دمج الأحزاب، ضرورة لا رفاهية
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
المياه تؤكد جاهزية السدود لاستقبال الموسم المطريتعيش الحياة الحزبية في الأردن منذ عقود حالة من التشرذم المُزمن، حيثُ يتجاوز عدد الأحزاب 36 حزبًا حتى بعد إطلاق اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، ومعظم هذه الأحزاب تفتقر إلى القاعدة الشعبية الواسعة والتأثير الحقيقي، وهو ما أكدته نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة. هذا المشهد السياسي المتشظي لم يعد مجرد تنوع، بل تحول إلى عقبة كبرى تعيق جهود الإصلاح وتضعف التمثيل السياسي وتشتت الطاقات الوطنية. في ظل التحديات الراهنة أصبح دمج الأحزاب المتقاربة ضرورة استراتيجية وحتمية، وليس مُجرَّد خيار تكميلي.
لم يكن التشرذم الحزبي وليد الصدفة، بل هو نتاج تضافر عدة عوامل، منها بيئة قانونية سهلت التأسيس وصعبت الاستمرارية، وقوانين انتخابية لم تكُن مُشجِّعة على قيام تكتلات كبرى. يضاف إلى ذلك الطموحات الشخصية للقيادات التي فضلت زعامة كيانات صغيرة على الانخراط في مشاريع سياسية أوسع وأكثر تأثيرًا. النتيجة كانت إضعاف ثقة المواطن بالعمل الحزبي وظهور برلمان يفتقر إلى كتل قوية قادرة على قيادة القرار الوطني بفاعلية. ورغم وجود 124 نائبًا حزبيًا داخل مجلس النواب، بعضهم نجح على أساس حزبي ضمن القائمة الحزبية أو القوائم المحلية، وآخرون نجحوا مستقلين التحقوا بعد دخول المجلس ببعض الأحزاب أو الكتل البرلمانية، إلا أن ذلك لم يؤدِّ إلى تشكيل كتل برلمانية فاعلة تعكس الوزن الحقيقي للأحزاب كما يجب.
يأتي الاندماج كمدخل إصلاحي عميق يهدف إلى إعادة صياغة الحياة السياسية على أسس برامجية حقيقية. واليوم بدأنا نشهد بوادر هذا التحول على أرض الواقع، فقد نجحَ بالفعل حزبا "تقدٌّم" و"إرادة" في الاندماج تحت اسم حزب جديد هو حزب "مُبادرة"، ما يمثل خطوة عملية ومحفزًا لبقية الأحزاب. وهناك في الوقت ذاته عدد قليل من الأحزاب تدرس وتفكر جديًا في اتخاذ خطوة الاندماج فيما بينها، مما يشير إلى أن قطار التحديث الحزبي قد بدأ بالتحرك.
إن الدمج لا يعني مجرد جمع الأسماء، بل هو بناء أحزاب كبرى قادرة على استقطاب الكفاءات وصناعة السياسات وتمثيل تيارات فكرية واقتصادية واضحة. وهذا من شأنه أن يسهل خيارات الناخب ويعزز المشاركة الشعبية ويمنح النظام السياسي مزيدًا من الاستقرار والتوازن.
رغم ضرورة هذه الخطوة، إلا أنها تواجه عقبات حقيقية، أبرزها مخاوف القيادات من فقدان النفوذ، وضعف الثقافة الديمقراطية الداخلية، وغياب الحوافز التشريعية الكافية التي تدعم الدمج بوضوح.
لذلك فإن إنجاح عملية الاندماج يتطلب مسارًا متكاملًا يرتكز على ثلاثة مستويات أساسية، هي: الإرادة السياسية عبر قرار وطني واضح يضع الاندماج في صميم استراتيجية التحديث السياسي ويمنحه الدعم اللازم، والإصلاح التشريعي من خلال تعديل قوانين الانتخاب والأحزاب لتكافئ التكتلات الكبرى وتربط التمويل والدعم الحكومي بمدى التمثيل الشعبي والاندماج، وأخيرًا العمل الداخلي للأحزاب ببناء الثقة بين القيادات والقواعد، وإشراك الأعضاء في قرارات الاندماج المصيرية، وتبنّي ثقافة التوافق والتنازل لصالح المصلحة الوطنية العليا.
إن مشروع الاندماج يُشكِّل فرصة لإعادة بناء العلاقة بين الأحزاب والمجتمع، وترسيخ مبدأ التعددية البرامجية والفكرية الفاعلة. وهذا المسعى سيحول الأحزاب من كيانات هامشية إلى مؤسسات شريكة في صناعة القرار، وصولًا إلى صنع القرار وفقًا للهدف النهائي للرؤية التحديثية بالوصول إلى حكومات برلمانية سياسية وتداول للسلطة عِبرَ صناديق الاقتراع.
لقد آن الأوان للانتقال من مرحلة الحديث إلى مرحلة الفعل. دمج الأحزاب ليس مجرد ترف سياسي، بل هو خطوة استراتيجية حتمية لبناء حياة سياسية فاعلة ونظام حزبي قوي يُعبٍّر عن طموحات الأردنيين ويواكب تحديات المستقبل بثبات.