ثقوب سوداء تبتلع المساعدات الخارجية لليمن وتبقي الأوضاع الخدمية والمعيشية على حالها
klyoum.com
يسجّل متابعون للشأن اليمني حالة من عدم التناسب بين التحسّن النسبي المعلن عنه في الأوضاع المالية والاقتصادية في المناطق اليمنية التي تديرها الحكومة المعترف بها دوليا وتدفّق مبالغ من الدعم المالي السعودي للسلطة الشرعية، من جهة، وبقاء الأوضاع المعيشية والخدمات المقدّمة لسكان تلك المناطق على حالها السيئة، عدا بعض الاستثناءات الطفيفة.
ورغم نجاح السلطات في وقف تدهور عملة الريال المحلية ودفعها في اتجاه إيجابي استعادت معه نسبة كبيرة من قيمتها التي فقدتها في فترات سابقة، وبعد قرار المملكة العربية السعودية تقديم دعم مالي جديد للحكومة، ما زال غلاء السلع الأساسية وندرتها يؤرقان الغالبية العظمى من السكان، وما زالت عملية صرف رواتب الموظفين التي تعتمد عليها عشرات الآلاف من الأسر في تأمين ضروريات حياتها على اضطرابها وعدم انتظامها وتأخرها لفترات طويلة، كما لا تزال الخدمات العامة على سوئها وحتى انعدامها في بعض المناطق، إذ لا تزال الكهرباء في مدينة عدن التي تتخذ منها السلطة عاصمة مؤقتة لها، وفي مدن أخرى، تشهد انقطاعات طويلة ومتكررة، فيما تعاني عدة أحياء من عدم وصول المياه النظيفة إليها، بينما تزداد شبكة الصرف الصحي في أغلب المناطق تهالكا واهتراء في غياب الصيانة ما يجعل أجزاء واسعة من الشبكة خارج الخدمة.
ويقول محتجون على تواصل تلك الأوضاع إنّ ثقوبا سوداء لا تزال تبتلع الموارد الشحيحة أصلا وكذلك المساعدات الخارجية، في إشارة إلى وجود سوء تصرّف وحتى حالات فساد تمنع توجيه ما هو متاح من أموال، بغض النظر عن حجمها، نحو تحسين الأوضاع المعيشية والارتقاء بمستوى الخدمات.
ويعترف كثيرون بالجهود التي تبذلها حكومة رئيس الوزراء سالم بن بريك لإصلاح الأوضاع وتدارك الاختلالات الإدارية التي ساهمت في المزيد من تعكير الأوضاع المالية والاجتماعية، لكنّهم ينتقدون في الوقت نفسه محدودية الإصلاحات وتجنّبها الغوص في ملفات أعمق، لأسباب تبدو موضوعية وتتعلّق بصعوبة اتخاذ القرار الإصلاحي وتنفيذه وهو ما يتطلّب حدّا من التوافق بين الأطراف الشريكة في السلطة وغير المتناغمة بالضرورة والمتناقضة في أغلب الأحيان في أهدافها وتوجهاتها حتى أنّها كثيرا ما تعطل الإصلاحات التي تمثل مساسا بمصالحها وخصما من مكتسباتها.
وعلى سبيل المثال يرجع مطلعون على الشأن الإداري والحكومي بقاء الميزانيات التشغيلية وكتلة أجور كبار مسؤولي السلطة على ارتفاعهما، رغم الظروف الاقتصادية والمالية الاستثنائية، إلى العامل آنف الذكر تحديدا حيث لن يكون من السهل تقليص حصّة أي طرف من المناصب الإدارية والحكومية رغم وجود فائض مؤكّد في عدد كبار الموظفين الذين يتقاضى كثيرون منهم أجورا مرتفعة دون القيام بأي وظائف أو إسداء أي خدمات في مقابلها، حيث يظلون مدينين للحفاظ على امتيازاتهم لمجرّد انتمائهم إلى هذا الطرف أو ذاك في السلطة الشرعية.
◄ عدم تناسب بين تحسن الأوضاع المالية وتواصل الغلاء واضطراب صرف الرواتب وتردي الخدمات
وكان التعافي السريع والمفاجئ الذي سجل الصائفة الماضية لعملة الريال اليمني في مناطق الشرعية اليمنية قد شكّل مفاجأة للأوساط الاقتصادية والسياسية كونه لم يأت بسبب إجراءات مالية وتقنية جذرية بل نتيجة إجراءات تنظيمية لم يكن أشد الملاحظين تفاؤلا يؤمن بفاعليتها الكبيرة والسريعة في انتشال الريال من الانحدار المتواصل في قيمته على مدى فترات سابقة.
وظلت السلطات تعلن بشكل متكرّر أنّ الأزمة المالية التي جرّت وراءها صعوبات معيشية كبيرة للسكان عائدة بشكل رئيسي إلى ندرة الموارد بعد توقّف تصدير النفط بسبب تعرّض منافذ التصدير للاستهداف من قبل جماعة الحوثي. وتبعا لذلك كان من المنطقي أن يكون أي تحسن في الوضع المالي مرتبطا عضويا باستئناف تصدير الخام وهو ما لم يحدث عمليا حيث جاء التحسن الكبير في قيمة العملة المحلية نتيجة إجراءات حكومية صارمة ضدّ مؤسسات الصرافة.
وعلى هذه الخلفية اتضح للأوساط المتابعة للشأن الاقتصادي اليمني، كما للمراقبين السياسيين وللأوساط الشعبية في مناطق الشرعية اليمنية، أنّ الأزمة الخانقة التي أثرت بشكل عميق في حياة السكان لم تكن مسألة مقدرات وموارد بل مسألة فشل في الإدارة والتسيير، وأيضا مسألة فساد وتلاعب بالمال العام.
وعلى الرغم من عدم كفاءة مؤسسات السلطة الشرعية فإن الأخيرة تظل تحظى بدعم شركاء إقليميين مهتمين بالحفاظ على حدّ أدنى من تماسكها واستقرارها في وجه جماعة الحوثي المسيطرة على أجزاء واسعة من البلاد.
وعلى هذه الخلفية سارعت السعودية إلى دعم التحسن في الوضع المالي اليمني ومحاولة تثبيته من خلال قرارها أواخر الشهر الماضي تقديم مساعدة للسلطة اليمنية المعترف بها دوليا بما قيمته حوالي 368 مليون دولار.
وعلى مدى السنوات الأخيرة لعبت المساعدات المالية الخارجية، لاسيما التمويلات السعودية من هبات وودائع في البنك المركزي بعدن، دورا رئيسيا في مساعدة الحكومة اليمنية على مواجهة الظرف الصعب، ودعم قدرتها على تحمّل نفقاتها التشغيلية والقيام بالحدّ الأدنى من التزاماتها تجاه السكان، لكن من دون أن تمثّل حلاّ جذريا للأزمات والمصاعب المعيشية والخدمية المتفاقمة كون تلك التمويلات لا تستثمر في توليد الثروة بل تستخدم بشكل مباشر في تغطية النفقات من رواتب وغيرها.