حميد عقبي يفكك التراكمات السابقة للحرب اليمنية في "كدف المريخ"
klyoum.com
أخر اخبار اليمن:
أول تعليق يمني على خطة ترامب بشأن غزة.. رسالة هامةصدرت رواية “كدف المريخ” للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار متون المثقف في القاهرة، في إطار المشروع الثقافي التعاوني بين الكاتب والدار. تمثل هذه الرواية إضافة مهمة لمسيرة عقبي الإبداعية، إذ تندرج ضمن أكثر من عشرين رواية أصدرها، وهي واحدة من ست روايات تصدر بالتعاون مع الدار نفسها.
عند قراءة رواية “كدف المريخ” يمكن وصفها بأنها عمل يتأرجح بين الواقع والخيال، بين ما هو حقيقي وما هو متخيّل، حيث يبتكر المؤلف قرية متخيّلة أسطورية تحمل اسم الرواية، أشبه بقطعة من كوكب المريخ، لكنها مأخوذة من تفاصيل القرى اليمنية في سهل تهامة/محافظة الحديدة بواقعها وتقاليدها وطقوسها. الشخصيات والأحداث تبدو مألوفة للقارئ، لكنها مشبعة بلمسة غرائبية تمنح النص بعدًا أسطوريًا ورمزيًا.
تدور أحداث الرواية في فترة شديدة الحساسية، إذ تختار أن تسبق اندلاع الحرب اليمنية الأخيرة بوقت قصير، لتكشف جذور المأساة قبل انفجارها. فالحرب، كما يوضح الكاتب، لا تبدأ مع الرصاصة الأولى، بل في التراكمات الاجتماعية والسياسية والعادات الموروثة والصراعات الخفية. من هنا تمثل الرواية قراءة عميقة للحظة ما قبل الكارثة، وكيف تتشكل بذور التراجيديا داخل الحياة اليومية.
ويؤكد عقبي أن أعماله الروائية لا تنفصل عن السينما والمسرح، إذ يكتب كما لو كان يُخرج فيلمًا؛ فالمشاهد في الرواية مشبعة بروح بصرية ومشهدية، تعكس اهتمامه بالتفاصيل الحسية وحركة الشخصيات وصوت المكان. ويُعد هذا الأسلوب من أبرز سمات مشروعه الأدبي، حيث تتحول الكتابة عنده إلى تجربة سينمائية، تجعل القارئ يشاهد النص ويعيشه بصريًا.
وتُقدَّم رواية “كدف المريخ” كعمل يمزج بين الواقعي والأسطوري، حيث تتخذ من قرية أو بلدة ريفية بسيطة متخيّلة مسرحًا للأحداث. الشخصيات في النص متشابكة، كونها تصوّر الصراعات الداخلية والخارجية داخل المجتمع اليمني وسياسة المشايخ وسلطتهم، ثم تفتح الباب أمام قراءة متعددة المستويات: العاشقون الذين يبحثون عن حياة أكثر عدلًا، النساء اللواتي يقاومن سلطة التقاليد، شيوخ التسلط والفقهاء المزيفون الذين يفرضون هيمنتهم على البلدة، والشباب الممزقون بين الطاعة والتمرّد أو الهجرة والهروب.
إذن يجد القارئ نفسه أمام ثيمات أساسية تتراوح بين الحب والخذلان، التقاليد والحرية، الحرب والخراب، والبحث عن العدالة والمستقبل. وتطرح الرواية سؤالًا محوريًا: كيف يمكن لحياة عادية أن تتحول ببطء إلى أرض خصبة لاندلاع الحرب؟
أما الخرافة فتشكّل عنصرًا جوهريًا في النص. ويظهر طقس الزقمة (روح شريرة يجب أن يتم إرضاؤها وتفادي عينها الشريرة) كرمز لصراع الناس مع المجهول، فيما يمثل الطعان (الاحتفال بالرقص والطعن بالسيوف) لحظة جماعية مخيفة قد تحوّل الفرح إلى موت. تأتي كل هذه الطقوس من أجل الكشف عن سؤال: كيف يختلط الموروث الشعبي بالواقع اليومي، وكيف يسهم في تكريس الخوف أو خلق لحظات مقاومة جماعية؟
وتحتل النهاية أهمية خاصة، كونها لا تُقدَّم كخاتمة مغلقة بل لتجعلنا نعيش الصدى التراجيدي: تكاد القرية تستسلم لقدرها، وكأنها ماضية نحو الحرب التي تلوح في الأفق، حيث تتلاشى أحلام الشخصيات. الحب لا يجد خلاصه، بل يُسحق وينكسر أمام التسلط والخراب، في إشارة إلى أن الحرب ليست سوى استمرار لانهيارات أعمق سبقتها.
بهذا المزج بين كل الشخصيات الإنسانية والرموز الأسطورية والطقوس الشعبية، تحاول “كدف المريخ” أن تكون شهادة على الواقع اليمني قبل الحرب، وقراءة في كيفية تحوّل القرية، بكل تفاصيلها البسيطة، إلى صورة مصغّرة عن الوطن الكبير. وبهذا الإصدار يواصل حميد عقبي تقديم مشروعه الروائي الذي يشتبك مع قضايا الحرب والهوية والوجود، من خلال أسلوب يجمع بين الواقعية والخيال، ويجعل من الكتابة فضاءً مفتوحًا للأسئلة والتأملات.
وحميد عقبي هو مخرج وكاتب ومثقف يمني مقيم في فرنسا، يتميّز بتجربة فنية متعددة تجمع بين الإخراج السينمائي والكتابة الأدبية والنقد الفني. له كتب باللُّغة الفرنسيّة كما تُرجمَت بعض أعمالهِ إلى الإنجليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة والإيطالية.
له حوالي 11 كتابًا في النَّقد السِّينمائي و4 كتب في النَّقد الأدبي. أقام 11 معرضاً فنِّيّا تشكيليّا، ومعرضا فوتوغرافيَّا في فرنسا. وهو ناشط ثقافي يدير المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح في باريس، والّذي ينظِّم ندوات نقديّة وأدبيّة وفنّيّة منذ عام 2018.