بائع الخردة ..حين يعلو الصوت على الخوف
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
سيدتي .. اليك وصفة ماسك البندورة وفوائدهبائع الخردة ..حين يعلو الصوت على الخوف
خلود العجارمه
في قلب الحرب التي تهز أركان المنطقة..حيث تعلو صفارات الإنذار كصدى كابوسي لا ينقطع، يرتفع صوت بائع الخردة ليغطي على كل الأصوات المدوّية.. لا خوف يعتريه يمضي بثبات في سيارته القديمة، حاملاً عبق الزمن في مكبر صوته، ذلك الصوت الذي سجّله منذ سنوات، ربما قبل أن يُولد هذا الجيل.. ليس مجرد نداء على خردة.. بل هو صرخة حياة تتحدى أعتى العواصف.
في أحد الأيام..كنت أحاول أن أصغي إلى المؤذن.. أتمعّن في كلمات الأذان التي تتسلل من مآذن الحيّ..أبحث عن لحظة روحانية وسط هذا الضجيج العام.. ولكن كعادته.. غلب صوت بائع الخردة على المشهد. قطعت عفويته خشوعي.. كما اعتاد أن يقطع صوته صوتَ المتصل كلما أمسكت بهاتفي..لا يترك لي خيارًا..صوته يعلو في الفضاء كما لو أنه لا يعترف بصمتٍ أو سكون.
كل يوم.. يقطع الشوارع المدمّرة.. ينادي بصوته المجلجل.. الذي ما زال ينبض بالحياة.. وكأن كل نداء يطلقه يُحيي شارعًا.. يُعيد ذاكرة بيت.. أو يوقظ حلمًا نائمًا بين الركام..
أبناؤه ورثوا المهنة.. لكنهم لم يرثوا تلك العفوية الفريدة.. واكتفوا بتسجيلات باهتة تفتقد النبض.. أما هو، فصوته الحيّ يحوّل كل زاوية من المدينة إلى ساحة مقاومة، يصرّ على أن يكون نبضًا صاخبًا في وجه السكون الثقيل..
حين يمرّ.. ينبض الحيّ من جديد..كأن صوته.. الممزوج بالعفوية والجرأة، ينفض غبار الحرب عن الأرصفة، ويزرع في النفوس أملًا لا ينكسر.. إنه بائع الخردة الذي لا يعرف الخوف..لا يهاب صفارات الإنذار، ولا يكترث لصوت الموت في السماء. صوته وحده يعلو... على المؤذن..على الهاتف..على كل ضجيج الحرب..لأنه ببساطة... صوته أقوى من الخوف.