عام على حكومة بلا تعديل - هل أجهض حسان مقولة "خلي تلفونك فاتح"؟
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
مأساة جوية تحولت إلى لغز.. جثة راكب هندي تختفي بعد هبوط الطائرة!الحقيقة الدولية - خاص - خالفت حكومة جعفر حسان الأعراف السياسية المعتادة بعد مرور عام كامل على تسلّمه مهام رئاسة الحكومة إذ لم يُقدم على خطوة التعديل الوزاري والتي باتت تقليدًا متوقَّعًا في العُرف السياسي الأردني، وأحيانًا مطلبًا شعبيًا وأحيانا أخرى طقوسًا روتينية تُستخدم لتنفيس الاحتقان أو بعث رسائل التغيير.
لكن في حكومة حسان، اختفى هذا الإيقاع وخالف كل التوقعات فلم تصدر تسريبات، لم تُسجّل لقاءات تمهيدية، ولم ترتفع نبرة "خلي تلفونك فاتح" في هوامش السلطة، كما جرت العادة
وهنا تبرز التساؤلات المهمة: هل أجهض الرئيس فعليًا هذا النمط؟ أم نحن أمام نهج سياسي جديد أكثر تماسكًا، أم أمام تأجيل اضطراري تفرضه حسابات المرحلة؟
منذ عقدين على الأقل، ارتبطت الحياة السياسية الأردنية بمشهد التعديل الوزاري كأداة شائعة للتكيف مع الضغوط أو لخلق انطباع بالتجديد، لكن حسان، القادم من خلفية تكنوقراطية ، لا يبدو معنيًا بهذه "الشكلانية السياسية"، إنما يقرأ الأمور وفق نهج مؤسسي يعتمد على تقييم الأداء، لا على مجاراة المزاج العام.
مصادر مقربة من الدوار الرابع تؤكد أن الرئيس لا يُمانع التعديل من حيث المبدأ، لكنه يشترط له أن يكون ضرورة موضوعية نابعة من احتياجات البرنامج الحكومي، لا نتيجة “لتسخين سياسي” موسمي في الإعلام أو وسائل التواصل.
التعديل الوزاري.. من عادة سياسية إلى انضباط مؤسسي؟
وفي قراءة متزنة واحصائية لعدد التعديلات على الحكومات السابقة واسبابها منذ بداية الألفية الثالثة، نستطيع القول بانه غلب على الإدارات السياسية في الأردن النمط التعديلي المتكرر، الذي كان جزءًا من “الطقوس السياسية” المتوقعة مع كل أزمة أو تغيير مزاجي ، ففي كثير من الحالات، لم تكن التعديلات تعبّر عن مراجعة حقيقية للأداء بقدر ما كانت تلبية لضغط سياسي، أو لامتصاص نقمة الشارع، أو حتى محاولة لضخ دماء جديدة من دون خطة عمل موازية.
على سبيل المثال:
حكومة عبد الله النسور (2012 – 2016) شهدت 5 تعديلات وزارية في أقل من أربع سنوات، وكان معظمها نتيجة لاعتبارات سياسية أكثر من تقييم الأداء.
حكومة هاني الملقي (2016 – 2018) أجرت 6 تعديلات، بعضها استباقي لتحريك عجلة الثقة العامة، وبعضها كان بمثابة استجابة مباشرة لحالات غضب شعبية أو توازنات داخلية.
حكومة عمر الرزاز (2018 – 2020) وصلت إلى 4 تعديلات وزارية، تخللتها محاولات لخلق "حكومات ظل مصغّرة داخل الحكومة" أحيانًا، في إطار إدارة معقدة للعلاقة مع الشارع من جهة، ومع القصر من جهة أخرى.
حكومة بشر الخصاونة (2020 – 2023) أجرت ما لا يقل عن 5 تعديلات في ثلاث سنوات، وغلب عليها الطابع التصحيحي نتيجة أخطاء تعيين أو ضغوط سياسية حزبية وبرلمانية.
في ضوء هذه النماذج، يمكن فهم لماذا قرر جعفر حسان أن يخرج عن القاعدة، فالإفراط في التعديل أنتج انطباعًا بأن الوزارات غير مستقرة، وأن موقع الوزير ليس موقع مسؤولية مستدامة بل محطة مؤقتة مشروطة بالرضا السياسي، أو حتى بنجاحه في "تجنّب الضجيج".
