اخبار الاردن

جو٢٤

سياسة

من دين بلا عائد إلى سيادة اقتصادية مفقودة: كيف يخرج الأردن من فخ النموذج المالي المتصدّع؟

من دين بلا عائد إلى سيادة اقتصادية مفقودة: كيف يخرج الأردن من فخ النموذج المالي المتصدّع؟

klyoum.com

أخر اخبار الاردن:

دبلوماسية الأشقاء

من دين بلا عائد إلى سيادة اقتصادية مفقودة: كيف يخرج الأردن من فخ النموذج المالي المتصدّع؟

وائل منسي

في لحظة اقتصادية يتقاطع فيها الإرهاق المالي مع ضبابية القرار، تبدو الأزمة الأردنية وكأنها لم تعد مجرد خلل في التوازنات، بل تحوّلاً عميقاً في بنية النموذج الاقتصادي نفسه.

فمنذ أن انتقل الدين العام من كونه أداة لتمويل التنمية إلى أداة لتمويل الاستهلاك، ارتسم مسار جديد أكثر خطورة: دين بلا عائد، واقتراض يمول نفقات جارية ورواتب ودعم سلعي، بعد أن كان يُبنى به مدارس ومستشفيات وطرق.

القفزة التي سجلها الدين بـ11 مليار دينار خلال حكومة واحدة في ظل اكتمال البنية التحتية الأساسية، لم تعد رقماً مالياً بل مؤشراً على تحوّل استراتيجي في نمط الإدارة.

يتوازى هذا التحول مع سجل طويل من الإخفاقات في إدارة الثروات الوطنية، من عجز الحكومات عن تحويل الثروات الطبيعية إلى قيمة مضافة حقيقية، إلى قرارات خصخصة أثبتت السنوات أنها أقرب إلى بيع "أصول تحت الضغط" وليس إعادة هيكلة اقتصادية.

المثال الفاقع لبيع 26% من البوتاس بـ126 مليون دينار، ثم بيع المستثمر الأجنبي لنفس الحصة لاحقاً بـ354 مليون دينار، يروي قصة بلد خسر ليس فقط 228 مليون دينار من تفاوت القيمة، بل خسر أيضاً سنوات من أرباح كان يمكن أن تُستثمر في مشاريع إنتاجية.

ثقافة الإخفاء والتقاعس تضيف طبقة أخرى من التعقيد.

فشركة البترول الوطنية التي عجزت ثلاثة عقود عن تطوير حقل الريشة، تجد نفسها فجأة أمام اكتشافات جديدة تأتي بعد سنوات من نفي رسمي لأي جدوى.

والتناقض في إدارة ملف الطاقة يفتح الباب لتساؤلات حول غياب رؤية استراتيجية، مقابل هيمنة حلول انتهازية قصيرة المدى تُسكن الأزمة لكنها لا تعالجها. الخصخصة بدورها تحولت إلى مسكن مؤلم: بيع أصول استراتيجية لتغطية عجز مرحلي، بينما تتآكل القدرة على توجيه القطاعات الحيوية.

كل ذلك يحدث بينما يستمر عجز الموازنة في التفاقم رغم برامج الإصلاح المتكررة، وتلتهم خدمة الدين الحيّز الأكبر من الإنفاق العام، ويزداد الاعتماد على المنح والمساعدات بخطوات ثابتة، وكأن الاقتصاد يعيش على "أجهزة دعم الحياة" بدلاً من أن يعيد إنتاج قدرته على النمو.

الخروج من هذه الحلقة المفرغة لا يكون عبر المزيد من الترقيع، بل عبر تغيير النموذج نفسه.

تبدأ الخطوة الأولى من إدارة الدين بقدر عالٍ من الشفافية: نشر تقارير ربع سنوية تشرح أين يذهب كل قرض وما العائد المتوقع منه، وتفعيل رقابة برلمانية على المشاريع الممولة بالدين، ثم التفاوض لتحويل جزء من الديون إلى استثمارات في مشاريع إنتاجية بدلاً من بقائها عبئاً مالياً متراكماً. إدارة الدين يجب أن تتزامن مع نموذج جديد لإدارة الثروات، يقوم على وقف الخصخصة في القطاعات الاستراتيجية، واعتماد شراكات إنتاجية لا بيع حصص، مع اشتراط نقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر المحلية، إلى جانب إنشاء هيئة وطنية مستقلة لإدارة الثروات تعمل بمنطق شركات سيادية محترفة بعيداً عن الاعتبارات السياسية.

ومع استعادة السيادة على الموارد، يصبح تحفيز القطاعات الإنتاجية ضرورة لا ترفاً: حوافز استثمارية نوعية، تمويل ميسر للمشاريع ذات القيمة المضافة، تطوير بنية تحتية للطاقة والتعدين، وإنشاء مراكز أبحاث متخصصة قادرة على خلق دورة اقتصادية جديدة تتجاوز حدود السوق المحلية.

ولا يكتمل المشهد دون إصلاح مؤسسي يعيد هيكلة الشركات الحكومية لتصبح شركات مساهمة عامة بكفاءة حوكمة أعلى، وتعيين إدارات على أساس الجدارة، وتفعيل أدوات النزاهة والرقابة لمحاربة الفساد والهدر في قطاع الموارد.

النقد المطلوب هنا ليس سجالاً سياسياً بل تشخيص ضرورة: الخصخصة لم تُدار لتحقيق الكفاءة، بل لتسكين العجز؛ والإدارة الحكومية لم تَبنِ نموذجاً إنتاجياً، بل أدمنت التفكير قصير الأمد؛ والسياسات الاقتصادية لم تنطلق من تخطيط استراتيجي، بل من إيقاع سياسي يفرض أولوياته على الاقتصاد.

اليوم يقف الأردن أمام مفترق طرق حاسم.

إما الاستمرار في نموذج الاقتراض والخصخصة الذي راكم 46 مليار دينار دون بنية إنتاجية حقيقية، وإما تبني نموذج سيادي جديد يعيد الاعتبار للثروات الوطنية، ويعيد تعريف العلاقة بين القطاعين العام والخاص، ويضع الشفافية والمساءلة كشرطٍ لا يمكن تجاوزه.

الخروج من «قاع الزجاجة» لن يكون بتجميل نموذج متصدع، بل بجرأة الانتقال إلى نموذج تنموي جديد يمتلك القدرة على خلق قيمة مضافة حقيقية، ويصلح العلاقة المختلة بين الدولة والاقتصاد والمجتمع.

هذا التحول ليس خياراً فكرياً، بل خيار بقاء اقتصادي.

*المصدر: جو٢٤ | jo24.net
اخبار الاردن على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com