اخبار اليمن

الخبر اليمني

سياسة

أزمة الردع الإسرائيلية أمام اليمن.. البحث عن شركاء لتقاسم أعباء الفشل

أزمة الردع الإسرائيلية أمام اليمن.. البحث عن شركاء لتقاسم أعباء الفشل

klyoum.com

ضرار الطيب:

فيما تعكس الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على لبنان وغزة الحرص على مواصلة "العمل" العسكري المباشر ضد الجبهتين برغم اتفاقات وقف إطلاق النار، تحرص قيادة العدو أيضا على تأكيد حقيقة أن الهدوء على جبهة اليمن ليس حقيقيا، إذ تكرر الإشارة إلى وجود تحضيرات للتعامل مع التهديد الكبير والجديد الذي يشكله اليمن وقدراته العسكرية، ومع بداهة التكهن بأن هذه التحضيرات تتضمن محاولة تحسين القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية لشن اعتداءات قادمة على اليمن، لا يبدو أن إسرائيل قادرة على التخلص من عجزها عن التعامل مع هذه الجبهة بمفردها، حيث تشير المعطيات إلى اعتماد أساسي على تجنيد العديد من الشركاء بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا لتنفيذ مسارات عمل يفترض بها أن تعالج الفجوات الهائلة الذي ظهرت في جولة القتال السابقة، لكن بلا أي استراتيجية "ردع" واضحة، وهو ما يسلط الضوء على "فخ" خطير يتجه نحوه هؤلاء الشركاء، فقط لكي لا تكون إسرائيل وحيدة في مواجهة اليمن.

دائرة مغلقة:

مؤخرا تحدث نتنياهو مرة أخرى عن التهديد اليمني وجوهره العقائدي الذي تعززه "قدرات مستقلة" متعهدا بالعمل على التخلص من هذا التهديد، و"عدم السماح له" بالتطور والبقاء، وهي تصريحات كان يمكن أن تشكل نوعا من الحرب النفسية الهجومية، لو لم تكن القيادة اليمنية قد سبقتها بإعلان مبكر وصريح عن التحضير لجولة قتال قادمة حتما مع العدو الإسرائيلي، وبالتالي فهي تصريحات لا "تبشّر" الإسرائيليين بشيء، بقدر ما تحاول التعامل مع فشل واضح ومشهود داخل كيان العدو.

يقول داني سيترينوفيتش، المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية والباحث في معهد دراسات الأمن القومي: "هناك أمر واحد مؤكد، وهو أن الحوثيين لم يتراجعوا.. وقف إطلاق النار الحالي لا يعني شيئًا، وقد هدد الحوثيون بالفعل باستئناف القتال في حال انهيار وقف إطلاق النار، ويبدو أنهم يستغلون الوقت الحالي، لتجديد قوتهم.. لم ينتهِ الأمر بعد، وهو بعيد عن الاكتمال".

قال نتنياهو إنه لن يفصح عما هو أكثر مما تحدث به بشأن التعامل مع التهديد اليمني، في محاولة متعمدة للتلميح بوجود خيارات فعالة وموثوقة، وهو أمر يفترض به أن يعني تجاوز الفشل التكتيكي والعملياتي الذريع الذي منيت به إسرائيل في الجولة السابقة أمام الجبهة اليمنية، لكن الحقيقة أنه لا توجد مساحة كافية في غموض نتنياهو لتحولات كبيرة تستعيد "الردع" المفقود، لأن خيارات التعامل مع الجبهة اليمنية لا تزال محدودة، ومحفوفة بالكثير من المخاطر، مثلما كانت طيلة الفترة الماضية.

كان من بين المواضيع التي أثيرت كثيرا في مناقشات معالجة الفشل الإسرائيلي أمام جبهة اليمن في الجولة السابقة هو ألا تكتفي إسرائيل بالاعتماد على شركاءها، وأن تطور مسارا مستقلا بالتوازي مع مسارات الشركاء. قد يكثف ذلك الجهود، لكنه لا يحل المشكلة، وبالنسبة للجيش الإسرائيلي، سيكون تحسين جودة المعلومات الاستخباراتية هو أكبر ما يمكن التعويل عليه في هذا السياق، إلى جانب محاولة تهيئة بيئة عملياتية لشن حملة قصف مستمرة (ليست طويلة بما يكفي)، لكن كل هذا لا يضمن تحقيق ردع، أو حتى إجبار صنعاء على القبول بوقف إطلاق نار ثنائي، كما أن هذه المسارات نفسها تتطلب تعاونا وتنسيقا كبيرا مع العديد من الشركاء.

