اخبار الاردن

جو٢٤

سياسة

الاستدارة للداخل أولوية وطنية أردنية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية

الاستدارة للداخل أولوية وطنية أردنية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية

klyoum.com

الاستدارة للداخل أولوية وطنية أردنية في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية

د. محمد أبو غزلة

قدّم الأردنيون نموذجا عربيا وإسلاميا وإنسانيا في الشجاعة، والرجولة، والأصالة، والكرم في كل مراحل تاريخهم منذ نشوء الدولة. وقد بدأت بوادر ذلك بإعلان الشريف الهاشمي الحسين بن علي عن إقامة دولة عربية مستقلة من حلب إلى عدن، رغم النكوص والانتهاك البريطاني لهذا المشروع. لكن ذلك لم يثن الهاشميين ولا الأردنيين عن مواصلة واجبهم ومسؤولياتهم تجاه إخوتهم العرب، فكان تأسيس أول جيش عربي يحمل اسم "الجيش العربي"، قد أسهم في الدفاع عن القضايا العربية في كل الأزمات، وخاصة في حربي 1948 و1967. وقد سطر الأردنيون بطولات لا تنسى، خاصة في معركة القدس، واستشهد العديد من الأردنيين على أرض فلسطين، ومنهم الشهيد كايد المفلح العبيدات، ومن محافظتي أكثر من أربعين شهيداً ومنهم من الأقارب غير الذي أصيبوا وهذا هو حال الأردنيين الذين استشهدوا على ثرى فلسطين من جميع محافظات المملكة.

لقد شكل الدفاع عن العروبة والوطن وحمايته بوصلة اردنية هاشمية لا تحيد عن واجبها وجعلت من الأردنيين رمزا للبطولة، ورسخت لديهم أسمى معاني الشرف والشجاعة في الحفاظ على الوطن وتاريخه، ولذا لم يطلق عليهم ومنذ فجر التاريخ الحديث لقب الأردنيون النشامى، تعبيرا عن الرجولة والأصالة والشهامة والكرم، وهو ما شكل مصدر فخر وطني عميق لكل أردني وعربي صادق، ولكني أخشى أن صفة النشامى هذه أن تأسرنا على حساب امن وطننا واستقراره وسيادته لأن الإفراط في اندفعنا في قضايا خارجية ذاتاثر كبير على امننا واستقرارنا وخاصةفي ظل التغيرات الإقليمية الدوليةسنجد انفسنا خارج الدوائر المختلفة وخاصة في ظل فقداننا أيضا لجميع أورقنا من اجل أجل الأخرين .

وعلى الرغم من التحديات السياسية والاقتصادية والحصار الإقليمي والدولي، لم يتخل الهاشميون والأردنيون عن تضامنهم مع القضايا العربية والإنسانية، وكان للأردن دور محوري في دعم القضية الفلسطينية منذ النكبة، وساند شعوب لبنان، والعراق، واليمن، والسودان، وسوريا في محنهم، متحملا أعباء سياسية واقتصادية وتعليمية وصحية أثرت على حياة الأردنيين. ومع ذلك، واصل الأردنيون أداء دورهم الإنساني والقومي، وهو ما يعكس أخلاقهم النبيلة وشجاعتهم الأصيلة، وهذا كله يجسد حكمة جلالة الملك عبد الله الثاني في تعزيز الأمن والاستقرار السلمي إقليميا ودوليا انطلاقا من مواقف الأردن الثابتة في دعم حقوق الإنسان والسلام، مما انعكس على السمعة الطيبة للأردنيين. وأثبت أن الشعب الأردني قادرا على التكيف في الأزمات، ليكون نموذجا للمرونة والصمود رغم العواصف التي مرت عليه، ولكن خرج منها اقوى بفضل القيادة وتلاحم الشعب معها.

