العيش فوق الركام.. فصول جديدة من معاناة الغزيين مع اقتراب موسم الأمطار
klyoum.com
غزة – سبأ :
بينما ينتظر الناس في أنحاء العالم موسم الأمطار بشغف لما يحمله من خير ورحمة، يتهيّأ أهالي قطاع غزة لاستقباله بقلق وخوف، بعد أن صار المطر بالنسبة لهم نذير خطر جديد فوق ركام منازلهم المدمّرة.
منذ عامين، يعيش الغزيون فصولاً متلاحقة من الألم، لم تتوقف عند صوت القصف ولا عند مشهد الأنقاض التي غطّت القطاع. فالحرب التي أكلت الأخضر واليابس دفنت أكثر من 61 مليون طن من الركام، وفق تقديرات الأمم المتحدة، محوّلة مدن القطاع إلى جبال من الإسمنت المتهدّم والغبار والمخلفات.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في أكتوبر الماضي، إلا أنّ الطريق نحو الإعمار لا يزال موصداً، بفعل التعنت الصهيوني ومنع إدخال المعدات اللازمة. وبينما يطول الانتظار، يحاول آلاف الغزيين العيش على أنقاض بيوتهم، وسط هواجس الانهيار والمرض والغرق.
على ما تبقى من جدران منزلها في حي النصر بمدينة غزة، تقف ساجدة عماد تحدّق في الركام الممتد أمامها. تحاول أن تتحدث بثبات، لكن كلماتها تختنق كلما تذكّرت بيتها الذي أصبح نصفه رماداً.
تقول لـ وكالة "سند" للأنباء: “منزلنا تضرر جزئياً خلال التوغل البري، ولم نجد مكانًا آخر نأوي إليه. نحاول إصلاح بعض الجدران وتغطية السقف بالبلاستيك، لكن البرد بدأ يتسلل كل ليلة. لا نعرف كيف سنواجه المطر حين يبدأ بالهطول”.
وتضيف بصوت خافت: “الركام من حولنا أصبح مرتعاً للحشرات والقوارض، نرى حشرات لأول مرة في حياتنا. مياه الصرف الصحي تتجمع في الطرقات، ومع المطر القادم سنغرق نحن وكل ما تبقى من أحلامنا”.
وفي دير البلح وسط القطاع، يعيش سليم ناجي وعائلته داخل ما تبقى من أطراف منزله المهدّم. جدران متشققة، وسقف مائل يستند على ألواح خشبية وشوادر مهترئة.
يقول ناجي: “الخيام لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، لذلك عدت إلى بيتي المهدّم. لكني أخاف أن ينهار في أي لحظة. الأمطار القادمة قد تكون أقسى من أي قصف، فالجدران متصدعة وكأنها تتنفس بصعوبة”.
الخبير البيئي عبد الفتاح عبد ربه يحذّر من “خطر بيئي وصحي غير مسبوق” مع قدوم الشتاء، في ظل تكدّس الركام وسدّ الطرقات. ويقول: “الركام في غزة بيئة مسامية تجمع الحشرات والقوارض، وتختلط فيه النفايات الصلبة والزراعية والخشبية، وأي محاولة لحرقه تنطلق غازات سامة تؤثر على صحة السكان”.
ويضيف أن الأمطار القادمة ستكشف عمق الأزمة: “عندما تتراكم مياه المطر ومياه الصرف الصحي في الشوارع المغلقة بالأنقاض، ستتحول المناطق المنكوبة إلى برك آسنة وأرض خصبة للآفات، ما ينذر بكارثة صحية وبيئية حقيقية”.
كما يحذّر من أن المباني المتضررة جزئياً معرضة للانهيار في أي لحظة، خاصة مع امتصاص الجدران لمياه الأمطار وهبوب الرياح العاتية.
بين الركام والبرد والرطوبة، يعيش الغزيون فصلهم القادم بقلوب مثقلة بالهمّ؛ فالمطر الذي كان يومًا مصدر حياة، أصبح اليوم اختبارًا جديدًا للبقاء.
وفي ظل انتظارٍ طويل لإعادة الإعمار، يقف أهالي القطاع أمام معادلة مؤلمة:إما البقاء فوق الركام، أو الغرق تحته.
إكــس