قياس العائد على التدريب في القطاع العام
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
شركة OpenAI تطلق تطبيق Sora لمنافسة تيك توك .. ما مزاياه؟تحدثت في مقال سابق عن قياس الأثر التدريبي كمنهجية تهدف إلى تحديد وقياس التغيّرات الفعلية التي تحققها البرامج التدريبية على أداء المتدربين والمؤسسة بشكل عام، ثم إقتراح ما إذا كانت هناك حاجة لإجراء التحسينات المستمرة في هذه العملية. وذكرنا أنه يمكن للمؤسسات تتبع أثر التدريب بدءًا من الانطباع الفوري للمشاركين وصولاً إلى نتائج ملموسة على مستوى الأداء الاستراتيجي، باإستخدام نموذج كيركباتريك " لقياس أثر التدريب؛ والذي يتكون من أربعة مستويات متسلسلة، وكلّ مستوى يقيس جانباً محدداً من تجربة التدريب ونتائجه، المستوى الأول: ردود الفعل (Reaction)، ويقيس مدى رضا المشاركين عن جوانب البرنامج التدريبي (المحتوى، المدرب، البيئة، والأساليب)، بهدف التأكد من أن المتدربين وجدوا البرنامج مفيداً وملائماً لاحتياجاتهم.
أما المستوى الثاني : التعلُّم Learning)) فيقيس مقدار اكتساب المتدربين للمعارف والمهارات والاتجاهات الجديدة، وأداة القياس: اختبارات ما قبل وما بعد التدريب، تمارين عملية، تقييمات دقيقة لمستوى الفهم، بهدف التأكد من أن المحتوى التدريبي تحقق أهدافه من ناحية المعرفة والمهارة.
المستوى الثالث والرابع؛ يتم قياسهما بعد مرور فترة زمنية من إنتهاء البرنامج التدريبي، فيقيس السلوك (Behavior) مدى تطبيق المتدربين لما تعلّموه في بيئة العمل اليومية، من خلال ملاحظات أداء، مقابلات مع المديرين والزملاء، استبيانات متابعة بعد فترة (مثلاً بعد 3–6 أشهر)، بهدف تحديد مدى نقل التعلم إلى الواقع العملي وتأثيره على سلوك الموظف.
أما مستوى النتائج (Results)فيقيس التأثير الكلي للتدريب على مؤشرات أداء المؤسسة الاستراتيجية مثل:الإنتاجية ، ترشيد النفقات وغيرها، ويتم إستخدام عددا من الأدوات مثل: بيانات أداء قبل وبعد التدريب، مؤشرات KPI مؤسسية، تحليلات مالية وغيرها بهدف تقييم القيمة الفعلية للتدريب للمؤسسة وتبرير الإنفاق عليه.
بينما يتوقف نموذج "كيركباتريك" عند مستوى النتائج، أضاف جاك فيليبس (Jack Phillips) مستوى خامسًا ، وهو العائد على الاستثمار ، حيث يهدف (Return on Investment - ROI) إلى ترجمة النتائج إلى قيمة نقدية ومقارنتها بالتكلفة الإجمالية للبرنامج التدريبي، من خلال إضافة خطوتين حاسمتين لنموذج "كيرك باترك": تحويل البيانات إلى قيمة نقدية بتحويل نتائج المستوى الرابع (مثل زيادة الإنتاجية أو انخفاض الأخطاء) إلى مكاسب مالية، فحساب العائد على الاستثمار يتم مقارنة الفوائد المالية الصافية بتكلفة البرنامج التدريبي.
