البرلمان ومسرح التساؤلات العاجزة
klyoum.com
البرلمان ومسرح التساؤلات العاجزة
خلود العجارمه
هناك لحظات تمر على الانسان كأنها صفعة على الوعي لحظة تجعلك تلتفت لنفسك وللواقع الذي تعيشه منذ سنين دون ان تدرك حجم العطل الذي اصبح جزءا من يومك حدث ذلك بينما كنت استمع الى مناقشة بدت عادية في ظاهرها لكنها حملت ثقل البلد كله فوق طاولتها وكأن الكلمات تحولت فجأة الى مرآة كبيرة تعكس ما نتهرب من رؤيته
ظننت لثوان ان الحوار سيكون مختلفا وان احدا سيجرؤ على قول ما يجب قوله وان احدا يملك مصباحا ينير هذا النفق الذي اصبحنا نحفظ تفاصيله لكن المشهد انهار مع اول كلمة بالضبط كما يحدث كل مرة نحاول فيها اقناع انفسنا بان القادم افضل
وبدون وعي تذكرت شخصية اردنية شعبية نسمعها في كل جلسة ابو صقر ذلك الرجل الذي يجمع بين حكمة الشارع وسخريته كان يقول وهو يهز سبحته اسأل حالك ليش بعدك مصدق ان الحكومة رح تجاوبك ثم يضحك ضحكته التي توجع اكثر مما تضحك
الرجل الذي يتحدث امامي كان يحمل وطنا صغيرا على كتفيه مواسم من الهم فواتير تتكاثر واسعار تتسلق وايام تضيق كأنها غرفة بلا نافذة لم تكن كلماته مرتبة ولم يكن بحاجة الى ترتيب فالتعب وحده كان يتحدث عنه
تحدث عن الغلاء كما لو انه وحش يلتهم تفاصيل الحياة فواتير كهرباء ترتفع رغم ان البيوت نفسها لم تتغير ورواتب تكتب بأرقام اكبر لكنها تهبط فعليا وفوائد بنكية تتحول مع الوقت من التزام الى عبء ومعيشة تتقدم بخطوات سريعة بينما الناس يتعثرون خلفها
لكن الشكوى الاكبر لم تكن الغلاء بل الحديث عن الغلاء هذا الاستنزاف النفسي اليومي ان تشرح ما يعرفه الجميع وان تسأل اسئلة بلا اجابة وان تتظاهر بانك لا ترى الحقيقة رغم انها امامك بكل وضوحها
ثم قال جملة كانت الانهيار هو في حاجة وانا شاهد لكنه يعرف ونعرف جميعا ان الشاهد لا يغير شيئا اذا اكتفى بالمشاهدة
ومن هنا تبدأ الحكاية الاكبر حكاية برلمان لم يعد يمارس دورا يطمئن الناس بل تحول الى قاعة كبيرة تطفو فيها الاسئلة بلا رد والى متى يبقى البرلمان مجرد منصة لعرض مشكلات يعرفها الجميع والى متى يبقى دوره اعادة تدوير الشكوى بدل صناعة الحل والى متى يتحدث النواب اكثر مما يعملون ويسألون اكثر مما يجب ان يجيبوا
لقد اصبحت الجلسات تشبه مسرحية بلا حبكة اسئلة تطرح مداخلات ترتفع اوراق تلوح اصوات تعلو وفي النهاية لا شيء يحدث وكأن كل هذا الضجيج مجرد تسجيل حضور
وابو صقر له جملة خالدة في هذه المواقف البرلمان بيسأل اسئلة احنا حافظينها وبيسمع اجوبة احنا عارفين انها بس للجو مش للتطبيق
الناس لم تعد تريد كلمات ولا بيانات مطبوعة ولا خطابات منمقة الناس تريد فعلا واحدا يشعرهم ان صوتهم لا يضيع في الهواء وان الوجع ليس مادة نقاشية بل مسؤولية على احدهم ان يعالجها
وحين انتهى النقاش شعرت ان الرجل لم يكن يبحث عن حل بل عن اعتراف ان ما نمر به ليس طبيعيا وان الصبر ليس قوة بل اضطرار وان الحياة اصبحت اثقل مما يجب واننا نعيش في دائرة لا تنكسر
وبقي السؤال معلقا في داخلي والى متى والى متى يبقى الحديث هو الاداة الوحيدة والى متى يظل المواطن يشرح والنائب يسأل والحكومة تصمت والى متى سنبقى نعيد المشهد نفسه وكأن الزمن توقف عند لحظة لا تريد ان تنتهي
وربما السؤال الاصعب هل ما زلنا ننتظر فعلا ام اننا اعتدنا المشهد حتى بتنا نخشى تغييره