اخبار اليمن

شبكة الأمة برس

ثقافة وفن

أشرف العشماوي في «مواليد حديقة الحيوان» : ثلاثية روائية في قبضة نص واحد

أشرف العشماوي في «مواليد حديقة الحيوان» : ثلاثية روائية في قبضة نص واحد

klyoum.com

القاهرة - منى أبو النصر - يضم كتاب «مواليد حديقة الحيوان» ثلاث روايات قصيرة، لكل منها حكايتها وحبكتها المُستقلة، إلا أن الروائي المصري أشرف العشماوي يضع أمام قارئه علامات رئيسية تعمل كخيوط سِرية تربط هذه العوالم الروائية ببعضها بعضاً؛ ما يجعلها تتجاوب كأصداء نص واحد، تتناثر حكايته وتتآلف في الوقت نفسه.

تنقسم روايات الكتاب، الصادر أخيراً عن «الدار المصرية اللبنانية» بالقاهرة، إلى: «كابينة لا ترى البحر»، و«مزرعة الخنازير»، و«مواليد حديقة الحيوان». ثلاثية روائية تتردد فيها أسئلة الهُوية والذات المنكسرة في مواجهة سُلطة أكبر تتجاوزها، وتموج هذه العوالم بطاقة سردية بصرية تجعل القارئ في تماسٍ مع مآزق أبطالها، بتفاصيلهم وهشاشتهم، لكن في اللحظة نفسها فإن هؤلاء الأبطال يُطلّون على ذواتهم كظِلال؛ إذ يتم تسكينهم داخل قوالب أو «أقفاص» مُحكمة الغلق، على غرار ما يحدث في حديقة الحيوان، ليكونوا موضع تندّر وسخرية أو حتى تغافُل من يشاهدهم من الخارج.

تستقل الرواية الأولى «كابينة لا ترى البحر» عن الروايتين الأخريين بهامشها الزمني الأحدث الذي يُشير إلى زمن المنصات الرقمية، غير أن هذا التقدم في الزمن لا يُسقِط ميراث القهر الذي يبدو متوارثاً بين الفقراء؛ فـ«الحفيد» يجد نفسه وقد ورث قدر «الجد»، ليُستَخدم بدوره كـ«كبش فداء» لحماية عائلة «الباشا» مقابل كسب العيش، وهكذا يُعيد الحفيد إنتاج مصير جده؛ فيقضي أجمل سنوات عمره في السجن رغم براءته، فقط من أجل «تأمين مستقبله»، حيث الغني يحتاج إلى الحُرية بينما الفقير يحتاج إلى المال، في معادلة قاسية تُعري الظلم الطبقي.

ورغم أن هذه السردية تتكئ على خلفية المشهد البحري، فإن البحر هنا يُعمّق من ذلك الغُبن الذي يغمر البطل: «الآن أرى البحر الذي كرهته بعدما ابتلع كل ذكرياتي، وترك لي ذكرى واحدة قاسية لم أعد أحب تذكرها».

مُراوغة القدر

أما رواية «مزرعة الخنازير» فتبدو أكثر روايات الكتاب تكثيفاً لفكرة مُراوغة القدر؛ إذ تقود المفارقات العبثية بطلها، فايز حنّا، من مُربي خنازير «قبطي» إلى تزوير هُويته ليصبح أحد أقطاب تجارة اللحوم المستوردة باسم «الشيخ فايز عبد النبي»، وذلك بعدما يتحول دُميةً في يد محاميه، الذي يُقنعه بأن السبيل الوحيد لنجاته من مطاردة الجماعات الدينية المتشددة التي لاحقت أصحاب مزارع الخنازير الأقباط، هو أن يموت رسمياً على الورق ويُبعث في «حياة جديدة» بهُوية مختلفة.

ويبدو مصير البطل مشدوداً إلى خلفية سياسية واجتماعية مُتوترة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، الذي تُمرر الرواية مراياها عبر الالتفات لمعالم التشدد الديني للجماعات الإسلامية آنذاك، والحصار الاقتصادي الذي وجد سياقه في خُطب الرئيس السادات حول قرارات منع ذبح إناث الماشية، والطوابير الطويلة أمام الجمعيات التعاونية للحصول على اللحوم المستوردة، وهو العالم الذي احتضن دراما بطل الرواية «الزائف».

