اخبار الاردن

جو٢٤

سياسة

أنا لستُ متعاطفاً مع "يوسف ربابعة"!

أنا لستُ متعاطفاً مع "يوسف ربابعة"!

klyoum.com

أنا لستُ متعاطفاً مع "يوسف ربابعة"!

كتب: كمال ميرزا

رغم زمالة العمل المقتضبة والصداقة المُفترضة التي تجمعني بالدكتور "يوسف ربابعة"، ورغم أنّ بيني وبينه قواسم يرموكيّةً وصفوانيّةً مشتركةً (نسبةً إلى كفتيريا صفوان على البوابة الشماليّة لجامعة اليرموك)، ورغم أنّه كمالك حاليّ لدار أزمنة للنشر والتوزيع هو ناشر مجموعتي الشعريّة الأولى "شريعة الإسمنت"، ورغم الإغراء الكبير الذي يمثّله اسم "يوسف" بالنسبة لكاتب لوذعيّ مثلي من أجل اللعب على وتر التناص بين قصته وقصة سيدنا يوسف عليه السلام.. رغم ذلك كلّه إلّا أنّني غير متعاطف البتّة مع الدكتور يوسف ربابعة!

بل إنّ هناك دهليزاً معتماً من دهاليز نفسي الأمّارة بالسوء يتمنّى لو أنّ السلطات "تُكمِل معروفها"، وتُنكّل بيوسف، وتجعله عبرة لمن يعتبر، سواء من خلال "تكعيعه" التسعون ألف دينار التي رُبط بها تعهّده بعدم الكتابة عن قطاع الجامعات في الأردن، أو بسجنه، أو بسجنه وتغريمه في آن واحد!

أنا نفسي مندهش من كميّة الغِل والحقد والسواد التي في داخلي، بخلاف ما أدّعي وأُظهِر، وبخلاف ما يتوسّم بي الآخرون ومن ضمنهم يوسف!

بل يبدو أنّني شخص خسيس وقليل أصل ورعديد دون أن أفطن (بخلاف خصوم يوسف طبعاً الذين يقطرون شرفاً وأصالةً وفروسيّةً)؛ فالقلّايات و"الحوسات" الكثيرة التي أكلتها من تحت يدي الفلّاح "ابن البَطِين" يوسف ربابعة لم تكن كافيةً لكي تشفع له عندي، ولتجعلني أصون العيش والملح الذي بيننا، أو على الأقل أن أسكت وابتلع لساني من قبيل "طعمي الثُم بتستحي العين" (مع أنّ هذه الأخيرة وصفة رسميّة مجرّبة)!

فليذهب يوسف إلى الجحيم، ولـ "يهروا وبره" إذا أرادوا، ولينتفوا ريشه، وليجعلوا من جلده "دربكّات" تُستخدم في عزف إيقاعات شعبيّة في مناسبات وطنيّة!

ما يعنيني من قصة يوسف كلّها بعض الأفكار والتداعيات التي تليق بالمفكّرين والأكاديميّين النخبويّين أمثالي!

الفكرة الأولى تتعلّق بمفهوم "الركّاب المجانيّين" المُستخدم في العلوم الاجتماعيّة، ويُقصد بهذا المفهوم السواد أو الأغلبيّة من الأشخاص المعنيّين بمسألةٍ ما أو قضيةٍ معيّنة.. أو "مجتمع القضيّة" على غرار "مجتمع البحث" إذا جاز التعبير.

فعلى الرغم من أنّ هؤلاء الأشخاص هم المعنيّون فعليّاً وإجرائيّاً بالقضية موضوع الحديث أو البحث، وتمسّهم مباشرةً، ويكتوون بنارها، ويتحمّلون وزر نتائجها.. إلا أنّهم يلزمون الصمت والحياد والبقاء في الظل، ويتركون "الأقليّة" (غالباً فرد واحد أو عدد محدود من الأفراد) ليتصدروا المشهد، ويلعبوا دور "بوز المدفع" تجاه الخصم أو الطرف الآخر.

