البحرين على الحافة.. ضغوط الدين وعتبة تعادل نفطي غير مسبوقة
klyoum.com
يوسف حمود - الخليج أونلاين
تشير التقديرات إلى أن البحرين تحتاج إلى سعر نفط مرتفع لتحقيق التوازن المالي، إذ يقترب سعر التعادل من نحو 140 دولاراً للبرميل في 2025
تواجه البحرين واحدة من أكثر المراحل المالية دقة منذ عقد كامل، مع تراكم الدين العام واتساع الضغوط على الموازنة نتيجة تراجع الإيرادات النفطية وارتفاع النفقات الجارية، وعلى الرغم من الخطط المتعددة لضبط المالية منذ 2018، فإن المؤشرات الأساسية لم تشهد تحسناً كبيراً، ما أبقى الوضع المالي تحت مراجعة متواصلة من وكالات التصنيف الدولية.
ويمتد تأثير الضغوط المالية إلى جانب التمويل الخارجي، إذ دفعت احتياجات الموازنة المتزايدة البحرين إلى الاعتماد على الإصدارات الدولية من السندات والصكوك، في وقت يشهد تغيرات في السياسات النقدية العالمية وتقلبات في أسواق الطاقة، ويُعد حجم الدين مقارنة بحجم الاقتصاد من بين الأعلى في المنطقة، ما يجعل أي مراجعة للتصنيف انعكاساً مباشراً لتوازنات دقيقة بين الاحتياجات التمويلية والقدرة على الاستدامة.
وجاء خفض التصنيف الأخير من وكالة "ستاندرد اند بورز" ليضيف تحدياً جديداً إلى ملف مالي معقد، ويعيد تسليط الضوء على قدرة البحرين على إدارة الدين ومواجهة كلفة التمويل المتزايدة، في وقت تعمل فيه الحكومة على تعزيز الاستثمارات النوعية عبر مبادرات مثل "الرخصة الذهبية" وتنفيذ إصلاحات تستهدف تقوية الاقتصاد غير النفطي.
تخفيض لافت
خفضت وكالة "ستاندرد اند بورز" التصنيف الائتماني للبحرين من "B+" إلى "B"، مع الإبقاء على نظرة مستقبلية مستقرة، بعد مراجعة شاملة للبيانات المالية الحكومية، حيث جاء القرار نتيجة تراكم الدين العام خلال السنوات الماضية، وارتفاع العجز بسبب الإنفاق الجاري والالتزامات خارج الموازنة.
وتشير التقديرات إلى أن البحرين تحتاج إلى سعر نفط مرتفع لتحقيق التوازن المالي، إذ يقترب سعر التعادل من نحو 140 دولاراً للبرميل في 2025، في حين يتراوح متوسط أسعار النفط العالمية حول 65 دولاراً.
وتتوقع الوكالة زيادة صافي الدين بأكثر من 10% من الناتج المحلي خلال 2025، مدفوعاً باستمرار الاقتراض لتغطية النفقات التشغيلية، كما يبرز تأثير كلفة خدمة الدين التي تستنزف جزءاً متزايداً من الإيرادات العامة.
وتربط الوكالة بين هيكل الاقتصاد القائم على النفط وبين هشاشة الوضع المالي عند انخفاض الأسعار، فيما تشير البيانات الرسمية إلى أن البحرين لم تتمكن خلال السنوات الأخيرة من خفض الدين إلى مستويات آمنة رغم برامج الإصلاح.
ويأتي القرار بعد تقييم للمخاطر المالية طويلة المدى، خصوصاً مع اتساع الفجوة بين الإيرادات والنفقات، حيث قالت الوكالة إنها لاحظت أن مسار الدين ما يزال صاعداً رغم إجراءات الضبط المالي المعلنة منذ 2018.
وتعد هذه المرة الثانية خلال ثلاث سنوات التي تجري فيها مراجعة التصنيف باتجاه الخفض بسبب الضغوط نفسها، حيث رأت الوكالة أن السياسات الحالية تحتاج إلى وقت أطول لإظهار نتائج ملموسة على مستوى الميزانية العامة.
الدين العام والتمويل الخارجي
تُصنف ديون البحرين ضمن الفئة ذات المخاطر العالية مقارنة بحجم الاقتصاد، نظراً لارتفاع نسبتها إلى الناتج المحلي وتنوع أدوات الاقتراض المستخدمة محلياً وخارجياً، فيما تراكم الدين خلال العقد الماضي نتيجة العجز المستمر وارتفاع النفقات الحكومية، ووصل إلى مستويات تتطلب إعادة تمويل متكرر للسندات المستحقة.
في أكتوبر 2025، أصدرت البحرين سندات وصكوكاً بقيمة 2.5 مليار دولار لتغطية الاحتياجات التمويلية، وشملت صكوكاً بقيمة 1.5 مليار دولار تستحق في 2034 وسندات بقيمة مليار دولار تستحق بعد 12 عاماً.
وتجاوزت طلبات الاكتتاب 8 مليارات دولار، ما سمح بتحديد العوائد عند مستويات تقارب 5.9% للصكوك و6.6% للسندات، حيث يعكس هذا الإقبال استمرار قدرة البحرين على الوصول إلى الأسواق رغم خفض التصنيف.
تعتمد المنامة على مزيج من القروض الدولية وإصدارات الدين لتأمين التمويل، وتبقى كلفة الاقتراض عاملاً مهماً في تقييم المخاطر المستقبلية، إذ تتأثر الأسعار بأي تغيير في التصنيف، في وقتٍ تواصل فيه الحكومة إصدار أدوات دين قصيرة ومتوسطة الأجل داخل السوق المحلي، إضافة إلى التمويل الخارجي.
