اخبار اليمن

شبكة الأمة برس

ثقافة وفن

في حديث معه ..عبدالحي كريط في «أصداء الطوفان»: الكتابة مقاومة والصمت خيانة

في حديث معه ..عبدالحي كريط في «أصداء الطوفان»: الكتابة مقاومة والصمت خيانة

klyoum.com

حاوره: عبدالله الحيمر

أمام مشهد الإبادة الجماعية في غزة، تتكشف جراح تستنزف ضمائرنا. وتبقى ملحمة «طوفان الأقصى» صرخة في وجه الطغيان والاستعمار، ويقظة تحررية تؤكد مركزية قضية فلسطين باعتبارها قضية عدالة. لقد كشفت للعالم أننا أمام صدام حضاري بين جغرافيا الدم والتاريخ من جهة، والكرامة الإنسانية من جهة أخرى. من هذا المنطلق صدر كتاب «أصدقاء الطوفان» للكاتب والصحافي المغربي عبدالحي كريط عن مؤسسة «أنا» للدراسات والأبحاث. يقع الكتاب في 170 صفحة من القطع المتوسط، ويضم حوارات ومقالات تحليلية ونصوصا شعرية تتقاطع جميعها في الدفاع عن القضية الفلسطينية. وكان لنا معه هذا الحوار حول الكتاب.

*في زمن التسليم بالعجز والصمت والخنوع عربياً. تقول في كتابك: «لا أكتب من موقع الراوي المحايد، بل من موضع الشاهد المنكسر.. المنحاز للحياة في وجه الموت، وللكلمة في وجه القصف» حدثنا قليلا عن موقفك؟

ـ حين أكتب، لا أستطيع أن أكون مجرد راوٍ محايد، لأن الأحداث التي نعيشها تتجاوز مجرد الملاحظة. أنا أكتب من موقع الشاهد، من موقع الإنسان الذي يشعر بثقل الصمت والعجز حوله، لكنه في الوقت نفسه متمسك بالحياة والكلمة كأدوات مواجهة. الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد نقل للوقائع، بل صرخة في وجه الموت، ومحاولة للحفاظ على ما تبقى من إنسانيتنا وسط الخراب. موقفي ينبع من عروبتي وإيماني، ومن ضميري الإنساني الذي لا يمكن أن يقبل بالمحرقة والإبادة، التي تتجاوز كل تصور. نحن اليوم أمام مرحلة مفصلية وجودية، وواقع غزة أصبح الفيصل في اختبار ضمير العالم. أمام كل إنسان يحمل ذرة إنسانية، لا يمكن غض الطرف عن هذه المعاناة. الكتابة هي مقاومة، الصمت خيانة، والكلمة واجب، لأن الحياة والكلمة معا هما آخر ما نتمسك به في مواجهة الظلم.

*شيفرة ملحمة الأقصى في غزة. كيف كانت في كتابك بين الوثيقة الوجدانية الفكرية، والموقف الأخلاقي؟

ـ ملحمة الأقصى في غزة ليست مجرد حدث سياسي، بل شيفرة إنسانية وجدانية وأخلاقية. في كتابي «أصداء الطوفان» حاولت أن أكون شاهدا، لا راويا محايدا، جامعا بين القلب والعقل، بين الإحساس والوعي. الجانب الوجداني ينبع من الألم والمعاناة اليومية التي يعيشها أهل غزة، من صرخة الإنسان العادي، ومن صمودهم الذي يشع نورا وسط الظلام. الكتابة هنا هي جسر بين الألم والمعنى، بين التجربة الفردية والوعي الجمعي. في إحدى نصوص الكتاب بعنوان «أين الله مما يجري في غزة؟» جاء هذا الموقف كجواب على سؤال وجودي طرحته عليّ كاتبة إسبانية، حاولت أن أوضح أن السؤال ذاته يفرض مواجهة مباشرة مع الواقع المأساوي، وأن أي قلب فيه ذرة إنسانية لا يمكن أن يقبل هذه المحرقة. هذا النص لم يكن مجرد وصف، بل كان موقفا أخلاقيا وفكريا يوثق الألم ويدافع عن الكرامة الإنسانية، ويعكس رفضي المطلق للصمت والخنوع أمام الظلم. البعد الفكري في الكتاب يرتبط بمحاولة فهم ما يجري ضمن سياق تاريخي عربي وإسلامي، وطرح الأسئلة الكبرى عن الواجب الإنساني ومسؤولية الضمير في مواجهة هذه المحنة. غزة هنا ليست مجرد مكان على الخريطة، بل رمز لاختبار الضمير الإنساني، والفعل الأخلاقي، والكلمة تصبح أداة مواجهة وحياة في وجه الموت. «أصداء الطوفان» إذن هو سجل للألم والمقاومة، شهادة وجدانية وفكرية، وموقف أخلاقي يذكّرنا بأن لكل كلمة وزنها ودورها في مواجهة الظلم، وأن غزة اليوم هي الفيصل في اختبار الإنسان لأخلاقياته وإنسانيته.