فإذا أثمرت جهود "الأقليّة" واستطاعوا فرض الشروط وتحقيق المطالب (والأقليّة في هذه الحالة يوسف ربابعة)، استفاد هؤلاء الركّاب المجانيّون من ذلك دون أن يضطروا للمخاطرة أو تكبّد أي عناء أو دفع أي أثمان.. ولكن إذا خابت مساعي الأقليّة، ودارت عليهم الدوائر، يتنصّل هؤلاء الركّاب المجانيّون منهم، وينكرون معرفةً بهم أو مشاركةً لهم، ويركنون إلى الدعة، ويُؤثرون السلامة، مُضحّين بالأقليّة كـ "أكباش فداء"!

وفي أغلب الأحيان يحدث هناك التباس وخلط بين مفهوم "الركّاب المجانيّين" ومفهوم "الأغلبيّة الصامتة".

فالأغلبيّة الصامتة هي أغلبية تصمت رغم إرادتها بسبب الخوف أو القهر أو الضعف، حتى لو كان هذا الخوف أو القهر أو الضعف مزعوماً أو مُدّعَياً أو مُبالغاً فيه.. أمّا الركّاب المجّانيّون فيصمتون عن سابق قصد وإرادة وإصرار وترصّد!

الراكب المجانيّ يصمت لأنّه يعتبر صمته قمة الذكاء والحنكة والحصافة، بل هو لا يتوانى عن "التهواية" للآخرين لكي يرفعوا صوتهم ويتقدموا الصفوف لكي يتوارى خلفهم، وليسخّرهم من أجل خدمة مصلحته و"إنجاز المهمّة" بالنيابة عنه!

والذي يحزّ بالنفس في قصة يوسف ربابعة انتشاء "الركّاب المجانيّين" بأنفسهم، وظنّهم أنّهم نجحوا في استغلاله، وتوظيفه، أو حتى التغرير به.. في حين أنّني أعلم علم اليقين أنّ يوسف يمتلك من الدهاء و"الخباثة" إذا نوى ما يكفي لأن يأخذهم جميعاً إلى البحر و"يرجعهم عطشانين" كما يقول التعبير الدارج!

بل إنّ يوسف قد كان في "موقف تفاوضيّ" يتيح له أن يستغل هو الآخرين ويتسلّق على ظهور لو أراد ذلك، والحياء والقوانين السارية تمنعني هنا من استخدام فعل آخر غير "يتسلق" هو أكثر دقّةً وتعبيراً عن حقيقة الأمر وواقع الحال!

الشيء الذي لا يستطيع الركّاب المجانيّون إدراكه أنّ الذي يدفع شخصاً مثل يوسف لاتخاذ الموقف الذي اتخذه، والقيام بما قام به.. ليس "شطارتهم"، ولا حتى "خطيّتهم"، ولا لأنّ لهم "ضربة لازم" عليه.. بل لأنّ يوسف لا يستطيع أن يفعل إلّا ما فعله من أجل الاحتفاظ بالحدّ الأدنى من احترامه لذاته وضميره وقناعاته!

معضلة "الراكب المجانيّ" تقودنا إلى الفكرة الثانية، معضلة "المتضامن المجانيّ"!

أولئك الذين أغرقوا الفضاء التواصليّ بإدراجات التضامن مع يوسف ربابعة، وإدانة تغوّل رأس المال على الجامعات والعمليّة التعليميّة، و"فزعة" السلطات والأجهزة الأمنيّة لرأس المال.. هل هم على استعداد وقت "الحزّة واللزةّ" لأن يترجموا تضامنهم إلى سلوك عمليّ!

هل هم على استعداد مثلاً لأن يُقدّموا استقالات جماعيّة من المؤسسات التعليميّة التي يعملون فيها تعبيراً عن الرفض والاحتجاج؟!

هل هم على استعداد للدخول في اعتصام أو إضراب مفتوح في حال اعتقال يوسف أو حبسه؟!