ورغم حصول البحرين على حزمة دعم خليجية بقيمة 10 مليارات دولار في 2018، فإن الضغوط المالية عادت للظهور بسبب جائحة كورونا وتراجع الإيرادات النفطية.
ويُنتظر أن تستمر عمليات الاقتراض خلال الأعوام المقبلة لتغطية احتياجات الميزانية، مع توجه رسمي لإعادة هيكلة الدين وتقليل إجمالي الكلفة على المدى الطويل.
الاقتصاد البحريني في 2025
سجل الاقتصاد البحريني نمواً بلغت نسبته نحو 2.5% بالأسعار الثابتة في الربع الثاني من عام 2025، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، حيث جاء النمو مدفوعاً بالقطاعات غير النفطية التي سجلت ارتفاعاً بنحو 3.5%، في حين تراجع الناتج النفطي بنسبة 2.6% نتيجة انخفاض أسعار النفط وتراجع الكميات المنتجة.
وحقق الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نمواً أعلى بالأسعار الجارية بنسبة 5.3%، ما يعكس توسعاً في القطاعات الخدمية والتجارية، فيما شهدت الأنشطة المهنية والعلمية والتقنية أعلى معدل نمو بلغ 12%، يليها نشاط تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 6.7%، ثم الأنشطة العقارية بنسبة 4.7%.
وانخفض الناتج النفطي، الذي يشكل جزءاً مهماً من الإيرادات العامة، بسبب تراجع حجم الإنتاج وتذبذب الأسعار العالمية، والذي يؤثر بشكل مباشر في الميزانية العامة والعجز.
مؤشر إنذار
في حديثه لـ"الخليج أونلاين" يرى الخبير الاقتصادي فؤاد حسن إن قرار "ستاندرد آند بورز" بخفض تصنيف البحرين من B+ إلى B يستند إلى ثلاثة محددات علمية واضحة تعتمد عليها وكالات التصنيف في تقييم الدول ذات الاقتصاد الريعي.
وأول هذه المحددات، وفق حسن، هو اتساع الفجوة بين الإيرادات العامة والإنفاق الجاري، إذ تشير البيانات إلى أن أكثر من 70% من مصروفات البحرين تتجه إلى بنود تشغيلية ثابتة لا يمكن تخفيضها بسهولة، مثل الرواتب والدعم وخدمة الدين، بينما تبقى قدرة الحكومة على زيادة الإيرادات غير النفطية محدودة مقارنة بنظرائها في الخليج.
ويشير إلى أن المحدد الثاني الذي اعتمدت عليه الوكالة هو الارتفاع المستمر في الدين العام كنسبة من الناتج المحلي. فصافي الدين ارتفع من نحو 87% من الناتج في 2019 إلى مستويات تقترب من 120% وفق تقديرات 2025، وهو مسار تصاعدي تعتبره الوكالة غير قابل للاستدامة ما لم تتحسن الإيرادات النفطية بصورة جذرية.
ويؤكد أن جزءاً من الدين جرى تمويله عبر أدوات قصيرة ومتوسطة الأجل، ما يزيد حساسية الموازنة لموجات رفع الفائدة العالمية.
أما المحدد الثالث فيتمثل في معادلة سعر التعادل النفطي التي تعدها الوكالة مؤشراً أساسياً على قدرة الدول الخليجية على تحقيق توازن مالي، حيث يرى الباحث الاقتصادي، أن وصول سعر التعادل في البحرين إلى نحو 140 دولاراً للبرميل يضعها في فئة الدول الأكثر تعرضاً للمخاطر، لأن الفارق بين السعر المطلوب والسعر الفعلي يفوق الضعف تقريباً، وهذا يعكس ضعف قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات النفطية أو تعويضها بإيرادات بديلة، حسب قوله.
وفيما يخص تأثير القرار، يشير حسن إلى أن الخفض سيظهر أولاً في تكلفة الاقتراض، إذ ترفع المؤسسات المالية الدولية تسعير أي أدوات دين جديدة بمجرد انخفاض التصنيف، "وهذا يعني أن أي إصدار قادم للسندات أو الصكوك قد يحمل فائدة أعلى بنصف نقطة أو نقطة مئوية إضافية، ما يزيد كلفة خدمة الدين التي تستهلك حالياً أكثر من 20% من الإيرادات العامة، كما سيؤثر القرار في تقييم المخاطر لدى المصارف المحلية التي تعتمد على التصنيف السيادي كسقف للمخاطر".
والأثر الثاني وفق الخبير الاقتصادي "سيكون على الإنفاق الاستثماري؛ لأن الحكومة ستكون مضطرة إلى إدارة عجز مالي يتجاوز 10% من الناتج، ما يقلل مساحة تمويل مشاريع البنية التحتية أو القطاعات غير النفطية".
ومع ذلك يؤكد أن قرار الوكالة "ليس حكماً نهائياً على قدرة الاقتصاد البحريني، بل مؤشر إنذار مبكر يمكن عكسه خلال 18 إلى 24 شهراً إذا نجحت المنامة في ضبط النفقات، وتوسيع الإيرادات غير النفطية، وتحسين إدارة الدين"، لكنه يؤكد أن استمرار الأسعار العالمية للنفط دون 70 دولاراً يعني أن التحديات ستظل قائمة ما لم تُنفّذ إصلاحات مالية أعمق.