما العلاقة بين الضفة وغزة فتم تجاهلها عمداً، وكأن القطاع كيان منفصل يدار بمعزل عن بقية الأرض الفلسطينية ، وفي المحصله فان النتيجة هي تكريس الرؤية الإسرائيلية التي طالما سعت إلى فصل المسارين وقطع الطريق أمام قيام دولة متكاملة.
كل ما في الخطة يدور حول الأمن ، بنزع سلاح المقاومة، ومراقبة دولية، وممرات آمنة، وضمان حدود إسرائيل ، وفي المقابل ، تمحى قضايا السيادة والحقوق الوطنية، ويتعامل مع الفلسطينيين ككتلة سكانية بحاجة إلى ضبط أمني وتوفير خدمات، لا كشعب يملك حقاً تاريخياً في أرضه ، وثم تأتي شخصنة العملية لتكمل المشهد ، ترامب يضع نفسه رئيساً لمجلس السلام ، في استعراض واضح يضيف إلى صورته أكثر مما يضيف للقضية، ويستعين "بتوني بلير" الذي خبرنا دوره في مشاريع سابقة لم تحقق شيئاً يذكر ، أما الجانب القانوني فمغيب تماماً ، إذ لا "إطار دولي ملزم" ولا مرجعية لقرارات مجلس الأمن، بل مجرد ترتيبات سياسية تمنح إسرائيل مكاسب واضحة وتترك التزاماتها فضفاضة وقابلة للتأويل.
الخلاصة أن ما يقدمه ترامب ليس خطة سلام ، بل هدنة مشروطة، تدار بمنطق القوة والهيمنة، وتسعى قبل كل شيء إلى نزع سلاح حماس وإخراجها من المشهد، وتأمين حدود إسرائيل ، وتقديم غزة للعالم كملف إنساني يحتاج إلى إدارة دولية وتمويل خارجي ، فكل ذلك يجري فيما القضية المركزية "الدولة والسيادة ووحدة الأرض والشعب " تمحى من النص تماماً .
إنها ليست فرصة تاريخية كما يحاول أن يسوق ترامب ونتنياهو، بل محاولة لتفريغ الغضب العربي وتشتيت الجهود الدولية في مسارات جانبية ، فما نراه هو إدارة أزمة قصيرة المدى ، لا مشروعاً استراتيجياً لصنع سلام عادل ، ولذلك تبقى الخطة مجرد حلقة أخرى في مسلسل طويل عنوانه ، إنقاذ إسرائيل سياسياً ، وتهميش الفلسطينيين وحقوقهم .
والله بالغ امره