اخبار اليمن

شبكة الأمة برس

ثقافة وفن

المترجم فؤاد عبدالمطلب: الترجمة تنهض بثقافة الأمة أو تهوي بها

المترجم فؤاد عبدالمطلب: الترجمة تنهض بثقافة الأمة أو تهوي بها

klyoum.com

أحمد عزيز الحسين*

يترافق ازدهار الترجمة عادةً مع انفتاح الهوية على الآخر، ويتوازى مع رغبة عارمة في التعلم منه، والاهتداء به في كيفية نهوض أمة ما، في حين تفضي الترجمة المتعثرة إلى تشكيل هوية منغلقة على ذاتها، وعلى رغبة عارمة في النكوص إلى الماضي، والاكتفاء بما أبدعه الأسلاف، أما معيار الانفتاح والانغلاق فهو المنهج العلمي النقدي الذي يمكن الاتكاء عليه في اختيار نوعية ما يترجم، والاستراتيجية التي ينبغي العمل بها لتحقيق ذلك.

وقد أدارت معظم الجامعات والمؤسسات الثقافية العربية ظهرها إلى هذا المنهج، ولم تعمد إلى تشكيل هيئات أو لجان مختصة بالترجمة والتأليف والنشر، وفتحت الباب واسعاً أمام المتطفلين على صنعة الترجمة تماماً مثلما حصل في كليات الجامعات العربية وأقسامها المختلفة؛ ولذلك لم يتكون حتى الآن ما يسمى بـ(نقد الترجمة) الذي ينبغي أن يستقل عن النقدين الأدبي والصحافي، كما ساد (منهج الكم) و(قانون السوق) على آلية الاختيار ما تحتاجه الأمة لكي تنهض من جديد، وتراجعت الترجمة، إنْ لم نقل إنها انعدمت أو كادت تنعدم.

والترجمة المبدعة، هي وحدها التي تثري الهوية العربية، وترتقي بها بما يتوازى مع التحديات التي يواجهها المجتمع العربي المعاصر؛ وحرصاً من «القدس العربي» على إثارة قضايا الترجمة وتجذير وجودها الفاعل في الفضاء الثقافي العربي التقت بالأكاديمي والمترجم السوري فؤاد عبدالمطلب ليحدثها عن قضايا الترجمة وشجونها ودورها المهم في تشكيل الهوية العربية، وعبدالمطلب حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب الإنكليزي من جامعة أسيكس في المملكة المتحدة في عام 1989، وقد شارك في مؤتمرات علمية محلية وعربية ودولية عدة، كما درس في عدد من الجامعات العربية، وتولى عدداً من المهام العلمية والإدارية الجامعية داخل سوريا وخارجها، فضلا عن أنه أشرف على رسائل جامعية عدة في الأدب والنقد واللغة والترجمة، ونشر كتباً كثيرة، وبحوثاً ومراجعات باللغتين العربية والإنكليزية في عدد من الدوريات العربية والعالمية. ويعمل حالياً أستاذاً في قسم اللغة الإنكليزية والترجمة في كلية الآداب في جامعة جرش في الأردن، كما يشغل منصب مدير مركز اللغات في الجامعة نفسها، وكان سؤالنا الأول له يتمحور حول واقع الترجمة العربية في الوقت الراهن، وقد أجاب عنه قائلا:

إن واقع الترجمة العربية ليس على ما يرام، وإن كانت هناك وفرة في الإنتاج؛ لأن ذلك لا يحقق، في الغالب، المستوى المطلوب من الكفاية كماً ونوعاً. وأسباب ذلك كثيرة ومعقدة، بعضها عام وبعضها الآخر خاص، منها ما يتعلق بأوضاع المترجمين، ومنها ما يخص مهنة الترجمة نفسها، أو آلية ممارستها، ومنها ما يتعلق بأوضاع الثقافة والنشر العربية العامة، والتعامل مع دوائر النشر والترجمة، الرسمية الحكومية والأهلية، والمشكلات الناجمة عن سياسات الترجمة والنشر وإجراءاتها، وحقوق نشر الترجمات، ومنها ما يتعلق بحقوق الناشرين والمترجمين أنفسهم.