ولكن في ضوء استمرار التحديات، وتغيّر المفاهيم القومية، وتراجع التماسك العربي، وتقدم المصالح القطرية على الجماعية، بات لزاما على الدولة والحكومة الاستدارة نحو الداخل والتركيز على القضايا الداخلية، مع المحافظة على الثوابت، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والتي يجب أن تبقى قضية الشعبين الأردني والفلسطيني في إطار حل الدولتين، دون أن تكون أي قضية على حساب الوطن، ولذا على الحكومات وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعشها الأردنيون وفرضتها السياسة والحصار الدولي والإقليمي نتيجة مواقف الأردن المبدئية ، أن تستدير للداخل وتعظم من أهمية التركيز على تنمية الاقتصاد الوطني، والاستثمار في القطاعات الحيوية مثل الطاقة المتجددة، الزراعة، التعليم، والخدمات الصحية، وتوفير فرص العمل، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهذه هي الخطوة الأولى نحو تعزيز القوة الداخلية وبناء وحدة وطنية راسخة تضمن استقرار الدولة.

الأردنيون معروفون بوفائهم، ويتمسكون بقيم العدل والإنسانية، وهذا ما عزز من مكانتهم الدولية ومع ذلك، فإن الضرورة تقتضي اليوم إعادة ترتيب الأولويات الوطنية بحيث يوجه الاهتمام بشكل أكبر إلى الداخل ومعيشة المواطن، بدلا من الانغماس الزائد في الملفات الخارجية. فلا يمكن للدولة أن تتقدم في القضايا الإقليمية بينما يعاني شعبها من البطالة، وتراجع الخدمات، وتهميش الفئات الفقيرة، وتكدس المكتسبات في يد قلة من المتكسبين، فالأردنيون يا سادة داخل الوطن وخارجه يستحقون أن تلفت حكوماتهم إليهم وأن توجه سياساتها لخدمتهم أولا لا خدمة فئة قليلة داخل الوطن او حتى جهات دولية خارجية.

لقد عكس احتفال الاستقلال لهذا العام وعيا شعبيا بحجم التهميش والنكران الذي يواجه الأردن والشعب الأردني، فجاءت المسيرات والهتافات والوقفات معبرة عن انتماء وولاء وتمسك بالقضايا الوطنية رغم الأزمات الاقتصادية، وتهديدات الإرهاب التي طالت امنه واستقرار ورغم ما يحيط بالوطن من أخطار لأن لدى الأردني مبادئ تربوا عليها وان الدفاع عن الوطن واجب، وهو ما يفعله الأردنيون دون منة، لأنه ديدنهم. وهذا وطنهم

لكن من يحب وطنه، يحب أن يراه قويا آمنا مستقرا، ويضع أولوياته وفق احتياجاته لذلك، فإن الاستدارة للداخل، وترشيد الخطاب السياسي، والتعاطي العقلاني مع القضايا الخارجية، ومعالجة الفساد، والمحافظة على منظومة النسيج الاجتماعي، وإصلاح منظومة العدالة وتكافؤ الفرص، وحرية التعبير المسؤول عن الراي، وتوسيع المشاركة في اتخاذ القرار، كلها خطوات أساسية لضمان استقرار الوطن.

إن تحسين مستوى المعيشة، وتوفير فرص العمل، والنهوض بالخدمات الصحية والتعليمية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والاستثمار في البنية التحتية، وتخفيض الإنفاق على الأنشطة الهامشية والمؤتمرات الفارغة، كل ذلك من شأنه أن يعزز الاقتصاد الوطني، ويعيد الثقة بين المواطن والدولة لذا نأمل أن تكون هذه القضايا في مقدمة أولويات الحكومة، لأنها مفاتيح لتعزيز النسيج الاجتماعي، ومصدر لقوة الدولة ومنعتها، ومفتاح لزيادة الولاء والانتماء الوطني، وترسيخ الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، الذي هو الأساس في بناء دولة قوية مستقلة، قادرة على التأثير إقليميا ودوليا بثقة واحترام.

*المصدر: جو٢٤ | jo24.net
اخبار الاردن على مدار الساعة