وقد يسال البعض : ماهي المنهجية التي تعتمدها المؤسسة لقياس العائد على التدريب؟ وهنا علينا التذكر؛ أن قياس الأثر التدريبي هو متطلب أساسي لقياس العائد على التدريب، وربما معظم المؤسسات الحكومية لاتحتاج كثير لقياس العائدعلى التدريب وتكتفي بقياس الأثر، لكن في الحالات التي يمكن تحويل النتائج فيها لقيم مالية يصبح لزاما فيها قياس العائد على التدريب، وعليه؛ فجميع المؤسسات عليها تنفيذ منهجية تبدأ بالتخطيط للتقييم وهذه الخطوة تبدأ فعليا حتى قبل بدء تصميم البرنامج التدريبي، ثم تبدأ بجمع البيانات عبر المستويات الأربعة الأولى، وهنا لابد من عزل أثر التدريب بإستخدام تقنيات "مثل المجموعات الضابطة" لعزل تأثير التدريب على النتائج، لتأتي الخطوة الأكثر تحديًا وتتطلب افتراضات منطقية، وهي تحويل البيانات إلى قيمة نقدية لتتلوها خطوة حساب جميع التكاليف المرتبطة بالتدريب (تكلفة التطوير، أجور المدربين، تكلفة وقت الموظفين، إلخ).
وبعد أن يتم إحتساب التكاليف الإجمالية للتدريب ، يتم حساب إجمالي الفوائد النقدية للتدريب، بمعنى تحويل نتائج المستوى الرابع (النتائج) إلى قيمة مالية. فعلى سبيل المثال: إذا أدى التدريب على الجودة إلى تقليل عدد المنتجات المعيبة بمقدار 500 وحدة شهريًا، وتكلفة إصلاح كل وحدة هي 100 دينارا، فإن الفائدة الشهرية هي 50,000 دينارا.
ننتقل بعد ذلك إلى حساب صافي الفوائد (Net Benefits)من خلال تنزيل إجمالي تكاليف التدريب من إجمالي الفوائد النقدية، لنحسب بعد ذلك نسبة العائد على الإستثمار من خلال تحديد المنافع المالية الناتجة عن التدريب يخفض منها تكاليف التدريب وتقسم على تكاليف التدريب وتضرب ب(100).
والسؤال الأهم : كيف يمكن للقطاع العام أن يحقق فاعلية التدريب من خلال قياس الأثر والعائد على التدريب، وما هو الإطار المؤسسي الذي يضمن الحوكمة والإستمرارية في نجاح ذلك؟.
لقد تضمنت خارطة تحديث القطاع العام رؤية وطنية لتطوير إدارة الموارد البشرية، ولعل من محاورها الإرتقاء بالعملية التدريبية للإنتقال للتقييم النوعي وليس الكمي، ومن المعلوم أن موظفي الدولة يتم تدريبهم لدى جهات مختلفة، لعل أهمها : معهد الإدارة العامة، المعهد المالي، المعهد القضائي، إضافة إلى جهات تدريبية غير حكومية داخل المملكة وخارجها، وعليه؛ فقياس فاعلية التدريب، يشمل جميع البرامج التدريبية التي يلتحق بها موظفي القطاع العام، سواء مايتعلق بقياس الأثر أو قياس العائد على التدريب في بعضها.
وبناء على ذلك، فعملية القياس تقع على عاتق وحدات التطوير المؤسسي والموارد البشرية في الدوائر الحكومية، وخاصة المراحل مابعد الثانية، وحتى تتمكن من ذلك، يتطلب أن يقوم معهد الإدارة العامة بتدريب أخصائي التدريب في هذه الدوائرعلى عملية القياس ضمن منهجية حكومية موحدة ، وكذلك تطوير تشريع حكومي يحدد المهام والمسؤوليات والأدوار، ويتضمن تشكيل لجنة توجيهية حكومية دائمة تنظم وتراقب وتنسق عملية قياس فاعلية التدريب على مستوى القطاع العام برئاسة رئيس هيئة الخدمة المدنية والتطوير وعضوية الأمناء العامين الإداريين لوزارتي التربية والصحة ومدير عام دائرة الموازنة وأمين عام ديوان المحاسبة ورئيس وحدة إدارة وتنفيذ برنامج تحديث القطاع العام وأحد خبراء الإدارة العامة في الأردن.
[email protected]
* أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الإدارة العامة سابقا