اخبار اليمن

شبكة الأمة برس

سياسة

لشارون إريكسون نيبستاد : في اختلاف النضال اللاعنفي عن المقاومة السلمية

لشارون إريكسون نيبستاد : في اختلاف النضال اللاعنفي عن المقاومة السلمية

klyoum.com

عمر كوش

انشغل العديد من الفلاسفة والمفكرين في تحديد اللاعنف ومفهومه، حيث عرّفه الفيلسوف برتراند رسل بأنه سلوك عقلاني يهدف إلى تفادي الصراع مع طرف معين أو أطراف محددة، بغية إحلال السلام والوئام والانسجام مع الجهات التي قد تكون سببًا من أسباب التوتر والقلق، وإقناع الآخرين بأن النزاعات والحروب يؤديان إلى كثير من الخسائر المادية والبشرية. وعلى نفس المنوال عرّفه بتريم سوروكن بأنه سلوك مسالم وهادئ يجنح نحو التفاهم والود والانسجام مع الآخرين، ويتجنب القوة والصدام مع المناوئين والخصوم، حتى ولو كلّف ذلك بعض الخسائر المادية والاعتبارية للطرف الذي يتوخى التهدئة والسلام. أما المهاتما غاندي فقد اعتبر اللاعنف سلوكا لا ينطوي على حبّ من يحبوننا فقط، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث أن اللاعنف يبدأ من اللحظة التي نشرع فيها بحبّ من يكرهوننا. وذهب جين شارب إلى القول إن اللاعنف ممارسة حضارية تفرض على الطرف الذي يعتمدها في حل مشكلاته وصراعاته مع الآخرين انتهاج أساليب إنسانية سلمية، تعتمد على التهدئة والمهادنة والتنازل عن بعض الحقوق، بغية التوصل إلى حل النزاعات التي تحقق طموحات ومصالح الأطراف المتخاصمة، بدون اللجوء إلى العنف كخيار لحلّ المشاكل والأزمات.

وفي كتابها "النضال اللاعنفي: النظريات والاستراتيجيات والآليات" (ترجمة ناصر ضميرية، بيروت، دار جسور، 2025)، تعتبر شارون إريكسون نيبستاد أن العمل اللاعنفي هو مجموعة من التكتيكات والاستراتيجيات المستخدمة في تحقيق الأهداف الاجتماعية والسياسية، لكنها تنتقد الخلط الخاطئ والشائع بين مفهومي السلمية والعمل اللاعنفي، حيث تعتبر السلمية هي المعارضة المبدئية للحرب ولاستخدام العنف في أغراض سياسية، وتجدها متجسدة في موقف أخلاقي أو أيديولوجي من الحرب، في حين أن العمل اللاعنفي هو منهج لمحاربة الاضطهاد والظلم، وعلى الرغم من أن هذه الاختلافات تبدو بسيطة، إلا أن هناك أنواعًا عديدة من دعاة السلمية، وأساليب مختلفة من العمل اللاعنفي. ويشترك دعاة السلمية في الاقتناع بأن الحرب لا أخلاقية، لكن أسباب قناعاتهم مختلفة. ويمكن التمييز بين أنواع مختلفة من السلمية، أولها السلمية المطلقة، التي يؤكد دعاتها على أن استخدام القوة العنفية ضد إنسان آخر هو خطأ دائمًا، وثانيها السلمية الواقعية التي تنهض على افتراض رفض العنف المسلح، مع الإقرار بأنه قد يكون ضروريًا في بعض الأحيان استخدام القوة المقيدة بمعايير أخلاقية صارمة للدفاع عن النفس وحماية الأبرياء. والنوع الثالث هو السلمية التكنولوجية، أو السلمية النووية، التي يرى دعاتها بأن الأسلحة الجديدة تجعل الحرب غير أخلاقية بسبب قوتها التدميرية الهائلة. والنوع الرابع هو السلمية الناتجة من القابلية للخطأ، التي تدعى أحيانًا بـ"السلمية المعرفية"، التي يجادل أصحابها بأن البشر غير معصومين من الخطأ، وبالتالي فإن هناك دائمًا احتمال جهل الناس، أو غياب المعرفة الكاملة والدقيقة حول الصراع، وإذا نشبت حرب بناء على معلومات كاذبة أو خاطئة، فإن هناك خطر إيذاء الأبرياء أو الترويج لقضية غير عادلة. وقد ركزت الحركات اللاعنفية على الاستراتيجية الأساسية للصراع اللاعنفي، مع تحديد أشكال مختلفة يمكن أن يتخذها العمل اللاعنفي، والتي تتراوح بين السري والعلني.

