بمواجهة عاصفة : تغيير النظام.. الهدف غير المعلن لهجمات إسرائيل على إيران
klyoum.com
أخر اخبار اليمن:
انفجارات قوية وإطلاق نار كثيف بطهرانالقدس/طهران - للهجوم الإسرائيلي المباغت على إيران هدف واضح وهو تعطيل برنامج طهران النووي بقدر هائل وإطالة الوقت الذي تحتاجه لصنع سلاح نووي. لكن حجم الضربات واختيار إسرائيل أهدافها وكلمات ساستها أنفسهم تشير إلى هدف آخر أطول أمدا وهو إسقاط النظام نفسه.
وقال خبراء إن الضربات لم تستهدف المنشآت النووية الإيرانية ومصانع الصواريخ فحسب، بل قصدت أيضا شخصيات مهمة في سلسلة القيادة العسكرية في البلاد وعلمائها النوويين، وهي ضربات يبدو أنها تهدف إلى إضعاف الثقة بإيران سواء في الداخل أو بين حلفائها في المنطقة -وهي عوامل يمكن أن تزعزع استقرار القيادة الإيرانية، وفقا للعرب.
وقال مايكل سينغ من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمسؤول الكبير السابق في عهد الرئيس جورج دبليو بوش “يفترض المرء أن أحد الأسباب التي تدفع إسرائيل إلى القيام بذلك هو أنها تأمل في رؤية تغيير النظام.” وتابع قائلا “إنها ترغب في أن ترى الشعب الإيراني ينتفض،” مضيفا أن العدد المحدود للقتلى من المدنيين في الجولة الأولى من الضربات يشير أيضا إلى هدف أكبر.
وفي كلمة مصورة بعد فترة وجيزة من شروع المقاتلات الإسرائيلية في قصف المنشآت النووية وأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حديثه إلى الشعب الإيراني مباشرة. وقال نتنياهو “النظام الإسلامي، الذي يقمعكم منذ ما يقرب من 50 عاما، يهدد بتدمير بلدنا، دولة إسرائيل.” وأضاف أن هدف إسرائيل هو إزالة التهديد الناجم عن الأنشطة النووية والصواريخ الباليستية، لكنه تابع قائلا “نحقق هدفنا وفي الوقت نفسه نمهد الطريق لكم أيضا من أجل تحقيق حريتكم.”
وقال نتنياهو “النظام لا يعرف ما الذي أصابه، أو ما الذي سيصيبه. لم يكن يوما أضعف من الآن. هذه فرصتكم للوقوف وإسماع أصواتكم.” لكن رغم الضرر الذي ألحقه الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق، فإن العداء لإسرائيل على مر العقود يثير تساؤلات حول إمكانية استنفار ما يكفي من الدعم الشعبي للإطاحة بقيادة دينية راسخة في طهران ومدعومة بقوات أمن تدين لها بالولاء.
ويتوقع خبراء أن تستمر إسرائيل في استهداف البنية التحتية النووية الإيرانية الرئيسية لتأخير مسيرة طهران نحو صنع قنبلة نووية، حتى لو لم تكن لدى إسرائيل بمفردها القدرة على القضاء على البرنامج النووي الإيراني. واغتالت الضربات الإسرائيلية الأولى شخصيات كبيرة في المؤسستين العسكرية والعلمية، ودمرت جزءا كبيرا من نظام الدفاع الجوي الإيراني وأصابت محطة لتخصيب اليورانيوم فوق الأرض في موقع نووي.
وسمحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالضربات الإسرائيلية وساعدت حليفتها المقربة على صد وابل الصواريخ الذي أطلقته إيران ردا على الهجوم، لكنها لم تعط أي مؤشر على أنها تسعى إلى تغيير النظام في طهران. ولا يزال أمام إسرائيل الكثير لتفعله إذا أرادت تفكيك المنشآت النووية الإيرانية، وكثيرا ما يقول محللون عسكريون إنه ربما من المستحيل تعطيل المواقع المحصنة جيدا والمنتشرة في أنحاء إيران بصورة تامة. وتحذر الحكومة الإسرائيلية من أن البرنامج النووي الإيراني لا يمكن تدميره كليّا بحملة عسكرية.
وقال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي للقناة 13 الإسرائيلية “لا يمكن تدمير برنامج نووي بالوسائل العسكرية.” وأضاف أنه بالرغم من ذلك يمكن للحملة العسكرية أن تهيئ الظروف للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة من شأنه أن يحبط البرنامج النووي. ولا يزال المحللون متشككين في أن إسرائيل ستمتلك الذخائر اللازمة للقضاء على المشروع النووي الإيراني بمفردها.