والحقيقة أن الإسرائيليون لا يستطيعون حتى ادعاء تجاوز الحاجة الماسة إلى الشركاء في مواجهة اليمن، وفي رؤيته لـ"بناء الجيش الإسرائيلي من أجل الحرب القادمة" كتب البروفيسور عزرا جات، المستشار في معهد أبحاث الأمن القومي بتل أبيب، أن "تهديد الحوثيين من اليمن، سواء على مستوى إطلاق النار مباشرة على إسرائيل، أو إغلاق مضيق باب المندب وميناء إيلات، كشف عن صعوبات وثغرات كبيرة في القدرات الإسرائيلية" معتبرا أن "لسلاحي الجو والبحرية دورٌ قيادي في التعامل مع هذه المشكلة، ولكن من ناحية أخرى، يجب دراسة خيارات العمل من داخل اليمن ومحيطه، بالتعاون قدر الإمكان مع الحكومة اليمنية التي تسيطر على جنوب البلاد، ومع المملكة العربية السعودية، وإمارات الخليج، ودول الجوار الأخرى".

إنها دائرة مغلقة، لقد أدى فشل الشركاء الأمريكيين والبريطانيين في ردع واحتواء الجبهة اليمنية إلى دفع العدو الإسرائيلي للتفكير في ضرورة تطوير مسار عمليات مستقل ضد اليمن، لكن العوائق الاستخباراتية والعملياتية تدفعه مجددا نحو ضرورة الاستعانة بالشركاء، وفيما يفترض الإسرائيليون أن المزج بين المسارين وتحديث الأساليب هو الحل، فإن طبيعة التحضيرات الجارية بالفعل في هذا السياق لا تعكس مستوى "الثقة" التي تكلم بها نتنياهو، أكثر مما تعكس الاندفاع لتجريب أي خيار آخر للبقاء في المواجهة وتقاسم أعباءها مع أكبر قدر ممكن من الأطراف.

"شركاء" التصعيد ضد اليمن:

يعكس قرار تجديد العقوبات على اليمن (2801) الذي قدمته بريطانيا واعتمده مجلس الأمن مؤخرا "التحديث" الذي تم إدخاله على دور شركاء إسرائيل في التعامل مع الجبهة اليمنية، فبعد فشل حاملات الطائرات والسفن الحربية وقاذفات القنابل، جاء القرار ليضع إطارا "رسميا" لمسار جديد يتم فيه توظيف المليشيات المحلية التابعة للسعودية والإمارات كواجهة لتحرك بحري واسع يهدف بشكل أساسي لحصار موانئ الحديدة وتوفير موطئ قدم للقوات البحرية المعادية في المياه الإقليمية اليمنية تحت عنوان مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات.

القرار شكل امتدادا لتحرك تم إطلاقه في سبتمبر الماضي تحت عنوان "مؤتمر شراكة الأمن البحري اليمني" الذي استضافته السعودية ليكون نوعا من الإطار التنظيمي لتنسيق وتمويل هذا التحرك، وبرغم أن القرار الدولي لم يشرعن صراحة اعتراض السفن المتجهة إلى ميناء الحديدة وعسكرة المياه الإقليمية اليمنية، فإنه مهد لذلك، وعلى أية حال فقد سارعت بريطانيا إلى إرسال وزير الشرق الأوسط هيمش فولكنر، إلى مقر مليشيات "خفر السواحل" في عدن ليتابع مسألة الدعم الذي تحتاجه هذه المليشيات من أجل تفعيل مسارات التحرك البحري، وقد تحدث الوزير بوضوح عن "تواصل مع الشركاء اليمنيين والسعوديين والأمريكيين والإماراتيين بشأن تطبيق القانون الدولي في البحر الأحمر".

