اخبار اليمن

الخبر اليمني

سياسة

ما هو مصير "التهدئة" بين صنعاء والرياض؟

ما هو مصير "التهدئة" بين صنعاء والرياض؟

klyoum.com

|ضرار الطيب:

عاد ملف الصراع بين صنعاء والتحالف السعودي الإماراتي إلى الواجهة مؤخرا، بفعل مزيج من التصريحات الرسمية والسخط الشعبي المتزايد، والذي يضغط لإنهاء حالة الـ "لا سلام ولا حرب" التي تجمد فيها الوضع منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ما تسبب باستمرار واتساع المعاناة الإنسانية والاقتصادية، وإبقاء الباب مفتوحا أمام تحركات أمريكية وإسرائيلية عسكرية وأمنية وسياسية زادت من تعقيد المشهد، وجعلته أكثر حساسية من أن يواصل التأرجح بين سلام لا يريده طرف، وحرب لا يحبذها طرف آخر في الوقت الحالي على الأقل.

من "هدنة" إلى ورقة ضغط:

كانت بنود اتفاق "الهدنة" الذي تم توقيعه في أبريل 2022، أكثر تواضعا بكثير من أن تكتب نهاية حقيقية للحرب، ولكن كان يفترض بها أن تهيئ لمسار تفاوضي يقود في النهاية إلى حل شامل من خلال معالجة الملف الإنساني أولا، ومع ذلك كانت النتائج أقل حتى من المستوى المتواضع المتوقع، إذ تحولت "الهدنة" نفسها إلى هدف للسعودية التي لم تكتف فقط بالتلكؤ في تنفيذ بعض البنود ورفض بعضها وخرق وقف إطلاق النار وافتعال شروط جديدة، بل حاولت القفز على الملف الإنساني، وتحويل المفاوضات إلى حالة لا نهائية من الجدل، مع فتح المجال للمليشيات الموالية لها لتصدر المشهد كـ"طرف" رئيسي في ملف الأسرى وملف الطرقات، وحتى ملف مطار صنعاء، وصولا إلى ملف الموارد.

تم تمديد الهدنة من شهرين إلى ستة أشهر لأن تحقق وقف إطلاق النار بحد ذاته كان تقدما، وبرغم المؤشرات السلبية التي لم تختف أبدا، لم يكن حرص صنعاء على مواصلة استكشاف آفاق السلام أمرا غير مبرر، خصوصا في ظل وجود الوساطة العمانية التي تحظى بتقدير كبير لدى القيادة اليمنية، والتي عملت -كما قيل-بشكل مختلف عن نهج الأمم المتحدة المتواطئ بوضوح مع التحالف، لكن إيجابية الوسطاء ورغبة صنعاء لم تكونا كافيتين لترقية الهدنة الرسمية إلى "سلام" بعد ستة أشهر كاملة، بل تدهورت إلى حالة "خفض تصعيد" استغلتها السعودية لتعزيز وضع الـ"لا حرب ولا سلام" بشكل أكبر.

لقد عكس هذا التحول عدم نجاح المفاوضات في تثبيت إطار رسمي مزمن وواضح لمسار التهدئة، وبرغم أن حالة "خفض التصعيد" مثلت تطبيعا لوضع وقف إطلاق النار، وفتحت المجال لتفاهمات بسيطة لاحقا مثل زيادة ضئيلة في رحلات مطار صنعاء (لوجهة وحيدة) وتخفيف بعض القيود على ميناء الحديدة، فإن تلك التفاهمات ظلت محصورة في ما وصفه السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي لاحقا بـ"هامش تهدئة سمحت به أمريكا" للسعودية والإمارات في التعامل مع مختلف الملفات، مشيرا إلى أن مساحة هذا الهامش في التعامل مع الملف اليمني كانت "الأضيق".

