اخبار اليمن

شبكة الأمة برس

ثقافة وفن

« فيستيريا»!

« فيستيريا»!

klyoum.com

زيد عيسى العتوم*

أخبرني يومي أن قصته معي يجب أن تضع أوزارها، فيكفيني ويكفيه أربع ساعات سطّرنا فيها معا رفقةَ كل غصنٍ ولمسةَ كل ورقةٍ عاكست كتفي ثم وشوشت قلبي في رحلتي إلى تلك الغابة الكثيفة، كنت أتجوّل وحدي في عالمٍ مفعم باللونِ، وهو أبعد ما يكون عن الصوت، لكنني الآن أتمرّد على يومي وأبلغه بأن قصتي مع نفسي ستبدأ في هذه اللحظة، ففي ذاكرة هاتفي خير يحتاج مني سحابة ممتدة من الصبر تعتلي طريقاً ممتعاً من الانتقاء، عشرات الصور التي التقطتها سأنبشها وسأغربلها وسأحدّق فيها الواحدة تلو الأخرى، ليس هناك أفضل من أن تصنع وتصطاد صورك الملائمة لك بيديك، من دون طلب المساعدة من الآخرين، والفائزات منهنّ وصاحبات الحظ السعيد سأصطحبهنّ بموكبٍ روحيّ مهيب، ثم أغرسهنّ في بستان «فيسبوك» المنمّق الخاص بي، ليطرحن ما يتيسّر لهنّ من ثمرات التعليقات الشهية واللايكات المنعشة، أنا في غاية الراحة وأبتسمُ بمحبة، وأنا أنظر إلى شاشة هاتفي الرائعة.

هذه الصورة جميلة لكنّ يدي قد أذنبت عندما اهتزّت قليلاً فامتزجت الخطوط وبهتت الحدود، وهذه الصورة كم تمنيت لو أعطت الغيوم البيضاء حقها وهي تتسابق فوق قمم الأشجار المحيطة بي، وهذه الصورة أظنها جيدة، لكنّ الظلال المرتسمة فيها بسبب حجب الضوء، قد جعلت إطلالتي كئيبة ووجهي شاحباً، أما هذه فهي سيدة الصور سأختارها، لكنّ نظرتي فيها تحمل معنى الاستغراب، أو الشدة أو الجدية المبالغ فيها، سأنتقي هذه لأنها تعبّر عن العفوية المطليّة بالابتسامة الهادئة، بلا أيّ تصنّع، وهذه لن أنتقيها لأنها تشبه سابقتها كثيراً، أما هذه فأبدو فيها سميناً وعمري المتوقع من رؤيتها يتجاوز عمري الحقيقي بكثير، سأختار هذه فقد أعجبتني كثيراً لكن يلزمها بعض القص والتعتيم، قبل أي شيء، لا.. لا سأحذفها لأن أحد أطراف قميصي الأسود قد انفلت من سجن حزام بنطالي وشوّه المنظر، وهذه تشبهها وهذه تشبهها، هذه سأقبلها بلا تردد، لأنها تظهرني طويلاً وشامخاً بين تلك الأشجار المميزة بعلوّها، صحيح إن أحد الأغصان قد خطف وأخفى خطاً عريضاً منها لكن لا ضير سأختارها، هذه لا أعرف كيف التقطتها فهي تبرز نصف وجهي فقط، بالإضافة لجزء من ساق الشجرة المجاورة لي، بقيتُ أتنقّل بين هذه وتلك، حتى وجدت ضالتي أخيراً بسبع صور تناقص عددها بمقدار صورة عندما تفحصتها مرة أخرى فأقسمت الّا أكرر فعلتي، وضعتهنّ على صفحة «فيسبوك» بمنتهى الرفق كطفلٍ أفلحت أمه أخيراً بإيصاله نائماً إلى سريره، ثم قمتُ بتعديل ترتيبهنّ ثلاث مرات ثم حفظتهن بنوع من الرضى والشك.

شعرتُ بالتعب وبدأت أحسّ بالخمول الذي يستدعيني إلى النوم، وضعتُ هاتفي جانباً ثم أسقطتُ رأسي على مخدتي وأنا أطل على الجانب الآخر، وقبل أن أغلق عينيّ بقليلٍ سألت نفسي عن سبب تأخر إشعارات الإعجاب والتعليقات حتى الآن، قد يكون أصدقائي نائمين في هذا الوقت المتأخر، لكنهم كُثر فكيف ينامون جميعاً بلا استثناء، ربما لم تعجبهم الصور التي وضعتها ولم يرغبوا بمصارحتي بذلك خوفاً من خدشي، لكنني كثيراً ما أبديت إعجابي بصورهم وكتاباتهم، سواء أحببتها، أو كرهتها من باب المجاملة، فلماذا لم يفعلوا معي الشيء نفسه! لقد كنت أمطرهم باللايكات حتى قبل أن أحدّق بما يضعون، وكنت أزركش تعليقاتي المليئة بالمبالغات بالورود والقلوب الكبيرة والصغيرة والانفعالات المُشجّعة، وفجأة اخترق صوتُ أحد الإشعارات حاجز الصوت مداعباً خاطري وأذني، يبدو أن المطر قد بدأ يتساقط وسيحين وقت القطاف من هذه اللحظة، استدرت بسرعة وأمسكت هاتفي المضاء، لقد علّق لي أحد الأصدقاء بكلمة «جميل» دون سواها، استغربتُ من بخل تعبيره وتقتيره في حروفه المصنوعة بالمجّان، ثم يصلني إشعار بالضحك المفرط من صديق آخر، على ماذا يضحك هذا الأبله وماذا يقصد من ذلك! إن كان يقصد السخرية والاستخفاف وعدم الاحترام فسأطرده، وقد أحظره من قائمة أصدقائي، سأنام الآن ولن أقرأ أي شي حتى الصباح، وضعتُ هاتفي قربي ثم أمسكته مرة أخرى، لقد أغفلتُ كتابة اسم الغابة ومكانها فوق الصور التي وضعتها، كيف نسيت ذلك سأفعل ذلك الآن، ولن أنتظر قدوم الغد، أو لا لن أكتب ذلك أبداً، سأجعلهم يحتارون ويحتارون في معرفة المكان، وإذا احتاروا فسوف ينهالون عليّ بأسئلتهم في تعليقاتهم من باب الفضول والرغبة ربما بزيارة تلك الغابة، لقد انقضت ساعتان ولم يسقط في سلتي إلا الفتات الذي لا يغني ولا يسمن من جوع، ولا أعتقد أن النتيجة ستتغير في الساعات المقبلة، أطفأت هاتفي، ثم قمت بتشغيله بعد نصف ساعة، لم يتغير شي ولم أرغب بالانتظار أكثر من ذلك، حذفت صوري المزعجة عن «فيسبوك» الكئيب والمحبط بالنسبة لي، أطفأت هاتفي مرة أخرى، وقبل أن أغرق في النوم سألت نفسي: ترى لو أبقيت الصور حتى اليوم التالي فهل ستتحسن الأمور؟!

*قاص أردني

*المصدر: شبكة الأمة برس | thenationpress.net
اخبار اليمن على مدار الساعة