نمو الدين العام ودخل الفرد
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
رسميا .. نجل زين الدين زيدان ينضم لمنتخب الجزائرربما يكون من أسهل بل ومن أكثر النقاشات الاقتصادية شيوعا في الأردن موضوع الدين العام وتناميه بالنسبة للناتج المحلي، واستنتاج ما يهتويه الشخص، وهو أمر أبسط بكثير من إجراء تحليل لأسبابه، وأوجه إنفاقه، وآثاره، وارتباطه بمعدلات النمو وتنافسية (تنمية) البلد، وهو ما سأناقشه هنا.
من المتعارف عليه أن اقتراض الدولة من الخارج يؤدي حين السداد لأصول الدين وفوائده الى تسريب بل رشح عملتها وأموالها للخارج بدلا من انفاقها داخليا، وبالتالي إضعاف معدلات النمو داخل البلد ذاتها. وحين لا يقود الاقتراض الى معدلات نمو مستدامة، ستضطر الحكومة للاقتراض أكثر على مر الزمن لتغطية فوائد الدائنين المتراكمة أو (حسب نظرية روبرت بارو) رفع معدلات الضريبة على الأجيال القادمة لسداد الدين وفوائده، مما يؤدي لترحيل العبء والاضرار بالنمو والتنمية. وفي المقابل، فالاقتراض من داخل البلد يؤدي لمزاحمة المستثمرين ورفع كلف وأسعار الفائدة وتراجع النشاط الاستثماري وانكماش رؤوس الأموال وأضمحلال قدرات المنتجين والمستهلكين، فيراكم إضعافات إضافية للاقتصاد نتيجة ارتفاع كلفة رأس المال.
وفي حين أن انخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أمر مرغوب فيه عمومًا، إلا أنه لا يعني بالضرورة أن الوضع الاقتصادي سليم. فالعديد من الاقتصادات الراكدة أو النامية تتمتع بنسبة دين إلى دخل منخفضة.
في الواقع، في بعض الحالات، قد يكون اقتصاد دولة ما أكثر صحة على المدى الطويل إذا اقترضت واستثمرت بكثافة في النمو الاقتصادي وبالتالي في تنميتها. نعم، سيؤدي ذلك إلى زيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للدولة المقترضة مؤقتًا، ولكنه من المفروض أن يُنمّي الاقتصاد (والناتج المحلي الإجمالي) بما يكفي لسداد الدين وفوائده مع مواصلة تحقيق دخول متزايدة في المستقبل مع نمو الإنتاجية والإنتاج ودخل المواطن وبالتالي الدولة. ولكن مثل هذا التصرف لا يخلو من الخطورة، فالنمو الاقتصادي غير مضمون، خاصة إن انتشر الفساد أو سوء الإدارة (كما حدث مع بعض الدول كفنزويلا مثلا) أو توجه الاقتراض بعيدا عن القاعدة الذهبية (الاقتراض فقط يجب أن يكون لزيادة الإنتاجية، وبالتالي لا يذهب الى نفقات جارية بل نفقات رأسمالية تنموية).
أضيف لهذه القاعدة أن الانفاق بشكل عام يجب أن يتحلى بثلاثة خواص رئيسية: أن يكون كفؤا (يتفادى التسبب بحكومة بدينة مترهلة)، ومعاكسا للدورة الاقتصادية (أي أن يرتفع الانفاق الحكومي حين يهبط معدل نمو الاقتصاد ليحفز الطلب الكلي وبالتالي الانتاج ومعدلات النمو، وأن ينخفض مع ارتفاع معدلات النمو لكي لا يولد مزيدا من التضخم لأن الإنتاج لن يستطيع أن يلحق بالطلب المتصاعد)، وأن يرتكز على تنمية الابتكار والإبداع ليزيد من إنتاجية الاقتصاد وبالتالي دخل المنتجين وايرادات الحكومة دون الحاجة الى رفع معدلات الضرائب.