تتسم حياة المترجم العربي عموماً بصعوبات اقتصادية واحترافية تحول دون قيامه بالمهام المسندة إليه، ذلك أنه لا يملك، في الغالب، مورداً دائماً يعيش منه، وهو في حالة قلقٍ مستمر، مع أنه يشكل حلقة الوصل الأساسية بين ثقافتين ولغتين واختصاصين، وليس من المبالغة القول: إن حقه في العمل والحياة الكريمة مهدور في العالم العربي، شأنه في ذلك شأن الكاتب العربي عموماً. كما أن غياب مؤسسات ثقافية احترافية تدعم عملية الترجمة، غالباً ما يشكل الصعوبة الأولى، وقد نتج عن هذه الأوضاع مشكلات إضافية منها الشللية (مختلفة الأشكال) والمزاجية، وغياب الموضوعية، والافتقار إلى التخصص في عملية القبول، والتحكيم والموافقة، والنشر والتوزيع، وغيرها، فضلا عن أن علاقة دور النشر العربية مع الكتاب المترجم تخضع أولاً وأخيراً للعامل المادي؛ ما ساهم في ظهور سلسلة من المشكلات الحقوقية، التي تركت أثرها في عملية الترجمة والنشر؛ وينبغي أن نضيف إلى ذلك كله، عملية التسييس الخفية والمزاجية الشخصية، التي تسللت إلى مؤسساتنا الثقافية العامة أو الخاصة، من خلال الاعتبارات الشخصية، والتصورات السياسية أو الأيديولوجية للقائمين على عملية الترجمة والنشر. وهذا يتعارض مع المترجم الذي يجب أن يختار الكتاب الذي يثري عقله، ويرقى بحياته، ولذلك نحلم دائماً بوجود دور نشر متخصصة، تتعامل مع الكتاب بصورة موضوعية واحترافية، وتتمتع بالأفق الاحترافي في تنظيم عملية الترجمة والتعامل مع السوق الثقافي والعلمي، كما نتمنى أن تتوسع دائرة المترجمين الأكفاء، الذين يتقنون لغات آسيوية أو افريقية، كما نرنو إلى مشاريع ترجمة وطنية وعربية مؤسساتية تتسم بالديمومة، وتسهم في ارتقاء الوعي العربي وتعميقه، بما يفضي إلى إغناء الثقافة العربية والارتقاء بها.

الترجمة وتشكيل الهوية

* كيف يمكن للترجمة أن تساهم بتشكيل الهوية العربية المعاصرة، وهي تواجه مشكلات جوهرية تمنعها من تحقيق كينونتها، وتحول دون قيامها بالواجبات الملقاة عليها؟

ـ علاقة الترجمة بالثقافة والهوية العربيتين لا تزال علاقة وثيقة؛ حيث ترفدهما بما تحتاجانه من عناصر فكرية وعلمية ولغوية، وتساعد على توطين المصطلحات والمفردات والتقنيات والمعطيات الجديدة، واستخدامها معربة ومكيفة على نحو يفي بالأغراض الضرورية. واليوم تدخل المصطلحات العلمية ساحة المعرفة بالعربية أيضاً، وتؤدي إلى إثراء الحصيلة المصطلحية العلمية. وعلى الرغم من تسارع التقدم العلمي في ميادين العلم والمعرفة والمعلومات وأثرها في حياتنا الحديثة، إلا أننا نجد اللغة والثقافة العربيتين قادرتين على استيعاب متطلبات التطورات الحديثة في مجتمع المعرفة الحديث. ومن الواجب الاعتراف بأن تدفق المعلومات، خاصة في اللغة الإنكليزية، وضع اللغة العربية وغيرها من اللغات في مواجهة صعوبات جمة في عصر المعلوماتية، وحفزها على إيجاد المصطلحات العلمية الصحيحة المناسبة للمكتشفات الحديثة في علوم مختلفة. ومن المفيد في هذا الإطار وضع أسس دقيقة للمصطلحات في اللغة العربية، وفق منهجية علمية تتجاوز تعدد سبل تعريبها، وفق اللغات الأصل والاجتهادات الشخصية وغير ذلك، بغية ربط المصطلحية العلمية العربية في مختلف المجالات بالحداثة العلمية والفكرية كي تثبت مكانتها بين اللغات العالمية.