وبرغم وضوح سياق وأهداف هذا التحرك ونوايا استغلال العقوبات الأممية كغطاء له، فإن الإعلام الإسرائيلي كان حريصا على عدم ترك أي مساحة للتأويلات، حيث نقل عن مسؤولين في القوات البحرية الموالية للتحالف السعودي الإماراتي في عدن تأكيدا واضحا بأن الرياض "أمرت وحدات بحرية حليفة بالإعداد لمهام مشتركة لاعتراض السفن المتجهة إلى الحديدة، بدعم بريطاني أمريكي يهدف لنقل عمليات تفتيش السفن من جيبوتي إلى عرض البحر على ضوء العقوبات الأممية" وقد رُبط ذلك بشكل مباشر بمناورات (الموج الأحمر) التي اختتمتها السعودية هذا الشهر، والتي شاركت فيها المليشيات اليمنية الموالية لها من أجل التدرب بشكل أساسي على عمليات اعتراض وتفتيش السفن، وفقا لتصريحات قائد القوات البحرية في عدن، عبد الله النخعي، وهو ما اعتبره الإعلام الإسرائيلي "إشارة إلى استعداد الرياض لحملة بحرية أكثر عدوانية".

من وجهة نظر إسرائيل فإن هذا التحرك سيوفر الكثير من الضغط والزخم والدعم المحلي والإقليمي الذي افتقرت إليه الحملات السابقة ضد اليمن، وسيضمن في الحد الأدنى إرهاق وإشغال صنعاء واستنزافها كثيرا، بما يضاعف فرص الجيش الإسرائيلي واستخباراته لتنفيذ عمليات مركزة وواسعة، حتى لو لم تكن حاسمة.

لكن وجهة النظر هذه لا تختلف كثيرا عن التقديرات التي أثبتت خطأها بشأن قدرة البحرية الأمريكية على حسم واحتواء المواجهة مع جبهة اليمن، فقد كانت هزيمة الولايات المتحدة في البحر الأحمر مفاجأة حقيقية، وليست المسألة أنه لا توجد ضمانات لنجاح خطة التحرك الجديد فحسب، بل أن هناك فجوات كبيرة لا يمكن تجاهلها في هذه الخطة، ومنها التداعيات التي قد تجعل مصالح وأهداف الشركاء تتباين وتتصادم بسرعة.

لقد صُدمت إسرائيل بوقف إطلاق النار الذي لجأ إليه ترامب في مايو الماضي بشكل ثنائي مع صنعاء، وشعرت بأنها "تُركت وحيدة"، كما صُدم الأمريكيون قبلها بإحجام حلفائهم عن دعم حملات البحر الأحمر، ولتجنب تكرار مثل هذه النتائج على إسرائيل أن تضمن أن السعوديين والإماراتيين وكذلك الأمريكيين والبريطانيين مستعدون هذه المرة للالتزام الكامل بتحقيق مصلحتها في القضاء تماما على التهديد اليمني مهما كانت التضحيات، وهو أمر صعب، حتى مع توفير "ضمانات" للخليجيين الذين أثبتت صنعاء إمكانية ردعهم والضغط عليهم.

تشير تحليلات استخباراتية أمريكية إلى أن دفع السعودية والإمارات للتحرك وتحريك مليشياتهما ضد صنعاء سيحتاج إلى مؤشرات واضحة على أن الحملة الإسرائيلية القادمة ضد اليمن تحقق بالفعل نجاحا في إضعاف قدرات صنعاء وتماسكها، وهذا يعني أنه سيقع على عاتق إسرائيل -والولايات المتحدة- أن تثبت أولا إمكانية ردع صنعاء لكي تتشجع بقية الأطراف على التحرك، وهذا أمر صعب بالنظر إلى أن الإسرائيليين والأمريكيين يعولون أصلا على هذه الأطراف لكي تهيئ الظروف لهم لتحقيق نتائج جيدة ومختلفة، وهي حالة سبق أن سخرت منها القيادة اليمنية.

