اعتصام المهرة.. صوت السيادة اليمنية في وجه الوصاية الخارجية (تقرير خاص)
klyoum.com
يصادف25 يونيو، مرور سبع سنوات على انطلاقلجنةاعتصام المهرة، بعد أن تاسست في مايو، وتحولت خلال هذه المدّة إلى رمز وطني للمقاومة السلمية ضد التدخلات الخارجية، وفي طليعتها الوجود العسكري السعودي الإماراتي في المحافظة، والذي تعتبره القوى المحلية امتدادًا لمشاريع إقليمية تهدف إلى فرض الوصاية على اليمن والتحكم بمنافذه الاستراتيجية.
ففي مثل هذا اليوم من عام 2018، شهدت مدينة الغيضة، عاصمة محافظة المهرة، انطلاق اعتصام شعبي مفتوح، شارك فيه المئات من أبناء المحافظة، رافعين شعار رفض الوجود العسكري الأجنبي، ومعتبرين أنّ ما يجري يمثل انتهاكًا لسيادة اليمن، وتهديدًا مباشرًا لبنية المجتمع القبلي الذي طالما شكّل أحد أعمدة الاستقرار المحلي.
منذ تلك اللحظة، تشكلت "لجنة الاعتصام السلمي"، التي لعبت دورًا محوريًا في قيادة الحراك، واضعة نصب أعينها هدفًا واضحًا: حماية السيادة الوطنية، ورفض تحويل المهرة إلى ساحة لمشاريع خارجية تتجاوز سلطة الدولة اليمنية، وتخدم مصالح أطراف إقليمية على حساب إرادة السكان المحليين.
ويُنظر إلى هذا الحراك اليوم باعتباره أحد أبرز أشكال الرفض الشعبي في اليمن للتدخلات الخارجية، وتجسيدًا لنموذج نادر في معركة السيادة الوطنية، وسط مشهد يمني شديد التشظي والتعقيد، تتداخل فيه مصالح الفاعلين المحليين والإقليميين على نحو غير مسبوق.
صمود مستمر في مواجهة الوصاية الخارجية
بعد سبع سنوات من الحراك، ما تزال شعلة الاعتصام متّقدة، لتؤكد أن المهرة – بتكوينها القبلي العريق ووعيها السياسي المتنامي – لن تكون ساحة مستباحة. ومع اتساع دائرة الوعي الوطني في البلاد، تبدو تجربة لجنة الاعتصام نموذجًا يستحق التوقف أمامه، خصوصًا في زمنٍ تعاني فيه البلاد من غياب القرار الوطني، وتكالب المشاريع الخارجية.
منذ انطلاقها، حملت لجنة الاعتصام على عاتقها أهدافًا محورية تمثلت في الدفاع عن السيادة الوطنية، وحماية مؤسسات الدولة اليمنية، وضمان ممارستها لمهامها بعيدًا عن التبعية أو التدخل الخارجي, ورغم التحديات، واصلت اللجنة تنظيم الوقفات والمظاهرات السلمية، مسلّحة بموقف وطني رافض لأي تواجد عسكري أجنبي لا يخضع لسلطة الدولة اليمنية.
على مدار سبع سنوات، التزمت اللجنة بمنهج النضال السلمي، ورفضت الانجرار إلى الاستفزاز أو التصعيد المسلح، وهو ما منحها مصداقية واحترامًا واسعين، حتى من خصومها السياسيين، بحسب ما يؤكده المحلل السياسي أشرف عبدالجليل في تصريح خاص لـ"المهرية نت".
يرى عبدالجليل أنّ لجنة اعتصام أبناء المهرة تمثل نموذجًا فريدًا في زمن الارتباك السياسي والانهيار السيادي. ويقول: "لقد سطّرت اللجنة ملحمة من الصمود والعطاء، وجسّدت قيم العزة والكرامة، إنها أيقونة خالدة ورمز وطني يُحتذى، أثبتت عبر نهجها الثابت أنها أكبر من أن تُختزل في مجرد احتجاج، بل هي مشروع وطني متكامل".