أدت الترجمة دوراً علمياً وحضارياً فعالاً عبر تاريخنا، وساهمت في نقل تراث الحضارات الكبيرة، ما شكل إثراء لمختلف جوانب حياتنا المعاصرة، ولا بد أن نلحظ أن الترجمة كانت تنشط وتقوى كلما التقت ثقافة بأخرى، واحتاجت إليها، وهنا ينبغي أن نفهم الدور الذي تقوم به في إغناء الثقافة القومية من طرف، والتقريب بين ثقافات العالم، وتسهم به إسهاماً كبيراً لتعزيز التفاعل الحضاري الإنساني العام من طرف آخر.

حول مفهوم نقد الترجمة

*هل هناك في رأيك «نقد للترجمة» في الوطن العربي يمكننا من وضع أيدينا على التحديات التي تواجه المجتمع العربي المعاصر في الوقت الحالي؟

ـ «نقد الترجمة» عملية نظرية وتطبيقية من حيث الأساس العلمي، ويحتاج إلى ثقافة ومهارة عاليتين. ويتوافر هذا النوع من النقد إذا كانت الترجمة نفسها موجودة؛ لأنها شرط وجوده. وحين تتقلب أحوال الترجمة، أو تتراجع أو تمر بمصاعب، فإن ذلك ينعكس بأشكال مختلفة على عملية نقدها أيضاً. وإذا جرت الترجمة على أسس منصفة وموضوعية، فإن ذلك سيفضي إلى صحة عملية نقد الترجمة ورصانتها واستدامتها، وإلى وجود نقد موضوعي قائم على أسس نظرية أو عملية تقويمية احترافية. أما حين تجري بصورة اعتباطية، وتخضع لأهداف تجارية فإن حال نقد الترجمة يتردى، ويتأرجح بين النقد المجامل الذي يتأثر بعلاقات القرابة أو بالأيديولوجيا، ونقد متضلع يرقى إلى المستوى العلمي المأمول. هناك نصوص مترجمة كثيرة تحتاج إلى إعادة نظر ودراسة من جديد، وإلى نقد ومقارنة، سواء تلك التي ترجمتْ في الماضي أو الحاضر القريب، وهذه من مهمة المترجمين والنقاد أو المقارنين في مجالات دراسات الترجمة والنقد والمقارنة. فالمترجم قارئ أولاً، وناقد ثانياً، ومقارن ثالثاً: والترجمة بحد ذاتها عملية حكم نقدي ومقارن، تتضمن النظر في كلمة أو تعبير أو جملة، أو نموذج لغوي أو لهجة من مجالين مختلفين كي تصل إلى تناظر ناجح فتقترحه؛ لذلك كانت غاية تلك النظرة تحقيق نوع من التوازن بين الطابع الوطني والأجنبي. من هنا كانت قراءة المترجم النقدية الواعية للنص الأصلي ضرورية ومهمة أولاً؛ وثانياً، كانت عملية نقد الترجمة من مترجم ناقد مفيدة من جانب آخر، في تبيان مدى نجاح ذلك التناظر أو إخفاقه.

