لا للتفاؤل الإعلامي المفرط ولا للتشاؤم المسبق .. فالأرقام لا تكذب
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
درجة حرارة الأطعمة تؤثر على الصحة العقلية حسب الفصولحين نتحدث عن الاقتصاد.. لا بد أن تكون أقدامنا راسخة على أرض الواقع.. فلا نندفع خلف أي رقم يقال دون أن نفهم سياقه.. ولا نحمل سيف التشاؤم على أرقامٍ.. قد تحمل إشارات إيجابية.. فالواقعية هنا.. هي مفتاح الفهم الصحيح لما يجري..
ما أعلنته الحكومة مؤخراً.. عن نمو الناتج المحلي بنسبة 2.8% في الربع الثاني من العام الحالي.. هو مؤشر جيد بحد ذاته.. ولا يمكن إنكاره.. بل يستحق التقدير كخطوة على الطريق.. لكن في المقابل.. من الخطأ أن نعتبره انعطافة تاريخية.. أو قفزة غير مسبوقة.. فالنظر إلى تجارب الأردن السابقة.. يكشف بوضوح.. أن معدلات النمو في السنوات الماضية تراوحت بين 2% و3%.. ومع ذلك لم تُحدث اختراقاً حقيقياً في معدلات البطالة.. أو مستويات المعيشة.. وما يجري الحديث عنه اليوم من قفزة بواقع 2.8%.. ليس خروجاً استثنائياً عن هذا النطاق والنسق.. بل هو امتداد طبيعي لمسار السنوات الماضية.. مع ضرورة التذكير.. بأن هذا الرقم مقاس على ربع واحد فقط.. وليس على سنة كاملة.. ما يجعل الحكم النهائي عليه سابقاً لأوانه..
الأرقام لا تكذب إذا وُضعت في مكانها الصحيح.. لكن التسرع في قراءتها.. قد يحولها إلى دعاية.. أو أداة للترويج.. فقد يكون وراء هذا النمو.. استثمار أجنبي واحد كبير رفع النسبة.. أو موسم زراعي جيد.. أو قطاع معين نشط بصورة استثنائية في هذا الربع.. لذلك فإن التعويل على ربع واحد فقط لبناء تصورات مستقبلية واسعة.. يعدّ مجازفة..
النمو الحقيقي لا يُقاس فقط بارتفاع النسبة العامة للناتج المحلي.. بل بقدرته على خلق فرص عمل.. وتقليص نسب البطالة.. وتحريك عجلة القطاعات الإنتاجية..
الأردن لكي يخرج من حالة النمو المحدود.. يحتاج إلى تسجيل معدلات نمو تقارب 5% وأكثر.. وبشكل مستمر لعدة سنوات متتالية.. فهذا وحده ما سينعكس على مستويات المعيشة.. ويخلق فارقاً ملموساً عند الناس..
من هنا تأتي التوصية.. بضرورة توجيه الاستثمارات إلى قطاعات إنتاجية حقيقية.. مثل الصناعة.. والزراعة.. والتكنولوجيا.. والنقل.. والسياحة بأشكالها.. فهي وحدها القادرة على امتصاص البطالة.. وتوليد القيمة المضافة.. أما التركيز الكبير على العقار والتمويل.. فهو قد يضخ أرقاماً لامعة في التقارير.. لكنه لا يغيّر جذرياً من طبيعة الاقتصاد.. ولا يعالج تحدياته الهيكلية..
باختصار شديد.. ما تحقق في الربع الثاني خطوة جيدة.. لكنها ليست نهاية الطريق.. المطلوب اليوم.. أن نقرأ الأرقام بوعي.. لا نبالغ في التفاؤل الإعلامي.. ولا نستسلم للتشاؤم المسبق.. فالأرقام لا تكذب.. لكنها تطلب منّا أن نضعها دائماً في إطارها الصحيح..
وهنا لا بد من القول.. إن تضخيم الأرقام.. دون أن يلمس الناس انعكاسها في حياتهم اليومية.. قد يؤدي إلى نتيجة عكسية.. إذ يُفقد الخطاب الرسمي مصداقيته.. ويزيد فجوة الثقة بين المواطن والحكومة.. وهو ما يجب أن نتفاداه بكل وضوح..