الزبيدي بين الانفصال والتطبيع.. خيانة وطنية أم ورقة إماراتية؟(تقرير خاص)
klyoum.com
بينما تعيش غزة للعام الثاني على التوالي تحت أهوال حرب إبادة وحصار خانق، تجاوزت أيامها الـ723، وخلفت ما يقارب 70 ألف ضحية معظمهم من النساء والأطفال، خرج عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، ليجدد في مقابلة مع صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية من نيويورك، دعمه لمسار التطبيع مع إسرائيل، في وقت تشهد فيه الأخيرة موجة رفض واسعة على خلفية حربها على غزة، وتواجه عزلة إقليمية ودولية متصاعدة.
الزبيدي، الذي لم يبدُ مكترثاً بغضب الشارع اليمني أو بمشاعر أنصاره إزاء المجازر المستمرة في غزة، مضى أبعد من مجرد تأييد التطبيع، ملمحاً إلى أن مشروع انفصال الجنوب قد يشكل، بحسب وصفه، خطوة في سياق تحقيق "السلام الإقليمي" عبر الانخراط مع تل أبيب.
تصريحات الزبيدي قوبلت بتسليط ضوء إسرائيلي مباشر، حيث وصفت صحيفة معاريف عرضه بفصل جنوب اليمن مقابل التطبيع بأنه "مغامرة محفوفة بالمخاطر قد تشعل المنطقة". ويأتي ذلك في وقت تتزايد فيه المؤشرات على اتصالات غير معلنة بين المجلس الانتقالي وإسرائيل بترتيبات إماراتية، كان أبرزها ما كشفته تقارير عبرية عن زيارة وفد من منتدى "الشرق الأوسط" – ضم صحفياً إسرائيلياً – إلى العاصمة المؤقتة عدن.
ويرى الباحث السياسي نجيب الفهيدي أن تصريح عيدروس لم يكن مفاجئاً لليمنيين، لاعتبارات تتعلق بطبيعة المجلس الانتقالي الجنوبي ذاته، الذي يصفه بأنه "أداة إماراتية" تستمد قوتها من الدعم العسكري والمالي والسياسي المقدم من أبوظبي. ويعتبر الفهيدي أن تصريحات الزبيدي تعكس بالأساس المصالح الاستراتيجية للإمارات، أكثر مما تعبر عن إرادة أو موقف شعبي جنوبي.
ويشير الفهيدي في حديثه لموقع "المهرية نت" إلى أن المجلس الانتقالي يسعى لتسويق نفسه لدى إسرائيل عبر أوراق نفوذ يملكها، من أبرزها السيطرة على العاصمة المؤقتة عدن، وجزيرة سقطرى، وامتداد نفوذه غير المباشر إلى مضيق باب المندب وجزيرة ميون عبر قوات موالية له، فضلاً عن موقفه العدائي من تيارات الإسلام السياسي بشقيها السني والشيعي، وهو ما يجعله – وفق رؤيته – حاجزاً أمام أي عودة محتملة لجنوب اليمن إلى "الحاضنة الإيرانية".
ويضيف الباحث أن الإمارات، المطبعّة رسمياً مع إسرائيل، تلعب دور المروّج الرئيسي لمسار التطبيع في المنطقة، مشيراً إلى وجود إسرائيلي في جزر يمنية حساسة عبر رحلات ووفود وصلت إلى سقطرى، بعضها ضم عسكريين وباحثين. ويؤكد أن أبوظبي تنظر إلى اليمن باعتباره جبهة ضمن صراع إقليمي أوسع مع إيران وحركات الإسلام السياسي، وأن المجلس الانتقالي بات أداتها المفضلة في هذه المواجهة.
وبحسب الفهيدي، فإن استراتيجية الإمارات الإقليمية شهدت تحولاً ملحوظاً بعد عملية "طوفان الأقصى"، حيث صعدت مستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي مع تل أبيب، بما في ذلك تقارير عن إنشاء قواعد استخباراتية مشتركة في بعض الجزر اليمنية.
ويرى أن هذا التحول يفتح الباب أمام إمكانية استغلال الميليشيات الجنوبية الموالية للإمارات في مهام عسكرية أو أمنية ضد الحوثيين، بما يخدم مصالح إسرائيل ويضمن حماية الأجندة الإماراتية.
ويخلص الفهيدي إلى أن المجلس الانتقالي، بما يمتلكه من قوة عسكرية ورغبة جامحة في الانفصال، يُظهر استعداداً للذهاب بعيداً في أي تحالف يضمن له تحقيق مشروعه السياسي، حتى لو كان ذلك عبر بوابة التطبيع مع إسرائيل. لكنه يؤكد أن هذه العلاقة لا تعكس إرادة شعب الجنوب، بل تعبر حصراً عن سياسة الإمارات ومشاريعها التي يصفها بـ"التدميرية والفوضوية"، مشدداً على أن الانتقالي "لن يستطيع رفض أي إملاءات إماراتية، بما في ذلك التطبيع مع إسرائيل".