وهنا نجيب على التساؤل المهم: ما الذي يجعل حسان مختلفًا؟ والذي يأخذ عدة زوايا أبرزها انتماء حسان إلى المدرسة الإدارية الاقتصادية، إذ يتعاطى مع ملف التعديل الوزاري كممارسة سيادية مرتبطة بالأداء لا بالمزاج، وبالخطط لا بالضغوط. وهو في ذلك يختلف عن معظم أسلافه الذين استخدموا التعديل أحيانًا كأداة سياسية، أو كصمام أمان أمام التوترات.
أما أبرز ملامح اختلافه فهي الجوهرية الثقة العالية بالهيكل الأولي للحكومة حيث اختار فريقه ضمن رؤية دقيقة، وصاغ منذ البداية منهجية متقشفة في الحديث والتفاعل، تعكس قناعته بأن "الفريق الإداري لا يجب أن يلهو بالتسويق بل بالإنجاز".
وهذا دفعه لطلاق بائن مع البورصة الإعلامية فلم تتسرب عن حكومته أي نية لتعديل، ولم تدخل حكومته في لعبة الأسماء المتداولة في الصالونات، ما جعل ملف التعديل معزولًا عن التأثير الإعلامي والجماهيري المعتاد أدى بالنتيجة الى ضبط الإيقاع السياسي.
كيف تعاملت الحكومات السابقة مع شائعات التعديل؟
الإشاعات السياسية حول التعديلات الوزارية في الأردن لطالما لعبت دورًا مؤثرًا، وأحيانًا وظيفيًا، في تمرير التوقعات أو رفع أسهم بعض الشخصيات. وبحكم انفتاح البيئة السياسية على الصالونات والنقاشات العشائرية والمناطقية، كانت الشائعة تسبق القرار الرسمي بأيام وأحيانًا بأسابيع.
في عهد النسور: كان الرجل يعتمد أحيانًا على “تسريب متعمَّد” لاختبار ردود الفعل على بعض الأسماء أو التوجهات.
بينما اعتمد الرزاز على التقاطعات مع النخب الثقافية والإعلامية، ما جعل الشائعات تنطلق غالبًا من دوائره الخاصة، وتسرب تفاصيل دقيقة أحيانًا.
أما حسان، فحتى الآن، لم يُظهر أي تفاعل مع هذه الديناميكية. لم يرد أو يعلّق، لم يُجالس وجهاء أو يختبر أسماء، ولم يُلمّح لأي تعديل مرتقب. بل إن أكثر ما يقال عنه في الكواليس أنه "يسمع ولا يتكلم".
لكن رئيس الوزراء الحالي علم مبكرا بحكم قربه السابق من كل تلك الحكومات بان كُلفة التعديلات الوزارية المتكررة تُفقد الوزراء التوازن، وتُضعف الأداء، وتحول دون تنفيذ أي خطة طويلة المدى، حيث ينشغل الجميع بالحفاظ على مقاعدهم لا بتحقيق النتائج.
لكن.. هل سيبقى الباب مغلقًا للأبد؟
الواقع أن الاستقرار لا يعني الجمود. وهناك مؤشرات بأن الرئيس، وإن تأخر، قد يُقدم على تعديل وزاري الشهر المقبل، خصوصًا مع دخول بعض الوزراء في حالة "إرهاق " أو مواجهتهم لتحديات ميدانية لا يمكن تجاوزها دون تغيير.
لكن هذا التعديل المرتقب لن يكون استجابة لحملة إعلامية أو نتيجة "قائمة أمنيات"، بل أقرب إلى إجراء داخلي محسوب، لا يحمل رسائل سياسية قدر ما يحمل تحديثًا تقنيًا في بنية الفريق.
هل صمت الرئيس.. موقف أم مراوغة
ويبقى التساؤل المطروح هل صمت الرئيس موقف أم مراوغة ذكية وخاصة انها في بلد اعتادت على تسريبات التعديلات الوزارية أكثر من اعتياده على تنفيذ البرامج الحكومية، ليظهر جعفر حسان كاستثناء ، لا يستجيب للضغط، ولا يناور بالوجوه، ولا يبيع الوهم السياسي عبر تغيير أسماء لا تغيّر في الجوهر شيئًا.
"وفي وقت يبدو فيه أن عبارة خلي تلفونك فاتح فقدت معناها، يظهر جعفر حسان كرئيس لا يهادن التقاليد السياسية السطحية، بل يعيد تعريف ما تعنيه القيادة في الدولة."