جدل الترجمة والنهضة

*وما هي المقترحات المناسبة للنهوض بالترجمة العربية، كي تستجيب للتحديات التي يواجهها العرب في القرن الجديد؟

ـ العلاقة بين الترجمة والنهضة وثيقة، وهي علاقة قديمة جديدة تتصف بالتأثر المتبادل، وحين تنشط الترجمة فإنها تؤدي إلى إثراء الثقافة وتمكينها؛ فتضطلع بدورها في عملية النهوض الاجتماعية والثقافية والاقتصادية كاملة. والحديث في هذا الموضوع ذو شجون وتعتريه صعوبات جمة. والترجمة من حيث الأساس ليست عاملاً رئيسياً من عوامل النهضة، إذ إن النهضة تقوم عادة على عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وقوى تقنية أو عسكرية أو بشرية تمهد لمختلف الأنشطة المعرفية، وتساعدها على التجذر والاستمرار، والترجمة لا تنشأ عادة إلا في أوساط متعلمة ومثقفة ومستنيرة أساساً. بهذا المعنى فالترجمة نتاج لتفاعل تلك العوامل المذكورة، وبالتالي تصبح أداة أو وسيطاً أو عاملاً ثقافياً محفزاً على النهوض والتطور، لذلك كان تأثيرها يندرج ضمن الخط الثاني، ويرتبط على نحو متبادل بعملية النهوض الثقافي. بيد أن ذلك أمر لا يستهان به؛ إذ من الملاحظ أن الترجمة مهدت لكل نهوض حضاري عربي أو رافقته، وأضاءت له الطريق كي ينهض ويشتد عوده. لقد استفاق العرب في بداية القرن الماضي، وأدركوا من خلال اطلاعهم على نتاج الآخر البون الشاسع الذي يفصلهم عنه؛ وهذا ما ساعدهم على الشروع في نهضتهم. وبدأت حركة الترجمة في بلاد الشام في مطلع القرن التاسع عشر، واقتصرت في البداية على الكتب الدينية والأدبية. أما في مصر فقد اعتمد عليها محمد علي باشا وسيلةً من وسائل تحديث الدولة المصرية الناشئة: فأسس مدرسة للألسن في عام 1835، وتولى الطهطاوي الإشراف عليها، ثم أنشأ قلماً للترجمة في عام 1841.

واهتم محمد علي بترجمة الكتب العلمية والأدبية المهمة من اللغات الفرنسية والإيطالية والتركية والفارسية. وتولت الصحف والمجلات أمثال «المقتطف» و»الهلال» وغيرهما نشر البحوث والمقالات على صفحاتها. ولا يخفى أن حركة الترجمة هذه مكنت العرب من الاطلاع على ثقافة الغرب وعلومه وما توصل إليه من آراء ومبادئ سياسية واقتصادية واجتماعية. وكانت النتيجة أن الثقافة لم تبق محصورة داخل الحدود القومية، أو مقتصرة على لون واحد من ألوان المعرفة، بل تنوعت في حقول معرفية عديدة، وفي كثير من اللغات، وأصبح في مقدور شعوب العالم المختلفة التعرف على الحياة الثقافية والأدبية والفنية للشعوب الأخرى المجاورة منها والبعيدة. وعلى الرغم من أن المجتمع العربي قطع شوطا واضحا في التواصل مع الآخر والاطلاع على ثقافته، إلا أنه لم يستخدم العلم الحديث، بل اقتصر في استخدامه له على كليشيهات علمية لا تغني ولا تسمن من جوع. في حين أن اليابانيين أدركوا أن سر المعرفة العلمية كامن في أسبابها لا في ظاهرها؛ ولذا أتقنوها، وأصبحوا قادرين على ربح المعركة من أجل النهوض، أما العرب فتصوروا أن سرها كامن في نتائجها، فظلوا مستهلكين لمنتجاتها وواقفين عند قشورها، وقابعين عند درجة متدنية في التواصل معها؛ ما جعلهم يراوحون في مكانهم قرناً أو أكثر. واليوم، دخلت علاقة الترجمة في محاولتها بناء مجتمع المعرفة العربي مرحلة جديدة في غاية الأهمية؛ ولذلك أصبحت بحاجة إلى إعادة دراسة ومراجعة ودعم وتخطيط من الطرفين المعنيين: التخصصي، وصاحب القرار.

*كاتب سوري

*المصدر: شبكة الأمة برس | thenationpress.net
اخبار اليمن على مدار الساعة