وإذ كانت السعودية بالفعل "تستعد لشن عملية واسعة النطاق" كما يرى الباحث في معهد الأمن القومي بتل أبيب، الرائد (احتياط) ألكسندر غرينبرغ، فإن مضيها في التصعيد -وفقا له- سيكون له اعتبارات أوسع نطاقا مثل "الاستعداد للمضي قدما في التطبيع مع إسرائيل" والتخلي تماما عن نهج التقارب الإقليمي (الشكلي بطبيعته) مع أطراف محور المقاومة في المنطقة، وهو ما يتطلب الكثير من الضمانات الأمريكية والإسرائيلية، ولذلك يقدرون في إسرائيل أن انخراط السعودية في التصعيد قد لا يتجاوز "الاحتكاك المحدود" في نهاية الأمر.

وعلى أية حال، سواء كانت الخطة هي إطلاق عملية واسعة بمشاركة جميع الأطراف، أو شن حملة قصف تمهد لتحرك بري وبحري لاحق، أو التدرج في إشعال المواجهات داخليا وخارجيا، من الواضح أنه لا توجد استراتيجية واضحة تقود إلى "ردع اليمن"، وهو ما يقود إلى أسئلة لا بد منها حول طبيعة النظرة الإسرائيلية لمسألة تجنيد الشركاء، إذ يبدو أن مجرد "الزج" بأكبر قدر من الأطراف في مواجهة الجبهة اليمنية يشكل هدفا رئيسيا للعدو وليس حدا أدنى، الأمر الذي ينسجم مع نظرة إسرائيل الأساسية لجبهة الإسناد اليمنية باعتبارها "مشكلة لا تخص إسرائيل فقط"، وقد قيل داخل كيان الاحتلال إن السعودية هي المسؤول الرئيسي عن تعاظم التهديد اليمني لأنها فشلت في مهمة القضاء عليه.

وقد وصل الأمر إلى حد التفكير بإلقاء "أرض الصومال" تحت عجلات جولة التصعيد القادمة ضد اليمن باعتبارها قاعدة عمليات "مثالية" تحتاجها إسرائيل، وذلك في مقابل علاقات ومزايا رمزية "تحت عتبة الاعتراف الرسمي" الذي تبحث عنه حكومة "الدولة" الجديدة، وهو ما يعكس طبيعة النظرة الانتهازية تماما لدى إسرائيل فيما يتعلق بتجنيد "شركاء" ضد اليمن.

صحيح أن "عدم البقاء وحيدة" في مواجهة اليمن لا يضمن لإسرائيل التخلص من التهديد اليمني، لكنه سيخفف عنها الأعباء بلا شك (بما في ذلك أعباء الفشل) كما سيبقي العديد من الاحتمالات مفتوحة من خلال توفير الوقت والمساحة للعمل في خلفية مشهد يتولى شركاء آخرون تهيئته بشكل ينوّع الفرص السانحة لاختطاف مكسب هنا و"صورة انتصار" هناك، ولا شك أن المشهد السوري الجديد الذي هيأته ومولته تركيا ودول الخليج بإشراف الولايات المتحدة، يشكل النموذج "المثالي" للوضع الذي تريده إسرائيل في اليمن.

مع ذلك، لا يمكن للعدو الآن أن يقيّم بدقة فاعلية تحضيرات "الشركاء" فيما يتعلق بالتصعيد ضد اليمن، لأن لحظة الاصطدام المرتقبة بين صنعاء والرياض قد تؤدي إلى بعثرة كل شيء في حال قررت الأخيرة التراجع. وبرغم أن صنعاء لا تزال تفضل الهدوء رسميا، فإن هناك العديد من المؤشرات على وجود إدراك واضح لحقيقة التورط السعودي في تحضيرات التصعيد ضد اليمن، وخصوصا فيما يتعلق بتشديد الحصار على اليمن، وفي ظل تزايد ملامح استمرار هذا التورط، من المتوقع أن توجه صنعاء رسائل تحذير صارمة سيكون تجاوب السعودية معها مهما لقياس نطاق وشدة المواجهة في الجولة القادمة.

*المصدر: الخبر اليمني | alkhabaralyemeni.net
اخبار اليمن على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com