إسرائيل الكُبرى: المشروع الأخطَر على وجود دول الطّوق.
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
أمانة عمان تباشر تعبيد شوارع رئيسية بمساحة نصف مليون م2إسرائيل الكُبرى: المشروع الأخطَر على وجود دول الطّوق.
أزهر الطوالبة
لم يعد خافيًا أنّ المِنطقةَ تسير بخُطىً متسارِعة نحو مرحلةٍ وجوديّة جديدة، عنوانُها ليس فقط التّغيير، بل التّفجير. فإسرائيل لم تعد تخفي مشروعَها الأيديولوجي-التوراتي، الّذي يعلو على كُلّ الحِسابات السياسيّة والواقعيّة. وما يلوّح به نتنياهو من "اسطورةٍ توراتية" هو في جوهره أخطَر بكثير من أيّ "قُنبلةٍ نووية" ؛ إذ إنّ النووية قد تُدمّر مدينة، أمّا التوراتيّة فتُدمّر معنى التاريخ، وحُدود الجغرافيا، وبنية الدُّول ذاتها.
ما يلوّح به نتنياهو يمسّ أساس الوجود السياسي لشعوبِ المنطقة ؛ وذلكَ لأنهُ يستَند إلى خطابٍ دينيٍّ مُطلَق، لا يعترف بالزّمن ولا بالتاريخ، بل فقط بـ"الوعد الإلهيّ". وهُنا تكمُن الخطورة: فالمعركةُ لا تُدار بمنطقِ المصالِح أو التّوازُنات، بل بمنطقٍ أسطوريٍّ دمويّ يجعل أيّ تسويةٍ مُستحيلة.
وما نراهُ اليوم ليسَ مُجرّد ضُغوطٍ على لُبنان أو حصارٍ لغزة أو تفكيكٍ لسوريا أو إضعاف للأُردن. إنّه مُسلسلٌ مُتكامِل لتجريدِ "دول الطّوق" من مُقوِّمات الدَّولة. وكُلّ ذلكَ يضعنا أمامَ حقيقة أنَّ ما يجري أبعد من "التطبيع" وأبعد من حدود فلسطين. فالمشروع يطال دول الطّوق كلّها: لبنان، سوريا، الأردن، وحتى مصر بدرجة أقل. من يتأمّل المسار منذ صفقة القرن، مرورًا باتفاقياتِ إبراهام، ووصولًا إلى الطّرحِ المُتكرِّر عن "الشرق الأوسط الجديد"، يكتشِف أنّ الهدف ليس "حلّ النزاع"، بل إعادة صياغة المنطقة جغرافيًا وسياسيًا بما يتلاءم مع "إسرائيل الكبرى" ومع الرؤيةِ الأميركية للقرنِ الحالي. هذا يُفسر الضغط على الأردن، تفكيك سوريا، تحويل لبنان إلى ساحة رخوة، وحصار غزة حتى لحظة التهجير.
فلُبنان يُدفع نحو الفوضى المقوّننة، وسوريا تُنهكُ في صراعاتٍ لا تنتهي، أمَّا الأردن، فإنَّهُ يوضعُ في الزّاويةِ بينَ ضغطِ التّهجير الفلسطينيّ ومشروع "الوطن البديل"، وفلسطين نفسُها تُمحى من المُعادلةِ كُليًا. الهدف النهائي: شرق أوسط جديد، خالٍ من أيّ كيانٍ عربيّ قادرٍ على الوقوف بوجه "إمبراطورية يهوه".
وما يزيد المشهد قتامة، وبكُلّ صراحة، هو أنّ البنية السياسيّة العربيّة، وخصوصًا، في دُولِ الطَّوق، أفسحَت المجالَ لتغلغُلِ المشروعِ الإسرائيلي. فالطائفيّة، والزبائنيّة، والانقسام، والارتهان للخارِج، كُلّها أمورٌ جعلَت المُجتمعاتِ العربيّة مُتصدِّعةً من الداخل، سهلة الانكِسار أمامَ أيّ ضغطٍ خارجيّ. وحتى عندما تُرفع شعارات "السيادة والاستقلال"، فإنَّها، غالبًا، ما تُستعمَل تكتيكًا لتصفيّةِ حساباتٍ داخليّة، لا استراتيجية لحمايةِ الوطن.
وهُنا، في ظلّ كُلّ المُعطياتِ الّتي أسلفناها، يبرُز سؤال شديدِ التّعقيد: ما العمل؟
ّإنَّ التحدّي الذي نُواجِههُ ليسَ عسكريًا فقط، بل حضاري وأيديولوجي. فإسرائيل لا تتحدَّث اليومَ عن سلامٍ أو حُدود، بل عن نصوصٍ مُقدّسة، تعلو على الواقع والتّاريخ. وهذا يعني أنّ أيّ ردٍّ عربي يجب أن يكونَ مشروعًا استراتيجيًا مضادًا، يقرأ التاريخ كما يقرأ المُستقبل، ويجمَع بين عناصرِ القوّةِ السياسيّة والعسكريّة والثقافيّة. أمّا الارتهانَ للرّئاساتِ الأميركيّة أو انتظارَ رحمة موسكو وبكّين، فلن يُنتِج إلّا المزيدَ من الانكسارات.