*الصدمة الثقافية وثورة الوعي بالقضية الفلسطينية، التي أحدثها طوفان الأقصى، كيف قيمتها في مواجهة حرب السرديات الصهيونية؟

ـ طوفان الأقصى أو السابع من أكتوبر/تشرين الأول لم تكن مجرد سرد للأحداث، بل صدمة ثقافية وثورة وعي بالقضية الفلسطينية. الكتابة هنا تكشف ما حاولت الحروب الإعلامية الصهيونية طمسه أو تزييفه، لتعيد للقارئ العربي والدولي صورة فلسطين الحقيقية بكل ألمها وصمودها. أشد ما يضاعف التحدي هو تبني بعض النخب العربية للسردية الصهيونية، وهو خيانة للمثقف الذي يفترض أن يكون صوت الضمير. هؤلاء هم الطابور الخامس، الذي يسعى لتشويه الحقيقة والتغطية على الظلم، وقد أشرت إلى هذه الظاهرة في نصوص الكتاب. الملحمة تجعل القارئ يرى وراء الأرقام والخرائط، ليشعر بالإنسان خلف الجرح والدمار. كما تفرض إعادة النظر في المواقف واختبار الضمير. «أصداء الطوفان» ليس كتابًا عابرا، بل صرخة في وجه الصمت والخنوع، ومواجهة مباشرة مع حرب السرديات، ومساحة للحفاظ على الكرامة الإنسانية والوعي العربي.

*في كتابك تناولت الخطاب العربي في ظل تأثير النخبة وما تسميه «المناعة الثقافية». كيف ترى أن هذا الخطاب واجه محاولات استعمار الوجدان العربي؟

ـ حاولت من خلال الكتاب تحليل الخطاب العربي تحت تأثير النخبة وما أسميته «المناعة الثقافية»، لرصد كيفية مواجهة استعمار الوجدان على المستويين العربي والعالمي. بالنسبة لي كانت الكتابة وسيلة لاختراق الصمت الذي تفرضه بعض النخب، وإعادة بناء الوعي والضمير العربي في مواجهة محاولات الطمس والتزييف. استعنت في بعض النصوص بشخصيات تاريخية مثل عمر بن الخطاب، وابن بطوطة، وصلاح الدين، ويوسف بن تاشفين، كإسقاط تاريخي على غزة، للتأكيد أن مقاومة الظلم والصمود جزء أصيل من الإرث العربي والإسلامي، وأن لكل مرحلة رموزها التي تلهمنا الشجاعة والمسؤولية. كما وظّفت البعد الشعري لإبراز هذه الرؤية، مثل قصيدتي «حين غضب الرسول: حلم امرأة من غزة»، المستوحاة من رواية عجوز فلسطينية عن غضب الرسول من أمته بسبب خذلانها لغزة. النص الشعري هنا يرمز إلى الانكسار أمام الظلم، لكنه يوقظ في الوقت نفسه شعور المسؤولية الجماعية لحماية الأرض والإنسان، ويؤكد استمرار قيم المقاومة والصمود في الوجدان العربي.

*يقول الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي عن ازدواجية المعايير الغربية بأنها تعمل على «صناعة الإذعان». كيف قيمت النخبة الثقافية الغربية بأحداث غزة؟

ـ يشير نعوم تشومسكي إلى ازدواجية المعايير الغربية، باعتبارها أداة لصناعة الإذعان، أي تبرير ما يروق لمصالح محددة من خلال نشر قيم مزيفة أو انتقائية. هذا يظهر بوضوح في تقييم النخبة الثقافية الغربية لأحداث غزة، حيث تتباين المواقف بين التعاطف المحدود، والتبرير الصريح، حسب السياق والمصلحة السياسية، كأن العدالة نفسها قابلة للانحناء، حسب من يطبقها ومن يُعاقب عليها. لقد حاولت استحضار هذه القضية، من خلال نصوص «أصداء الطوفان»، حيث العالم بعد الطوفان ليس كما قبله؛ هناك سقوط للأقنعة وانكشاف للأساطير. تماما كما تكشف النصوص هشاشة القيم التي نتشبث بها، تكشف الأحداث في غزة عن التناقض بين الخطاب الغربي المعلن والواقع الفعلي، بين ما يُقال وما يُفعل. النصوص بهذا المعنى تمنحنا منظورا أعمق: فهي تفضح الادعاءات وتسَلّط الضوء على ازدواجية المعايير، وتؤكد أن العالم بعد كل طوفان، سواء كان رمزيا أو واقعيا، لا يعاد إلى سابقه، وأن كشف الأقنعة هو أول خطوة لفهم الحقيقة وراء الكلام الرسمي والإعلامي والنخبوي.