هذا التوصيف الذي جاء بعد عام كامل من توقيع اتفاق الهدنة قدم إجابة واضحة لتساؤلات تزايدت خلال ذلك العام حول طبيعة موقف التحالف والسعودية، وبرغم حديث رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط عن "ضغوط أمريكية للتهرب من استحقاقات السلام" فإن ذلك كان أقرب إلى تعبير دبلوماسي عن حقيقة التزام التحالف بالموقف الأمريكي، وهو تعبير تبرره حقيقة أن المفاوضات كانت مستمرة وأن صنعاء كانت حريصة على إنجاحها، لكن في الواقع فإن ما بدأ كهدنة يفترض أن تقود إلى سلام يمني سعودي، كان قد تحول بالفعل إلى ورقة ضغط بيد الولايات المتحدة على اليمن، لتصبح واشنطن هي المسؤولة شبه الوحيدة عن عرقلة أو إنجاح السلام، مما جعل السعودية ترى فرصة أكبر لمحاولة قلب السردية رأسا على عقب وتقديم نفسها كوسيط بين اليمنيين، برغم أنها الطرف الذي يفاوض صنعاء، ومع أن الكثير نظروا إلى ذلك كمحاولة للتضليل الإعلامي، فإن "الرواية" السعودية لم تكن فقط تحاول أن ترسخ موضوع "الحرب الأهلية" كتوصيف، بل كأساس للتعامل مع استحقاقات إنهاء الحرب، وهو مسار عملت عليه السعودية بوضوح منذ بداية الهدنة من خلال دفع المليشيات الموالية لها إلى الواجهة في كل الملفات.

وبناء على ذلك، حتى خارطة الطريق التي تم التوصل إليها لاحقا والتي كان يفترض أن تعيد مسار التهدئة إلى اتجاه السلام الحقيقي، لم تكن مضمونة، لأن الموقف السعودي كان يحمل العديد من الفجوات التي تتزايد باستمرار، والتي يمكن أن تعرقل تنفيذ هذه الخارطة في أي مرحلة، ومن تلك الفجوات الارتباط الذي بات أكثر حضورا في المشهد بـ"الضغوط الأمريكية" وكذلك تقديم حكومة "العليمي" كواجهة لتنفيذ تفاهمات السلام.

سيتجلى ذلك بشكل أوضح بعد اندلاع "طوفان الأقصى" وبدء العمليات اليمنية المساندة لغزة، فبرغم أن توقيع خارطة الطريق كان قد أصبح "وشيكا" حسب تعبير السيد عبد الملك الحوثي، وجهت الولايات المتحدة بمنع المضي فيه للضغط على صنعاء، وربطته بالتراجع عن قرار إسناد غزة، وهذه الإعاقة أعادت تسليط الضوء على حقيقة التزام السعودية بالموقف الأمريكي وتسخير ملف السلام مع اليمن كورقة ضغط لصالح واشنطن، وإن كان البعض ظل يصر على مقاربة أن "الضغوط الأمريكية" تمنع السعوديين من المضي في السلام، فإن مواقف السعودية بعد 7 أكتوبر، قد أوضحت بشكل أكبر أن المسألة مسألة التزام أكثر مما هي مسألة ضغوط.

من المناورة إلى التصعيد:

إذا كان "التنصل" هو العنوان الأبرز لموقف السعودية بشأن السلام مع اليمن قبل طوفان الأقصى، فإن التصعيد كان عنوان المرحلة التالية بكل وضوح، فبعد أن كانت الرياض تستغل "هامش المناورة" لكسب الوقت بتفاهمات بسيطة ووعود وتطبيع وقف العمليات العسكرية اليمنية، أصبحت تستغله لاستهداف اليمن بشكل واضح، إذ لم تكتف بتحويل ملف السلام إلى ورقة ضغط لدى الأمريكيين، بل حولت نفسها إلى قاعدة أمنية وعسكرية فعالة لاعتراض الهجمات اليمنية على إسرائيل ورصدها، وإمداد البحرية الأمريكية في عملياتها ضد اليمن، وصولا إلى المضي في تصعيد اقتصادي ضد البنوك العاملة في المناطق الحرة، وإغلاق مطار صنعاء منتصف عام 2024، كجزء من الجهود الأمريكية لردع جبهة الإسناد اليمنية لغزة.