وقالت سيما شاين، كبيرة المحللين السابقة في جهاز المخابرات (الموساد) والباحثة الآن في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، للصحافيين الجمعة “ربما لا تستطيع إسرائيل القضاء على المشروع النووي بالكامل بمفردها دون مشاركة الولايات المتحدة.” وأضافت “لذلك، إذا لم تكن الولايات المتحدة جزءا من الحرب، أفترض أن بعض أجزاء المشروع النووي الإيراني ستبقى.”
وبينما تصب عرقلة برنامج طهران النووي في مصلحة إسرائيل، إلا أن الأمل في تقويض النظام يمكن أن يفسر سبب ملاحقة إسرائيل للعديد من كبار الشخصيات العسكرية الإيرانية، الأمر الذي ربما يوقع المؤسسة الأمنية الإيرانية في حالة من الارتباك والفوضى.
وقالت شاين “كان هؤلاء الأشخاص في غاية الأهمية، ولديهم معرفة كبيرة، وخبرة طويلة في وظائفهم، وكانوا عنصرا مهما جدا في استقرار النظام، وتحديدا استقراره الأمني.” وأضافت “في عالم مثالي، ستفضل إسرائيل أن ترى تغييرا في النظام، لا شك في ذلك.” لكن جوناثان بانيكوف، نائب مسؤول المخابرات الوطنية الأميركية السابق لشؤون الشرق الأوسط والذي يعمل الآن في مركز الأبحاث “أتلانتيك كاونسل”، قال “إن مثل هذا التغيير ربما ينطوي على مخاطر."
وإذا نجحت إسرائيل في إزاحة القيادة الإيرانية، فليس هناك ما يضمن أن القيادة الجديدة التي ستخلفها لن تكون أكثر تشددا في السعي إلى الصراع مع إسرائيل. وقال بانيكوف “على مدى سنوات يصر كثيرون في إسرائيل على أن تغيير النظام في إيران سيفضي إلى يوم جديد وأفضل، وأنه لا يوجد ما هو أسوأ من النظام الديني الحالي… لكن التاريخ يقول لنا إن الأمر يمكن أن يكون أسوأ دائما."
وقال أربعة مسؤولين إقليميين إن إسرائيل قضت على القيادة النووية والعسكرية الإيرانية بضربة واحدة، ما ترك طهران أمام خيارات قليلة للرد بما في ذلك دخول حرب شاملة ليست مستعدة لها ومن غير المرجح أن تنتصر فيها. وجاء رد إيران غير مؤثر رغم إطلاق عشرات الصواريخ لأن نفوذها في المنطقة تدهور بشدة على يد إسرائيل منذ هجمات حماس التي أشعلت فتيل حرب غزة.
لكن المحللين ذكروا أن زعماء إيران، الذين يشعرون بالإهانة ويزداد انشغالهم بالبقاء في السلطة، لا يمكنهم تحمّل الظهور بمظهر الضعفاء بالرضوخ للضغط العسكري الإسرائيلي، الأمر الذي يثير احتمال المزيد من التصعيد، بما في ذلك اللجوء إلى الخيار الخطير المتمثل في السعي إلى صنع قنبلة نووية بسرعة.
وقال مهند الحاج علي من مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت “لن يصمدوا إذا استسلموا. عليهم توجيه ضربة قوية لإسرائيل، لكن خياراتهم (العسكرية) محدودة. أعتقد أن خيارهم التالي هو الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية."
ويرى خبراء أن الانسحاب من المعاهدة سيمثل تصعيدا خطيرا لأنه سيكون بمثابة إشارة إلى أن طهران تعمل على تسريع برنامجها لتخصيب اليورانيوم اللازم لصنع الأسلحة النووية. وتراجع نفوذ طهران الإقليمي نتيجة الضربات التي توجهها إسرائيل لجماعات متحالفة معها، من حماس في غزة وجماعة حزب الله في لبنان إلى الحوثيين في اليمن والفصائل المسلحة بالعراق، فضلا عن الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد حليف إيران الوثيق.