مواقف سابقة
من خلال تتبّع مواقف المجلس الانتقالي الجنوبي وقياداته، يتضح أن التصريحات الأخيرة بشأن استعداد عيدروس الزبيدي للمضي في مسار التطبيع مع إسرائيل ليست جديدة، بل تأتي امتداداً لخط سياسي سبق أن عبّر عنه الانتقالي منذ سنوات.
فمنذ اللحظة التي أعلنت فيها الإمارات اتفاقية التطبيع مع إسرائيل في أغسطس 2020، سارع المجلس الانتقالي إلى الترحيب بالخطوة، واصفاً إياها بـ"القرار الشجاع من قائد حكيم" في إشارة إلى محمد بن زايد، الذي كان حينها ولي عهد أبوظبي.
وفي السياق ذاته، لم يتردد نائب رئيس المجلس هاني بن بريك في إعلان دعمه العلني للتطبيع، مؤكداً عبر صفحته الموثقة في منصة "إكس" أن الاتفاق يمثل "خريطة طريق نحو تعاون مشترك مع إسرائيل"، بل وصل به الأمر إلى الإفصاح عن رغبته في زيارة تل أبيب.
أما عيدروس الزبيدي نفسه، فقد كرر مواقفه المؤيدة للتطبيع في أكثر من مناسبة. ففي مقابلة مع قناة روسيا اليوم قبل نحو أربع سنوات، وصف الزبيدي إقامة علاقات مع إسرائيل بأنها "خطوة مهمة للسلام في المنطقة".
وبعدها بأعوام، وتحديداً في أكتوبر 2023، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عنه قوله إن "إسرائيل ستجد في جنوب اليمن حليفاً ميدانياً ضد التهديد الحوثي، إذا ما اعترفت بحق تقرير المصير للجنوبيين".
هذه التصريحات المتكررة تعكس ثباتاً في توجهات قيادة المجلس الانتقالي نحو التطبيع، وهو ما يجعل المواقف الراهنة امتداداً طبيعياً لخطاب سياسي يربط مشروع الانفصال الجنوبي بالاصطفاف مع إسرائيل، تحت المظلة الإماراتية.
تسويق "رخيص"
في إطار التفاعل الشعبي والسياسي مع تصريحات عيدروس الزبيدي الأخيرة بشأن الاستعداد للتطبيع مع إسرائيل، وصف الناشط السياسي حسن فرحان تلك المواقف بأنها "تسويق رخيص" لمشروع لا يمثل سوى المجلس الانتقالي وراعيه الإمارات، مؤكداً أنها لا تعكس إرادة أبناء الجنوب ولا مكوناته الحقيقية.
وقال فرحان في حديثه لموقع "المهرية نت" إن تصريحات الزبيدي تأتي في لحظة تشهد فيها إسرائيل عزلة غير مسبوقة جراء حربها الدموية على غزة، ما يجعل من موقفه محاولة يائسة لتقديم نفسه كحليف محتمل لتل أبيب، رغم أن أبناء الجنوب – بحسب قوله – يرفضون هذا النهج، ويعتبرونه خيانة لقضية اليمن وللقيم العربية والإسلامية.
وأضاف أن الإمارات، باعتبارها "يد إسرائيل في المنطقة"، تقف وراء كل الحركات الانفصالية والمشاريع التي تهدف إلى تفكيك وتجزئة الدول العربية والإسلامية، لافتاً إلى أن المجلس الانتقالي ليس سوى أداة تنفذ أجندة أبوظبي في الجنوب.
وأكد أن الزبيدي يظن أن الانخراط في مسار التطبيع سيمنحه شرعية لمشروعه الانفصالي، لكنه يغفل أن إسرائيل نفسها، بعد أكثر من سبعين عاماً من الاحتلال، لا تزال عاجزة عن تثبيت شرعيتها، وأن من يرفضه أبناء بلده لن تصنع له إسرائيل قبولاً.
وتابع فرحان أن "إطلاق مثل هذه التصريحات في وقت تُسفك فيه دماء المدنيين في غزة على يد الطائرات الإسرائيلية، يكشف عن انعدام القيم والمبادئ لدى الانتقالي، ويؤكد تبعيته المطلقة لسياسة الإمارات"، واصفاً قياداته بـ"موظفين في بلاط محمد بن زايد".
وأشار إلى أن الانتقالي لم يحقق مكاسب حقيقية لأبناء الجنوب، بل ساهم في تمزيق صفوفهم وإضعاف قضيتهم، عبر خدمة المشروع الإماراتي الذي يصفه بأنه "مشروع تقسيم وتدمير بامتياز".
وختم بالتأكيد أن هذه التصريحات لن تثمر شيئاً في ظل الرفض الإقليمي والدولي المتزايد لسياسات إسرائيل، وأن الانتقالي سيبقى "منبوذاً وضعيفاً" بعد خيانته لليمن وانخراطه في مخططات تقسيمه.