ولم يكن إنذار السيد عبد الملك بالعودة إلى قصف المملكة ردا على ذلك التصعيد مواكبة فورية وحازمة لهذا التحول فحسب، بل كان تحديدا مهما لإطار "هامش المناورة" السعودي، والذي أصبح "هامش تصعيد" بالفعل، من خلال رسم خطوط استراتيجية حمراء تعرف السعودية حساسيتها جيدا، وهي خطوط ستحرم الأمريكيين والإسرائيليين لاحقا من القدرة على الاستفادة من الالتزام السعودي بصورة أكثر فاعلية، مثل تحريك الجبهات داخل اليمن، لأن ذلك الإنذار وضع السعودية أمام حقيقة أنها المسؤولة المباشرة عن تحركات أذرعها المحلية، وهو ما يقوض استراتيجيتها في التعامل مع الوضع في اليمن باعتباره "حرب أهلية".

بعد هذا الصدام أصبحت الأمور أوضح من أي وقت مضى، فالحالة حالة "لا حرب ولا سلام" لكن السعودية لا تريد حتى البقاء في المنتصف، بل تتطلع إلى حالة الحرب لكن ليس الحرب التي أنقذتها منها هدنة 2022.

ومن الخطأ أن يتم تجاهل تجربة التصعيد ضد البنوك في تقييم الموقف السعودي بشأن السلام في اليمن، فحتى بعد أن تراجعت السعودية وتم الاتفاق على عودة رحلات المطار وتشغيل رحلات (صنعاء- القاهرة) وإلغاء قرار نقل مراكز البنوك، رفضت السعودية (مرة أخرى) أن تشغل الوجهة الثانية لمطار صنعاء، ولم تتوقف عن الانجرار طوعا نحو التصعيد.

مستفيدة من تجربتها قبل طوفان الأقصى في كسب الوقت، وإبقاء ملف السلام متاحا للارتباط بأي تطورات ضمن الموقف الأمريكي، رأت السعودية أن الاندفاع الإسرائيلي المتزايد ضد اليمن يمثل أيضا فرصة إضافية، ليس لتجميد ملف السلام، فذلك قد صار مفروغا منه، بل لاستكشاف خيارات إضافية للتصعيد ضد اليمن، وبالإضافة إلى تقديم المعلومات الاستخباراتية ومحاولة استهداف الجبهة الداخلية اليمنية، اتجهت الرياض إلى تفعيل المقترحات والأفكار التي يدرسها العدو بشأن تحريك المليشيات المحلية في جنوب اليمن.

على سبيل المثال، ومع أنه كان يمكن أن يتم إطلاق "مؤتمر شراكة الأمن البحري اليمني" الذي يهدف لمواجهة صنعاء على الجبهة البحرية، برعاية أمريكية مباشرة، فإن السعودية اختارت تصدر المشهد، ليس باستضافة المؤتمر وإعلان دعمه بملايين الدولارات فقط، بل أيضا بمباشرة الإشراف على مسار تأهيل وإعداد المليشيات المحلية من خلف واجهة "البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن" وغيره.

ولا يخفى أن هذا التحرك هو جزء من مسار أوسع ترعاه الولايات المتحدة وإسرائيل لاستعادة السيطرة المفقودة على البحر الأحمر وباب المندب خلف واجهات محلية، وأيضا بشكل مباشر، ويشمل ذلك الجهود الحثيثة لتكريس دعاية "تهريب أسلحة ومخدرات إلى اليمن" من خلال الإعلانات المتكررة عن ضبط شحنات إيرانية مزعومة، من المرجح أن تكون في حقيقتها دعما مباشرا للمليشيات المحلية التي لم تخف مطالبها للأمريكيين والإسرائيليين بتوفير الدعم، وخصوصا المعدات العسكرية التي تزعم "ضبطها"، من أجل شن حملة برية مدعومة خارجيا ضد المناطق الحرة، وبالذات الحديدة.