ولم يؤكد زعماء إيران المشاركة في الجولة السادسة من المحادثات المتعثرة مع الولايات المتحدة بشأن برنامج طهران النووي، والمقرر عقدها اليوم الأحد في عُمان. وقال سركيس نعوم الخبير في الشأن الإقليمي “لا يمكنهم الرد عبر أي جهة. الإسرائيليون يُفككون الإمبراطورية الإيرانية قطعة قطعة… والآن بدأوا بزرع الشك الداخلي (حول قوة النظام)… هذه ضربة موجعة."
وكان المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي قد أبدى تحديه قائلا إن إسرائيل "أطلقت يدها الخبيثة الدموية” وسوف تلقى "مصيرا مريرا." وقال عبدالعزيز الصقر مدير مركز الخليج للأبحاث إن إيران أصبحت محاصرة في الزاوية وليس أمامها سوى خيارات محدودة. ومن بين الاحتمالات تقديم ضمانات -في أحاديث خاصة- بأنها سوف تتخلى عن تخصيب اليورانيوم وتفكك قدراتها النووية، لأن أي إعلان عن مثل هذا الاستسلام من المرجح أن يثير ردود فعل حادة في الداخل.
وقال الصقر إن خيارا آخر قد يتضمن العودة إلى الحرب السرية، مثل التفجيرات التي استهدفت السفارتين الأميركية والإسرائيلية ومنشآت عسكرية في ثمانينات القرن العشرين. والخيار الثالث، والأكثر خطورة، هو الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وتسريع برنامج تخصيب اليورانيوم.
وحذر الصقر من أن مثل هذه الخطوة ستكون بمثابة إعلان حرب، ومن المؤكد أنها ستثير رد فعل دوليا قويا ليس فقط من إسرائيل، بل وأيضا من الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى. وهدد الرئيس الأميركي بعمل عسكري لضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي. وأكد موقفه الخميس قائلا “على إيران أن تتخلى تماما عن آمالها في امتلاك سلاح نووي.”
تقوم إيران حاليا بتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 60 في المئة، وهي نسبة قريبة من نسبة 90 في المئة اللازمة لصنع أسلحة نووية. وتمتلك كمية من اليورانيوم المخصب عند هذا المستوى، الذي يمكن إذا خضع للمزيد من المعالجة أن يكفي لإنتاج تسع قنابل نووية، وفقا لمعيار الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. استهدفت الغارات الإسرائيلية الجمعة منشآت نووية إيرانية، ومصانع صواريخ باليستية، وقادة عسكريين وعلماء نوويين. وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنها بداية عملية مطولة لمنع طهران من صنع سلاح نووي.
وأدت الهجمات الإسرائيلية إلى مقتل ما لا يقل عن 20 قائدا عسكريا كبيرا من بينهم رئيس أركان القوات المسلحة الميجر جنرال محمد باقري، وقائد الحرس الثوري حسين سلامي، وقائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري أمير علي حاجي زادة.
وقال حاج علي من مركز كارنيغي "إنه هجوم كبير: أسماء كبيرة، قادة كبار، وأضرار جسيمة لحقت بالقيادة العسكرية الإيرانية وبصواريخها الباليستية. إنه أمر غير مسبوق." لم تقتصر ضربات الجمعة على إحداث أضرار إستراتيجية فحسب، بل هزت القيادة الإيرانية حتى النخاع، وفقا لمسؤول إقليمي كبير مقرب من المؤسسة الإيرانية الحاكمة.
وأضاف المسؤول أن التحدي تحول إلى حالة قلق وعدم يقين داخل أوساط النخبة الحاكمة، وخلف الأبواب المغلقة يتزايد القلق، ليس فقط بسبب التهديدات الخارجية وإنما أيضا بسبب ضعف قبضة هذه النخبة على السلطة. وقال المسؤول الإقليمي الكبير "اشتد الذعر بين القيادة.. فإلى جانب خطر وقوع هجمات أخرى، تلوح في الأفق مخاوف أكبر: اضطرابات داخلية."
وذكر مسؤول إيراني سابق معتدل أن اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، في عام 2020، بأمر من ترامب في نهاية ولايته الأولى، كان بداية التدهور.
منذ ذلك الحين تكافح الجمهورية الإسلامية لإعادة فرض نفوذها في المنطقة، ولم تتعاف تماما. وقال “قد يكون هذا الهجوم بداية النهاية." وأضاف المسؤول السابق أنه إذا اندلعت الاحتجاجات وردت القيادة بالقمع، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية، مشيرا إلى أن الغضب العام يتصاعد منذ سنوات بسبب العقوبات والتضخم والقمع المستمر للمعارضة.