بريق الغيصلان
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
افتتاح معاصر الزيتون في 15 من الشهر وتشديد الرقابة على الجودة والنقلبريق الغيصلان
عاطف أبو حجر
في ربوع أم زيتونة خطت الطفولة أولى حكاياتها، حيث امتزجت براءة الصغار بعبق الأرض ونسيم السهول. هناك تشكّلت الذاكرة الأولى، نقية كزهرة الغيصلان، باقية ما بقي الحنين.هناك في سهول أم زيتونة، مرتع براءتي الأولى. هناك كنت أرى زهرة الغيصلان تتمايل بكل شموخ تحت أشعة أيلول، كأنها تعانق الريح بفخر. وايضا في موارس بطنا وأطراف بيادر طبلوج، كانت تلك الأزهار تنثر عبيرها على المكان، فتملأ قلبي دهشة وتغرس في روحي حب الأرض والزمان."
في زمان أجدادنا، لم يكن هناك أجهزة رصد ولا ردارات، كان الناس يتركون قلوبهم وأبصارهم تقرأ إشارات الطبيعة. كانت الجبال والوديان والسهول دفترهم المفتوح، والزهور والرياح لغتهم التي يفهمون بها مواعيد الفصول ومواسم الخيرات. ومن بين تلك العلامات التي انتظروها كل عام، نبتةٌ اسمها الغيصلان، أو كما كان يسميها البعض: العيصلان، الغيسلان،عود الري، وزنبوط الري.
كان ظهور الغيصلان في شهر أيلول حدثًا موسميًا يُعيد إلى الناس الأمل، لكنه أيضًا يثير فضولهم وحساباتهم. فإذا أطلّ الغيصلان طويلاً مزهوًا بأزهاره البيضاء الكثيرة على الأغصان، أجمع الشيوخ والكهول أنّ الشتاء المقبل سيكون شتاءً قاسيًا، عامرًا بالمطر والثلج. أما إذا ظهر قصيرًا ضعيف الزهر، فهذا يعني أنّ الشتاء سيكون خفيفًا قليل الغيث.
ويتذكر كبار السن كيف كانوا يتسامرون في السهرات عند بيوت الطين بالعقود والقناطر ، يحكون لأولادهم: "انتبهوا للغيصلان، إن كثر زهره جاءنا عام خير وثلوج تغطي السهول". فكانت النبتة بمثابة تقويم طبيعي وكتاب مفتوح لقراءة الغيب القريب.
ولم يكن الغيصلان مجرد مؤشر على الطقس؛ بل كان رمزًا لعلاقة الإنسان بالأرض، وزهوره غذاءٌ مهم للنحل الذي يجمع منه الرحيق، فيخرج عسلاً طيبًا يحمل رائحة الطبيعة. ومع تفتح أزهاره في أيلول، كانوا الناس يعرفون أن فصل الصيف يودّعهم وأن الشتاء على الأبواب، يحمل في طياته الخير والبركة.
وهكذا ظل الغيصلان شاهدًا على حكمة الأجداد وذكاء فطرتهم، إذ لم يحتاجوا إلى علوم معقدة ليعرفوا أن الطبيعة هي المعلم الأول. كانوا يقرؤون العلامات ببساطة، فيرون في زهرة صغيرة رسالة كبيرة، ويؤمنون أن كل ما تنبته الأرض ليس عبثًا بل بشارة من الخالق.انها رسالة وبريق الغيصلان التى كنا ننتظرها بنهاية شهر أيلول من كل عام.