هل هم على استعداد لأن يدفعوا من جيوبهم في حال تغريم يوسف التسعين ألف دينار مبلغ التعهّد؟!

إذا على السواليف فخوذ سواليف للصبح.. هذا ما عوّدتنا عليه "الأنتلجنسيا" الأردنيّة التي تتنطّح لتصدّر المشهد خلال العشرين سنة الماضية!

بل إنّ هناك مَن يجرفهم الحماس حتى ليكادوا من خلال سواليفهم و"هوبراتهم"، وعبر إدراجاتهم وتعليقاتهم.. أن "يخوزقوا" يوسف نفسه ويزيدون طينه بلّةً من حيث يدرون ولا يدرون!

الفكرة الثالثة تتعلّق بالتعّهد الذي وقّعه يوسف ربابعة أمام الحاكم الإداريّ..

فبغض النظر عن أيّ جدل ممكن إزاء مدى قانونيّة هذا الإجراء، أو إزاء "قانون منع الجرائم" الذي يستند إليه الحكّام الإداريّون في مثل هذه الحالات، ومدى دستوريّة هذا القانون، أو على الأقل مدى تطابق الصلاحيّات التي يزاولها الحكّام الإداريّون على أرض الواقع بحكم العُرف والعادة مع حدود الصلاحيّات الفعليّة التي يخوّلهم إيّاها نصّ القانون..

السؤال الذي يرادوني ويثير فضولي هنا: على أي أساس اعتمد الحاكم الإداري في تقدير مبلغ التسعين ألف دينار الذي رُبط به التعهّد الذي وقّعه يوسف ربابعة؟!

هل هناك معادلة معيّنة (على غرار معادلة تسعير المشتقّات النفطيّة)، أو حسبة ثابتة، أو قائمة أسعار.. أم أنّ المسألة متروكة لسلطة الحاكم الإداريّ التقديريّة؟!

لو كان يوسف ربابعة "أزعراً" على سبيل المثال، أو "ظرّيب شفرات"، أو "تاع خاوات"، أو أيّاً من "أرباب السوابق".. كم كان مبلغ التعهّد سيكون؟!

أم أنّ المسألة تعود إلى مكانة الشخص نفسه ومقامه باعتبار أنّ الناس مقامات؛ فلا يُعقل أن يكون تعهّد أو كفالة مدرّس جامعيّ يحمل رتبة "أستاذ دكتور" مثل تعهّد أو كفالة شخص أُمّيّ، أو متسرّب من الدراسة، أو توجيهي راسب.. وعندها فإنّ التسعين ألف دينار ستكون مظهر توجيب وتقدير واحترام وليست مظهر تضييق وتنكيل واضطهاد!

الفكرة الرابعة والأخيرة تتعلّق بمدى نجاعة وفعاليّة أسلوب التعهّد نفسه؛ فحجم الاهتمام والتعاطف والانتشار الذي حظي به يوسف ربابعة بعد التعهّد يفوق كثيراً ما حظي به قبل التعهّد!

والسؤال، هل من الممكن أن يقوم الحكّام الإداريّون من أجل تدارك الأمر باستدعاء المتعاطفين مع يوسف، والطلب منهم توقيع تعهّد يلزمهم بعدم الحديث عن التعهّد؟!

كما قلتُ أنا لستُ متعاطفاً مع يوسف ربابعة، ولا يعنيني أنّه قد قرر إنهاء مسيرته التعليميّة قبل أن يبلغ سنّ التقاعد، ولن أزوره إذا سُجن، ولن أساهم في دفع كفالته في حال تغريمه.. ولكنّني على استعداد للعناية بأشجار مزرعته الصغيرة التي لم يهنأ بها بعد، ولم يشتدّ عودها، من باب أنّني أحبّ الزراعة، ومن باب أنّ لهذه الأشجار "خَطيّة" قد لا تسري على كثير من البشر!

*المصدر: جو٢٤ | jo24.net
اخبار الاردن على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com