*أنت قادم من أرض المغرب حيث فلسطين تعيش في أعماق الوجدان المغربي. ما هو انعكاس أحداث الملحمة ونشاطاتها على النخبة والجماهير المغربية طيلة مدة استمرارها إلى الآن؟

ـ فلسطين ليست مجرد قضية سياسية، بل حياة تنبض في الوجدان المغربي. طوال أحداث الملحمة، شعرت بتأثر عميق على مستوى النخبة والجماهير المغربية، فقد تحركت قلوب الجميع بين الغضب والألم والتضامن، وانعكست هذه المشاعر في التحركات الاحتجاجية، والبيانات الثقافية، والمبادرات الإنسانية. النخبة لم تكن بعيدة عن هذا الحراك، بل شاركت في توجيه الرأي العام وإحياء الوعي بالقضية الفلسطينية، فيما عبّرت الجماهير عن صلات وجدانية عميقة، تترجمها الاحتجاجات والوقفات الصامتة والهتافات في الشوارع. لقد تناولت هذا الارتباط الوجداني في الفصل الأخير من كتابي «أصداء الطوفان»، حيث ظهرت فلسطين في الشعر كصوت ينبض في الذاكرة المغربية. في قصيدة يا غزة.. والمغرب يهتف باسمك يتجسد التضامن المباشر، وفي باب المغاربة وحارة الذاكرة يلتقي التاريخ بالمقاومة، ويعكس التلاحم الروحي بين الشعبين. هذه النصوص تؤكد أن ما يربط المغرب بفلسطين ليس مجرد موقف سياسي، بل إحساس جماعي مستمر بالحزن والفخر والأمل، يجعل كل حدث في غزة يترك صدى في وجدان المغاربة، صدى يتجاوز الزمان والمكان.

*في زمن رمادة المحرقة الصهيونية المتمثلة بالإبادة الجماعية. ما هي الاستحقاقات الفكرية والقانونية والحقوقية لملحمة الأقصى في ترسيخ المفاهيم الكونية للحرية والحقيقة ومواجهة الطغيان والاستعمار؟

ـ في زمن رمادة المحرقة الصهيونية، وما رافقها من إبادة جماعية، تتجلى الحاجة الملحة لإعادة ترسيخ المفاهيم الكونية للحرية والحقيقة ومواجهة الطغيان والاستعمار. هذه المحنة التاريخية لم تكن مجرد مأساة شعب بعينه، بل كانت درسا للبشرية جمعاء في كيفية صون الكرامة الإنسانية والحفاظ على الحقوق الأساسية، ضد أي قوى قمعية. فالفكر الواعي يفرض علينا إعادة قراءة التاريخ بفهم شامل، يجعل من المعاناة مرجعا لاستنباط آليات حماية الحقوق والحريات، ويحث على تأسيس أنظمة قانونية تحمي الإنسان من الانتهاكات الجسيمة.

على الصعيد القانوني والحقوقي، تصبح الجرائم الجماعية دعوة لإعمال القانون الدولي، وتأكيدا على أن الانتهاك لا يمكن أن يمر دون مساءلة، وأن استراتيجيات العدالة الانتقالية ضرورية لإعادة بناء الثقة في القيم الإنسانية العالمية. هنا، تتداخل الأبعاد الأخلاقية والفكرية مع الأطر القانونية، فتصبح المقاومة الفكرية والحقوقية جزءا من ملحمة كونية ضد الطغيان والاستعمار. وقد أشرت في كتابي إلى هذا المعنى بوضوح، في النص بعنوان حقوق الإنسان تحت الأنقاض… غزة والفضيحة المتكررة للضمير الدولي. هناك أبرزت كيف أن الانتهاكات المتكررة للحقوق الأساسية في غزة، تعكس استمرارا للسياسات الاستعمارية، وفي الوقت نفسه تؤكد ضرورة مواجهة الصمت الدولي، والتحرك الفعلي لتعزيز الحرية والعدالة. الكتاب يرسم صورة واقعية للمأساة، لكنه في الوقت ذاته يقدم أفقا أخلاقيا وقانونيا يدعو إلى التمسك بالقيم الإنسانية الكونية.

وفي الختام، أقول إنه بغض النظر عن جدوى عملية السابع من أكتوبر أو عدمها، ومن دون غرس السكين في ظهر المقاومة، رغم بعض الملاحظات، فإن هذا ليس وقت الانتقاد. عندما ترى إسرائيل مدعومة دوليا وبقوة في حرب الإبادة، على الأقل يجب اتخاذ خطوات ملموسة لوقف عربدة

*المصدر: شبكة الأمة برس | thenationpress.net
اخبار اليمن على مدار الساعة