زلزال الذكاء الاصطناعي .. هل نحن جاهزون؟!
klyoum.com
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تطور تقني عابر في اطار ثورة تكنولوجية تجتاح العالم أو حتى ترف إداري، بل اصبح ركيزة أساسية تعيد صياغة دور المؤسسات الحكومية في خدمة المجتمع وإدارة الموارد.
المسألة لم تعد ترتبط بتسريع المعاملات أو تحسين الأداء فحسب، بل باتت تعكس قدرة الدولة على مواكبة التحولات العالمية وصناعة مستقبل قائم على المعرفة والابتكار والاستجابة لمتطلبات هذه الثورة.
الجاهزية للتحول إلى الذكاء الاصطناعي تعني بناء نموذج مؤسسي أكثر كفاءة ومرونة، قادر على استشراف القادم واستباق التحديات بدلاً من الاكتفاء بردّ الفعل ، فهي تقود إلى إعادة هندسة العمليات، وتعزيز الشفافية، وتقليص الفاقد في الوقت والموارد، إضافة إلى تمكين صانع القرار من الاعتماد على بيانات دقيقة وتنبؤات علمية تُثري السياسات العامة.
لعل الأهم ، أن هذا التحول يرسخ ثقة المواطن في مؤسساته، عندما يلمس بنفسه جودة الخدمة، وسرعة الاستجابة، وعدالة التوزيع.
وقد برزت التجربة السعودية مثالًا متقدّمًا في هذا المضمار، حين أطلقت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) المؤشر الوطني للذكاء الاصطناعي، بحضور أكثر من 180 جهة حكومية في دورة القياس الأولى ، هذه الخطوة الاستراتيجية لم تكن مجرد مبادرة تقنية، بل مشروع وطني يستهدف توحيد الجهود الحكومية ضمن إطار مرجعي واحد، يقيس مستوى الجاهزية، ويقدّم توصيات عملية لتطوير القدرات، ويحوّل الذكاء الاصطناعي من رؤية مستقبلية إلى ممارسة يومية داخل المؤسسات.
يستند المؤشر إلى ثلاث ركائز رئيسية وسبعة محاور و23 مجالًا فرعيًا، وهو ما يعكس شمولية الرؤية ودقة القياس ، وبذلك، تُتاح لكل مؤسسة حكومية فرصة الوقوف على موقعها الحقيقي في مسار النضج الرقمي، ومعرفة ما يلزمها لعبور الفجوة نحو المستقبل.
التجربة السعودية تحمل في طياتها دروسًا عميقة ، أولها أن وجود مرجعية وطنية جامعة هو الضمانة الحقيقية لنجاح التحول وعدم تشتيت الجهود وثانيها أن مؤشرات القياس الموضوعية تخلق ثقافة المساءلة وتدفع المؤسسات نحو التحسين المستمر ، وثالثها أن توحيد الأولويات الوطنية يفتح الباب أمام تكامل الجهود بدل تضاربها ، وأخيرًا، أن ربط الذكاء الاصطناعي برؤية استراتيجية كبرى، كما في رؤية المملكة 2030 يمنحه بعدًا يتجاوز التقنية ليصبح أداة للتنمية الشاملة.
ان التحول نحو الذكاء الاصطناعي ليس تحديثًا شكليًا للبنية الرقمية، بل مشروعاً حضارياً يرسم ملامح الدولة الحديثة ، وكل تجربة ناجحة تُظهر أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي هو في جوهره استثمار في الإنسان، في كفاءته، وفي ثقته بمؤسساته، وهو ما يجعل مسألة الجاهزية ليست ترفًا، بل واجبًا وطنيًا عاجلًا.
الاستفادة من الدروس درس بحد ذاته .. فهل نحن جاهزون ..؟!