ويضيف: "في ظل تدخلات إقليمية وصراع نفوذ متصاعد، برز أبناء المهرة ليقفوا في وجه مشاريع الهيمنة، متحدّين كل أشكال الإغراء والضغوط. وفي زمن عزّ فيه الصدق وارتفعت فيه أصوات الارتزاق، بزغت اللجنة كصوت نقي، حافظ على المبادئ، ورفض بيع الوطن أو المساومة عليه".
ويخص عبدالجليل بالذكر القيادي البارز في اللجنة، الشيخ علي سالم الحريزي، واصفًا إياه بـ"المرجعية السياسية ذات البصيرة"، التي تنبهت مبكرًا لما وصفه بـ"المشروع السعودي الإماراتي لفرض الوصاية على اليمن". ويقول: "كان الحريزي ورفاقه من أوائل من قرأوا المشهد بوضوح، وكشفوا أهداف التحالف، التي لم تكن سوى محاولات ممنهجة للسيطرة على المنافذ الاستراتيجية ونهب ثروات البلاد".
اعتصام المهرة نموذج استثنائي في معركة السيادة اليمنية
في ظل التحولات المعقدة التي يشهدها اليمن، تبرز تجربة لجنة اعتصام المهرة كواحدة من النماذج الوطنية الفريدة، التي استطاعت أن ترسّخ حضورها ليس من خلال المواجهة المسلحة، بل عبر التمسك بالنهج السلمي والدفاع عن السيادة بعيدًا عن أي ارتهان للخارج أو انخراط في الصراعات الحزبية.
الباحث والكاتب علي محسن يرى في هذه التجربة حالة استثنائية، ويؤكد في حديثه لـ"المهرية نت" أن لجنة الاعتصام استطاعت أن تحافظ على مسافة متوازنة من جميع الأطراف، واضعة هدفًا واحدًا أمامها هو حماية السيادة الوطنية ورفض الوصاية الخارجية.
ويشير إلى أن اللجنة أثبتت إمكانية خوض معركة الدفاع عن الكرامة والوطن دون حمل السلاح، فبعض الجبهات تُدار بالعقل، لا بالبندقية، والكرامة الوطنية لا تحتاج إلى قوة نارية بقدر ما تحتاج إلى وعي وشرف واستقامة.
ويضيف محسن أن السنوات الماضية كشفت حجم الأطماع الإقليمية السافرة في اليمن، وكانت المهرة من أكثر المناطق عرضة لمحاولات الاختراق والسيطرة, إلا أن اللجنة شكّلت حاجزًا وطنيًا صلبًا، استند إلى وعي شعبي واسع، وموقف سياسي واضح منذ اللحظة الأولى: لا وصاية على اليمن، ولا عبث بسيادته، والمهرة لن تكون بوابة للتآمر على الوطن. لقد صمدت هذه الكلمة في وجه الرياح، ورسّخت معادلة جديدة في نضال الشعوب: "السيادة لا تُمنح، بل تُنتزع".
ويوضح أنّ المهرة استطاعت أن تحافظ على أمنها واستقرارها بفضل تكاتف رجالها وشيوخها وقبائلها وكل مكوناتها الاجتماعية، مؤكّدًا أن هذه المحافظة لن تفرّط في ثوابتها الوطنية، ولن تسمح بتفكيك نسيجها الاجتماعي أو المساس بلحمتها الداخلية.
ويختم محسن بالقول إنّ ما حققته لجنة الاعتصام هو ثمرة وعي جماعي وولاء حقيقي للوطن، في وقت أُغرقت فيه كثير من الساحات في مستنقع الولاءات الخارجية والمصالح الضيقة، ولقد رفعت اللجنة راية السيادة، ودفعت ثمنها صمودًا وثباتًا، لتصبح اليوم تجربة يُحتذى بها في زمن التبعية والانكسار.