تجادل المؤلفة بأن ظاهرة اللاعنف ليست سلبية، ولا تتجلى في مواجهة البنادق والقذائف بالورود، حيث تفيد الدراسات والإحصاءات حول التحوّل إلى الديمقراطية بأنه إذا ما حدث التغير عن طريق اللاعنف فإن فرصة الاستقرار الديمقراطي تكون أكبر، ويقلّ معه احتمال الحرب الأهلية، كما أن نجاح الصراعات العنيفة يستغرق ثماني سنوات في المتوسط لتحقيق أهدافها، فيما تستغرق النضالات اللاعنفية الناجحة وسطيًا سنتين فقط. ولا يُعتبر النضال اللاعنفي ضمانًا للنجاح، مثلما لا يعد استخدام العنف ضمانًا له، فالنضال اللاعنفي ليس طقوسًا، بل يتشابه مع الحروب العسكرية في احتياجها إلى استراتيجيات وتكتيكات، وحسن إدارة للصراع وحشد للموارد والطاقات، ولا توجد ضمانات بنصر محقق قصير الأجل، لأنه لا يختلف عن الحروب العنفية التي بدورها لا تضمن النصر المحقق.

غير أنه، وبالنظر إلى التجارب التاريخية نجد أن العديد من تجارب النضال اللاعنيف فشلت في تحقيق أهدافها، وأخرى نجحت في تحقيق إنجازات محدودة، وأخرى حققت إنجازات كبيرة. وفي بعض الحالات لم يدم الانتصار طويلًا، لأن الناس لم يستخدموا هذا الأسلوب لتعزيز ومأسسة مكتسباتهم، أو لأنهم لم يقاوموا بفاعلية التهديدات الجديدة بشأن حرياتهم، وفي بعض الحالات حققت بعض الحملات نجاحات جزئية وهو ما كان يتطلب المزيد من الحملات لتحقيق الأهداف الكاملة.

"في بعض الحالات لم يدم الانتصار طويلًا، لأن الناس لم يستخدموا هذا الأسلوب لتعزيز

ومأسسة مكتسباتهم،أو لأنهم لم يقاوموا بفاعلية التهديدات الجديدة بشأن حرياتهم"

تتعدد أساليب المقاومة المدنية، وتتنوع أشكالها، حيث وثّق عالم اللاعنف جين شارب 198 أسلوبًا مختلفًا، بما في ذلك المظاهرات الحاشدة، والامتناع عن دفع الضرائب، وتنظيم الإضرابات العامة، والعصيان المدني، والمقاطعة، والاعتصامات، وبناء مؤسسات بديلة، وعدم التعاون، وسوى ذلك. ويمكن الاستناد إلى العديد من التقاليد الأخلاقية والأحكام الدينية التي أيّدت المقاومة المدنية وألهمتها، حيث أقرّ معظم علماء اليهود بأن العنف مباح لأغراض دفاعية، ومع ذلك يتفق كثيرون على أن مفهوم السلام يعبر عن الأخلاق اليهودية. ويجادل بعضهم بأن ذلك هو الجوهر الحقيقي لليهودية، في حين أن قبول الحرب هو انعكاس لظروف تاريخية معينة. وكانت السلمية والمقاومة اللاعنفية جزءًا من الدين المسيحي منذ بدايته، حيث كان المسيحيون سلميين حتى القرن الرابع. أما الإسلام فقد كان تاريخيًا بمنزلة القوة الدافعة وراء العديد من نضالات المقاومة المدنية. ولعل المثال الأبرز هو حركة البشتون الإسلامية في المنطقة الواقعة على الحدود الشمالية الغربية للهند، التي ظهرت في ثلاثينيات القرن العشرين. وتتواجد في الإنسانوية العلمانية بوضوح مبادئ اللاعنف وقيمه، ولعل أوضح مثال على منظمة علمانية ملتزمة باللاعنف هي رابطة مقاومي الحرب (WRL)، فيما شكلت النسويات الأوائل، مثل جين أدامز وكاري تشابمان كات، حزب السلام النسائي عام 1915 لتوفير منصة لمناقشة الحل السلمي للصراعات العالمية.

