اخبار الاردن

جو٢٤

سياسة

«حين دفعتُ دين وصفي… وبقي الوطن مدينًا له»

«حين دفعتُ دين وصفي… وبقي الوطن مدينًا له»

klyoum.com

«حين دفعتُ دين وصفي… وبقي الوطن مدينًا له»

زياد فرحان المجالي

قصة امرأة أعادت للوفاء هيبته

يُقال إن بعض القصص لا تُروى لتُسمَع… بل تُروى لتُشعِرنا أننا ما زلنا بخير.

وقصة وصفي التل وزوجته سعدية واحدة من تلك الحكايات التي تطرق القلب قبل العقل.

كانت سعدية—ببساطتها وأناقتها الأخلاقية—مدعوّة إلى حفل نسائي في بيتٍ من بيوت عمّان العريقة.

ضيافة تليق بمنازل الكِبار، وترتيب يشهد على رفعة المكان.

لكن حين عاد وصفي مساءً، وجد زوجته شاردة، حزينة بطريقة لا تشبهها.

اقترب منها وسألها:

"مالك يا سعدية؟"

فقالت بحياء المرأة الأردنية:

"عيب يا وصفي… الناس عزموني عزومة محترمة، وكان نفسي أردّ لهم لو بشغلة بسيطة… كم كيلو فواكه، شوية بقلاوة… ما بيصحّ نطلع من عندهم وإحنا فاضيين."

ابتسم وصفي وقال لها تلك الجملة التي لا تزال تُحكى في مجالس الرجال:

"يا سعدية… أنا رئيس وزراء بس، يعني موظّف دولة. مش تاجر ولا باشا. وراتبي يا دوب مكفّينا… بدّك إيانا نصرفه على عزومات ونظل آخر الشهر نستنى الراتب؟"

لم تكن الكلمات شُحًّا…

كانت شرفًا.

كانت درسًا في معنى المنصب… لا في مظاهره.

لكن خلف هذا المشهد كان هناك سرّ أكبر:

وصفي مات وبيته عليه دين.

دين أرضٍ لم يستطع أن يكمل ثمنها…

رئيس وزراء يموت مديونًا، ولا يملك بيتًا كاملًا!

الملك الحسين… لحظة وفاء من ملكٍ لرجل

بعد استشهاد وصفي، وصل الخبر إلى المغفور له الملك الحسين.

لم يرسل أحدًا…

ذهب بنفسه إلى بيت سعدية.

جلس معها كأخ، لا كملك، وقال:

"كيف وصفي مديون؟ هذا رجل خدم البلد بكل ما يملك… اعتبري الدين منتهي."

لكن سعدية وقفت وقالت جملة تختصر معدنها:

"سيدنا… وصفي تارك وصية: ما حدا يسدّد عنه فلس. وإذا اضطرّينا… نبيع البيت."

كانت تستطيع أن تهزّ رأسها وتقبل…

لكنها رفضت.

هناك رجال حتى بعد موتهم… لا تُلمَس وصاياهم.

طلب لا يخطر على باب ملك

قالت للملك:

"إذا بدك تساعدني… ساعدني أشتغل. محل صغير بالمدرج الروماني بكفيني."

لم تطلب مالًا، ولا راتبًا، ولا امتيازًا.

طلبت عملاً…

المغفور له فهم النية،

فأرسل وزير السياحة،

ولُبّي طلبها.

امرأة دفعت دين الوطن… بدينها

سعدية عملت بالمحل سنوات.

كانت تبيع للسياح…

تقف تحت الشمس…

تستيقظ قبل الفجر…

وكل دينار كانت تدفعه…

كانت تشعر أنها تعيد لوصفي شيئًا من حقه.

حتى أغلقت آخر قرش من الدين.

ثم ذهبت لوزير السياحة…

ومعها مفتاح المحل.

قال لها متفاجئًا:

"ليش؟ كمّلي… المحل إلك!"

فردّت:

"الوصية اكتملت. وما بدي أستغل شي مو إلي. أنا اشتغلت بس لأسدّ دين وصفي… وكفى."

أعادت المفتاح، كما تُعاد الأم

امرأة تركت الذهب… ورجل ترك وطنًا

ما لا يعرفه كثيرون أن سعدية كان بإمكانها أن تعيش حياة المترفات:

أخوها كان وزير دفاعٍ في سوريا،

وزوجها الأول من عائلة العلمي—واحدة من أغنى العائلات في زمنهم.

لكنها تركت المال،

تركت النفوذ،

ولبست عباءة الوفاء…

وبقيت من أجل رجل واحد:

أبو مصطفى… شهيد الأردن.

بعض الرجال يموتون… ويبقون دينًا على الدولة

وصفي التل لم يترك بيتًا، ولا رصيدًا، ولا حسابات.

ترك معنى.

ترك ضميرًا.

ترك اسمًا نظيفًا لا يتسخ مهما مرّ الزمن.

وسعدية… لم تترك وصيته تموت.

دفعت عنه دينه بنفسها،

ثم أغلقت المحل…

وقالت للعالم:

"اللي بيني وبين وصفي… ما بيدخله مال ولا منصب."

وحين نقول اليوم:

«ليتك تعود يا وصفي…»

نحن لا نبكي رجلاً…

نحن نبكي زمنًا كان الشرف فيه أقوى من المال،

وكانت الوصية أقوى من الدولة،

وكانت امرأة واحدة…

تعادل وطنًا كاملًا من الوفاء.

*المصدر: جو٢٤ | jo24.net
اخبار الاردن على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com