تاريخيا، بدأ الأردن بالاقتراض عام 1949، حين استدان من المملكة المتحدة ما يعادل مليون دينار أردني آنذاك. وظلت المملكة المتحدة الدائن الوحيد للأردن حتى عام 1961، حين توسعت قاعدة الدائنين لتشمل الكويت وألمانيا. ثم توسعت قاعدة الاقتراض حسب تواجد وقناعات واهتمامات الدول المقرضة لتضم أيضا الاقتراض الداخلي منذ الثمانينات ليفوق الاقتراض الداخلي معدلات الاقتراض الخارجي وأحيانا بفوائد تفوق أسعار وفوائد الدين الخارجي كما حصل في منتصف العقد الأول من هذا القرن.
وصلت نسبة الدين العام (3,800 دينار) 116% من دخل المواطن (3,279 دينار بالأسعار الجارية) في عام 2024. بالنسبة لصافي الدين العام نستفيد هنا من التحليل القيم الذي قدمه مؤخراً المحلل الاقتصادي الأستاذ سلامة الدرعاوي.
وبالمقارنة مع معدلات النمو في الدخل الحقيقي (الخالي من التضخم) في الأردن، والذي يتم حسابه بقسمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة على عدد السكان، فاننا نجد أن أقل معدلات نمو للناتج المحلي الحقيقي للفرد كانت في فترة حكومة عبد الله النسور. ففي عام 2014 تراجع النمو في الدخل الحقيقي بنسبة 6.02% (أعلى نسبة تراجع في دخل المواطن منذ 1991) كما بلغت نسبة التراجع 5.06% عام 2015، وبلغ متوسط التراجع سنويا 4.2% خلال (2013-2016) وهي فترة عمل هذه الحكومة، وهي أيضا النسبة الأعلى في التراجع للدخل بين كافة الحكومات منذ 1991.
اذا نظرنا الى الزيادة في الدين العام لحكومة عبدالله النسور فإننا نجد أن صافي الدين العام ارتفع بنسبة 46%، أي بمقدار 7,392 مليون دينار (4276 مليون دينار حين استثناء الفوائد) بمعدل زيادة سنوي بلغ 2,035 مليون دينار (1177 مليون دينار سنويا حين استناء الفائدة). لاحظ أنه تزامنت فترة عمل حكومة النسور مع متطلب صندوق النقد الدولي أن تشمل الديون التي تكفلها الحكومة ضمن دينها، وغالبية هذه الديون كانت تتعلق بشركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه والتي ابتدأت قروض كليهما بالارتفاع منذ عام 2010 مع انقطاع الغاز المصري. وبالنتيجة ارتفع الدين العام الإجمالي بمقدار نحو 3.1 مليار دينار (من70.7% إلى 80.2% من الناتج المحلي الإجمالي).
ومن ناحية أخرى، تلقت حكومة النسور أكبر قدر من المساعدات الخارجية خلال فترة الربيع العربي حيث أُقِرّت منحة مجلس التعاون الخليجي للأردن بقيمة إجمالية 5 مليارات دولار لتمويل مشاريع تنموية على خمس سنوات (2011–2016 تقريبًا)، موزّعة 1.25 مليار دولار لكلٍّ من السعودية والإمارات والكويت وقطر (لم تدفع قطر حصتها). فالمفروض أن تقلل الدولة من الاستدانة حين تتلقى المنح، والواقع ان ما حدث هو العكس.
أما حكومة هاني الملقي، التي تلت حكومة عبدالله النسور، فقد انخفضت خلالها نسبة التراجع الى 0.9% أي أقل من 1%، حتى أنها حققت نموا إيجابيا للدخل الحقيقي في منتصف 2017، وارتفع صافي الدين العام خلال حكومة الملقي بمقدار 2828 مليون دينار أي بمقدار 12%، وفي حال استثناء الفائدة بلغت الزيادة الكلية 1084 مليون دينار، أي ان أكثر من 1800 مليون كانت دفوعات فوائد متراكمة من السابق.