في هذا المناخ يُقنع المحامي «فايز» بأن حياته مرهونة بموته الرمزي، فيرضخ الأخير للتحوّل، لكن ما يقوده لم يكن الطمع في الأموال الطائلة الناتجة من بيع لحوم الخنازير، المغشوشة بصفتها لحماً بقرياً، بل خوفه المُستبد من شبح الموت الذي ظل يطارده، حيث «الكل يبحث عن فرصة للخداع في هذه المدينة».

هكذا يسلك فايز «المُزوّر» مساراً فانتازياً لا يخلو من تراجيدية، بينما «فايز حنّا» الحقيقي يظل يبحث عن خلاصه بعودته لهُويته القديمة، مهما كلفه من أثمان: «خرج فايز من الكنيسة أكثر إحباطاً، لا يملك إعطاء وعد بأي شيء لأي مخلوق. هو فقط يوقّع أوراقاً لمحاميه الذي يتولى جميع أمره، مجرد طاهٍ لخلطة يحملها الخادم رضا. وبعدها يتحول فايز واجهةً يتصدرها اسمه مسبوقاً بلقب شيخ على أوراق رسمية».

ويبلغ «التنكّر» ذروته الفانتازية في الرواية الأخيرة بالكتاب «مواليد حديقة الحيوان»، حيث تدفع المفارقة بالبطل إسماعيل وحبيبته إلى المكوث خلف أسوار «بيت الأسد»، ليغدو القفص رمزاً لأحلام زوجية مُجهضة، فيتشبّث البطل «إسماعيل» بحكاية «بطولية» ظلّ يرددها عن أن والده «حارس الحديقة» صارع ذات يوم أسداً، غير أن تلك الحكاية لا يصدّقها أحد سواه.

يولد البطل في استراحة حديقة الحيوان التي كان يُقيم فيها والده، ورغم أنه يصير طبيباً بيطرياً، فإن الظروف الاقتصادية العسيرة تدفعه للعودة إلى الحديقة، آملاً أن يستعيد «الاستراحة» لتكون مسكناً للزواج ليواجه ثمناً باهظاً نظير تلك الاستعادة، وكأن حياته لا تجد مخرجاً خارج أسوارها: «على أرضها وُلد، وبين أقفاصها كبر، ووراء أسوارها عاش».

كلمات متقاطعة

تلوح بين سطور الروايات الثلاث صور بصرية مستوحاة من قاموس عالم الحيوان، يتم إسقاطها على حيوات البشر وتعرجات مصائرهم، فمُحرِك السيارة «يزأر»، والبطل يحلم بكابوس وهو في حلقة «الضِباع»، وتتراءى للبطل لحظة الخنوع كمَثل «خنزير يأكل أي شئ يُقدّم له يأكله ولو كان قمامة»، ولحظة العبور العسيرة تجد صورتها في «قطة ترفع قدماً وتتراجع بأخرى»، بينما تصير النظرة المُتوعِدة كتلك التي «تسبق افتراس الأسد للحمار».

وكما تُلخّص «حياة»، بطلة الرواية الأولى، تاريخها العائلي بعبارة: «كل الصور خادعة»، فإن الحكايات التي تنهل من الواقع تتقاطع مع مفارقات عبثية يُغذيها الاستغلال والعوّز، فتغدو مصائر الأفراد مرهونة بانتظار الاكتمال كما «الكلمات المتقاطعة»؛ تلك اللعبة التقليدية التي تظهر في الروايات الثلاث في سياقات مختلفة لتنفتح على معنى ناقص، فبطل الرواية الأولى يرقد أمام كابينة البحر وينشغل بحل الكلمات المتقاطعة، وتوقفه في السطر الثالث الأفقي كلمة عكس كلمة «مُخّير»، وفي الرواية الثانية «يدفس» المحامي رأسه لحل الكلمات المتقاطعة قبل أن يكتب فصلاً جديداً في حياة مُوكِله المُنصاع بالكامل له، وفي الرواية الثالثة يطوي مدير الحديقة جريدته على صفحة الكلمات المتقاطعة مُتسائلاً عن مرادف كلمة: «مُغفل»، في تأرجح دؤوب لمسار الحقيقة في زمن التباس الكلمات.

*المصدر: شبكة الأمة برس | thenationpress.net
اخبار اليمن على مدار الساعة