وقد تصدرت السعودية مؤخرا خبر ضبط شحنة مخدرات مزعومة تقدر قيمتها بقرابة مليار دولار، باعتبارها "قائدة" للقوات البحرية المشتركة التي نفذت عملية الضبط في البحر العربي، وهذه محطة أخرى تصر فيها الرياض على أن تشارك مباشرة وبشكل معلن في التحرك البحري لاستعادة السيطرة الأمريكية على الممرات المائية واستهداف اليمن تحت عنوان "مكافحة التهريب".

وليس من المصادفة أن يتزامن ذلك مع استمرار الإمارات بتوسيع شبكة المطارات والقواعد الجوية التي تنبيها في الجزر والمحافظات الساحلية اليمنية.

ما هي المرحلة التالية؟

إن مسار التهدئة بين صنعاء والسعودية منذ اتفاق الهدنة إلى اليوم، لم يكن مسار "صعود وهبوط" بل كان مسار هبوط في محصلته (بالنسبة إلى الأهداف التي كان يفترض أن تتحقق من التهدئة في الأصل)، والطريق الذي تم التوافق على "خارطته" لم يعد طريق سلام في نظر السعودية على الأقل، لأنها قد حولته إلى طريق تصعيد ملتو ضد اليمن.

السعودية لم تربط ملف السلام بمجرد "ضغوط" أمريكية، بل بالصراع الأوسع في المنطقة بأكملها، لكن لن يكون على صنعاء انتظار حسم هذا الصراع نهائيا من أجل تحرير رواتب الموظفين من البنك الأهلي السعودي، وتحرير الأسرى من السجون، فالمسار الذي تمضي فيه السعودية ليس حذرا بما يكفي، خصوصا في ظل الرغبة الإسرائيلية الواضحة في التصعيد ضد اليمن مستقبلا والرغبة الأمريكية في استعادة السيطرة على البحر الأحمر وباب المندب، والسعودية تدرك الآن أنها ستكون مسؤولة بشكل مباشر عن أي تحرك لمليشياتها المحلية، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن الجزم بأن صنعاء قد سملت بفرضية عدم وجود ما يمكن عمله لدفع السعودية نحو الالتزام باستحقاقات إنهاء الحرب، سواء بمعزل عن الصراع الأوسع أو ضمنه، خصوصا في ظل السخط الشعبي الذي لا يهدأ، وقد صرح السيد عبد الملك الحوثي مؤخرا بأنه يمكن التعامل مع كل الملفات في ظل الموقف العام المتعلق بمساندة غزة ومواجهة العدو الإسرائيلي والأمريكي.

وفيما قد تلجأ السعودية إلى استخدام بعض أوراق الملف الإنساني للحفاظ على التهدئة في وقت الحاجة، مثل "تبادل جزئي للأسرى" فإن احتمالية أن تمضي في سلام حقيقي وشامل بدون ضغوطات كبيرة هي احتمالية تكاد تكون منعدمة، وفي ظل مسار التصعيد الذي تنخرط فيه تدريجيا فإن النتيجة الحتمية هي الانفجار.

والحقيقة أن السعودية نفسها لا تتجاهل هذه الحتمية، فخشيتها من الانخراط الكامل في التصعيد الأمريكي والإسرائيلي ضد اليمن خلال العامين الماضيين، لم تكن مدفوعة فقط بالخوف من التعرض لهجمات يمنية، بل أيضا بمخاوف أن تتركها الولايات المتحدة في منتصف الطريق، وألا توفر لها ما يكفي من الدعم، ولذلك يرى الإسرائيليون أن "تقديم ضمانات" أمريكية للسعودية سوف يشجعها، وتحرص السعودية نفسها على إنجاز اتفاقات دفاعية كبرى مع الولايات المتحدة قبل أن تحسم أمرها مع اليمن.

*المصدر: الخبر اليمني | alkhabaralyemeni.net
اخبار اليمن على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com