عادت نسبة التراجع للارتفاع مع حكومة الرزاز التي عاصرت بدايات الكورونا عام 2020 حيث تراجع الدخل بنسبة 1.1%، خاصة وأن سنة 2020 شهدت معدل نمو سالب بلغ 2.9% ، أما بالنسبة لصافي الدين العام فلقد ازداد بمقدار 4430 مليون دينار، أي بمقدار 17%، وفي حال استثناء الفائدة بلغت الزيادة الكلية 1867 مليون دينار.
وبلغ متوسط النمو في الدخل خلال حكومة بشر الخصاونة 1.4% نتيجة التعافي الاقتصادي عام 2021 أي في مرحلة ما بعد الكورونا والذي عاد للتباطؤ في معدلات النمو خلال الفترة 2022-2024. ومن الجدير بالذكر أن متوسط الدخل الحقيقي مع نهاية حكومة بشر الخصاونة في عام 2024 كان 2891 دينار بالمقارنة مع 3366 دينار في العام 2012 ويساوي تقريباً الدخل الحقيقي للفرد عام 2004 أي قبل عشرين عاماً. ومع ذلك فقد بلغت نسبة الارتفاع في الدين العام خلال حكومة بشر الخصاونة 11,164 مليون دينار أي بزيادة نسبتها 36%، وبمعدل زيادة سنوية 2842 مليون دينار، وهي أعلى نسبة زيادة بين هذه الحكومات. وعند استثناء الفوائد على الدين، فان الزيادة بلغت 4693 مليون دينار.
وبهذا تكون حكومة بشر الخصاونة قد حققت أعلى نسبة ارتفاع لصافي الدين العام، وبالمقابل كانت نسب النمو إيجابية، والسبب هنا أن سنة المرجع (2020) كانت حالة خاصة، زمن أزمة الكورونا التي أغلق فيها الاقتصاد لفترات طويلة خلال ذلك العام.
لا يكفي ربط الدين العام بمعدلات الانفاق بل يجب أيضاً، وكما ذكرت مرارا ان ترتبط معدلات الدين بمعدلات النمو الاقتصادي. وإذا نظرنا الى العلاقة بين المتغيرين نجد أن الزيادة في الدين بقيمة 100 دينار يصاحبها زيادة في الدخل الحقيقي للفرد بقيمة 11.9 دينار. ومن أسباب هذا الأثر الضعيف على الدخل الحقيقي للفرد هو أن سداد الدين الخارجي من خلال الاستدانة يعني أن النقود تتسرب من دخل البلد الى الخارج فلا يستفيد منها أحد، كما أن نوعية الانفاق لم تذهب لتنمية الإنتاجية وإنتاج الأفراد ودخل الحكومة.
بالمحصلة، لابد من إصلاح سياسة إدارة الدين بحيث يرتبط الاقتراض بمعدلات نمو دخل الفرد. وهو أمر يتطلب أكثر من عام بل عدة أعوام من العمل الحثيث، ويعتمد على رفع معدلات النمو والدخل الحقيقي للمواطن، وهو ما لن يتم إلا بجهودٍ موجهة نحو تنمية الابتكار والإنتاجية للموارد المحلية.
وبما أن تقليل الاقتراض بالأرقام المطلقة بشكل ملموس حالياً أمر صعب بسبب التزامات الحكومة شبه الثابتة (رواتب وتقاعد وخدمة الدين)، ولأن تقليل الانفاق سيؤدي الى تراجع معدلات النمو، فإن الحل الممكن هو التركيز على رفع معدلات النمو للناتج المحلي الحقيقي من خلال رفع كمستويات الإنتاجية وبالتالي زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي لكي تهبط نسبة الدين (وليس بالضرورة قيمة الدين) الى الناتج المحلي الإجمالي. وأعتقد أن هذا ما تنتويه الحكومة الحالية من خلال التركيز بذكاء على المشاريع الكبرى كمحركات اقتصادية.