جدعون ليفي: جوعهم وعارنا.. هذه الحرب الأكثر رعبا في تاريخ حروب اسرائيل! #عاجل
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
سوريا تعلن عن عطاء لبيع 500 ألف برميل من النفط الخام الثقيلجدعون ليفي: جوعهم وعارنا.. هذه الحرب الأكثر رعبا في تاريخ حروب اسرائيل! #عاجل
ترجمة - هآرتس *
إن الخطة الإسرائيلية المتعلقة بـ"تطهير" قطاع غزة عرقياً تسير على ما يرام، وربما أفضل مما كان متوقعاً.
مؤخراً، أُضيفَ إلى الإنجازات الكبيرة التي حُقِّقت حتى الآن، بالقتل والتدمير الممنهج، إنجاز آخر مهم: المجاعة التي بدأت تؤتي ثمارها. إنها تنتشر بسرعة، وتحصد أرواحاً بأعداد لا تقلّ عن أعداد الذين يُقتلون جرّاء القصف. مَن لا يُقتل في طابور الحصول على الطعام، هناك احتمال كبير لموته جوعاً.
يثبت سلاح التجويع فعاليته حتى فيما يتعلق بمؤسسة GHF، "مؤسسة غزة الإنسانية" التي تُقدم نفسها على أنها قصة نجاح. فليس فقط أن مئات الفلسطينيين قُتلوا بالرصاص في أثناء انتظارهم للحصول على المساعدات التي توزعها هذه المؤسسة، بل إن هناك مَن لم يتمكنوا من الوصول إليها، فماتوا جوعاً، وهم في معظمهم، من الأطفال والرضّع؛ فقط بالأمس، مات عشرة أشخاص بسبب الجوع (و15 شخصاً في اليوم الذي سبقه)، بينهم ثلاثة أطفال ورضيع عمره ستة أسابيع. ومنذ بداية الحرب، بلغ عدد الوفيات بسبب الجوع 111 شخصاً، بينهم 80 طفلاً، والأعداد في تصاعُد خلال الأيام الأخيرة.
إن الصور التي يخفيها عنكم الإعلام الإسرائيلي المجرم، الإعلام الذي لن تُغفَر له قط تغطيته الفاضحة للحرب في غزة، تُعرَض أمام أعين العالم. إنها صوَر مسلمين، صوَر من المحرقة، وإخفاؤها يُعتبر إنكاراً لها؛ هياكل عظمية لأطفال رضّع ما زالوا أحياء، أو ماتوا، وعظامهم بارزة من تحت الجلد، بعد أن اختفت من أجسادهم الدهون والعضلات، وعيونهم وأفواههم مفتوحة على اتساعها بنظرات جامدة.
إنهم يرقدون على أرضيات المستشفيات، وعلى أسرّة عارية، أو يُنقلون على عربات الحمير؛ هذه الصور من الجحيم، كثيرون في إسرائيل ينكرونها، أو يشككون في صحتها. آخرون يفرحون ويتفاخرون برؤية كل طفل جائع. نعم، لقد وصلنا إلى هذه المرحلة.
إن تحوُّل التجويع إلى سلاح شرعي ومقبول لدى الإسرائيليين – سواء أكان بدعم علني، أو بلامبالاة قاتلة – هو المرحلة الأكثر شيطنةً في الحرب التي شنًتها إسرائيل على غزة حتى الآن، وهي أيضاً المرحلة الوحيدة التي لا يمكن تبريرها بأيّ ذريعة، أو تفسير. حتى إن وسائل الدعاية الإسرائيلية، التي لا حدود لها، لن تنجح في ذلك.
يجب علينا أن نفهم أن التجويع بات سلاحاً مشروعاً لأنه وسيلة أُخرى لتحقيق هدف التطهير العرقي. يجب استيعاب هذا الأمر، ورؤية سير الحرب من خلال هذا التفسير. ومثلما تستفيد إسرائيل من مقتل عشرات الآلاف بنيران قواتها، فهي أيضاً تستفيد من موت المئات جوعاً، بهذه الطريقة فقط، يمكن تحويل غزة إلى مكان لا يصلح للحياة، وهكذا فقط، سيغادر الناس "طوعاً"؛ أولاً، إلى المدينة "الإنسانية"، ومن هناك إلى ليبيا، أو إلى جهة مجهولة.
الآن، بات التجويع يؤثر في الجميع؛ الصحافيون الفلسطينيون في غزة، الذين لم يُقتلوا بعد على يد الجيش الإسرائيلي، يقولون إنهم لم يضعوا شيئاً في أفواههم منذ يومين، أو ثلاثة. حتى الأطباء الأجانب ذكروا بالأمس ما أكلوه – أو بالأحرى ما لم يأكلوه. قالت طبيبة كندية في مستشفى ناصر إنها لم تأكل في اليومين الأخيرين سوى صحن صغير جداً من العدس، وأنها لن تتمكن من الاستمرار في علاج الجرحى والمرضى بهذا الشكل. وهذا أيضاً يناسب إسرائيل.
أمس، بثّت بعض وسائل الإعلام رحلة شاب خرج للبحث عن الطحين لأطفاله. بحث طويلاً حتى وجد كشكاً يبيع كيسَين من الطحين الإسرائيلي وزجاجة زيت، لكن في مقابل مئات الشواكل للكيس، فعاد إلى المنزل خالي الوفاض، وإلى أطفاله الجائعين. في الاستوديو، شرحوا المراحل الثلاث التي تؤدي في نهايتها إلى الموت جوعاً، لقد بات أطفاله في المرحلة الثانية.
إن التجويع حوّل هذه الحرب إلى الحرب الأكثر رعباً في تاريخ حروب إسرائيل، ومن المؤكد إلى أكثرها إجراماً. لم يسبق لنا أن جوّعنا مليونَي إنسان بهذا الشكل. لكن هناك شيئاً واحد فقط أسوأ من هذا التجويع: هو اللامبالاة التي تُستقبل بها في إسرائيل، على بُعد ساعة ونصف بالسيارة عن المكان الذي لفظ فيه الطفل يوسف الصفدي، ابن الأسابيع الستة، أنفاسه الأخيرة، لأن عائلته لم تتمكن من إيجاد بديل من حليب الأم. في لحظة موته، كانت القناة 12 تبث برنامج "المطبخ الرابح"، وكانت نِسب المشاهدة ممتازة.
* جدعون ليفي