لا شك في أن العمل أو النضال اللاعنفي له أشكال عديدة. يمكن أن تكون سرية أو علنية، وتتجسد في الممارسات اليومية أو في جهد استراتيجي طويل المدى لتحقيق تعبئة أكبر عدد ممكن من الناس. وعلى الرغم من أن نضال المقاومة المدنية يبدو في كثير من الأحيان وكأنه يندلع بشكل عفوي، عندما لا يستطيع المُضطَهد تحمل المزيد، فإن هناك العديد من الظروف المواتية التي تسهّل ظهور حركاته، حيث يتشكل مسار النضال من خلال براعة المقاومين المدنيين وصمودهم في مواجهة القمع، ومن قدرتهم على توسيع نقاط تقودهم من خلال التكتيكات والحملات المتنوعة.

تجادل المؤلفة بأن أساليب المهاتما غاندي ليست الشكل الوحيد للنضال المدني التي انتشرت في العالم، حيث امتدت الاستراتيجية اللاعنفية من بلد إلى آخر، في حين أن ظاهرة اللاعنف انتشرت ما بين العصور الرومانية وحتى القرن الثامن عشر، ثم استمرت في القرن العشرين، حيث اتبعت الثورة الروسية هذا الأسلوب في عام 1905. وفي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين نظّم غاندي في كفاحه اللاعنفي حملات لاعنفية، 1919-1948، ونجح في حصول الهند على استقلالها عن بريطانيا العظمى. وفي إثر ذلك نُشرت العديد من الأعمال التي ركزت على الآليات الاجتماعية للنضال اللاعنفي، وتناولت الآليات الأخلاقية والنفسية للمعاناة في حملات اللاعنف. وفي القارة الأفريقية لعبت الاحتجاجات اللاعنيفة والمقاومة الجماهيرية دورًا مهمًا في تقويض سياسات التمييز العنصري والهيمنة الأوروبية في جنوب أفريقيا خاصة في الفترة ما بين عامي 1950 و1990. واقترح شارب نموذجا جديدا من اللاعنف بين السبعينيات والتسعينيات، لا يرتكز على مبادئ أخلاقية أو دينية، بل على الاقتناع بأن اللاعنف هو ببساطة أكثر فعالية من العنف. وحصل شارب على لقب "كلاوزفيتز الحرب اللاعنفية"، مع تركيزه على اللاعنف الاستراتيجي ذي النمط العسكري. ثم اندلعت ما تسمى بالثورات الملونة في مطلع القرن الحادي والعشرين، تلك التي حدثت في أوروبا الشرقية سابقًا. وقد ترافق انتشار النضال اللاعنفي مع ابتكار أشكال وممارسات جديدة، ويأمل العديد من المفكرين والفلاسفة أن تكون المقاومة المدنية فعالة في تقليل حجم الصراع العنيف في العالم. وهناك حاجة إلى المزيد من البحث لدراسة التأثيرات والتدخلات الدولية في نضالات المقاومة المدنية، وخاصة تلك المتعلقة بآثار الأنواع المختلفة من المساعدات والدعم المالي والفني والإعلامي، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية والسياسية.

*المصدر: شبكة الأمة برس | thenationpress.net
اخبار اليمن على مدار الساعة