ناشطة بريطانية عملت في اليمن تروي من الميدان قصص جرائم إسرائيل في غزة (ترجمة خاصة)
klyoum.com
أخر اخبار اليمن:
تسونامي الغلاء يجتاح المهرة اليمنية التوترات تفاقم أزمة الوارداتبصفتي عاملةً في المجال الطبي الإنساني، لم أرَ معاناة تضاهي ما يحدث في غزة. لابد أن تنتهي هذه المأساة.
بصفتي طبيبة وناشطة في مجال الإغاثة الإنسانية وأمًّا، أمضيت ما يزيد عن عقدين في الاستجابة للأزمات في سوريا واليمن وباكستان وغيرها من المناطق المتأزمة.
وقد عالجت أطفالًا يصارعون من أجل الحياة بسبب أمراض كان بالإمكان الوقاية منها، ورافقت نساء مصابات بصدمات نفسية أثناء الولادة في مناطق الصراع، وشهدت عن قرب الأثر المدمر للحصارات والقصف والتعقيدات البيروقراطية القاسية على حياة المدنيين.
رغم كل ما شهدته من معاناة، فإن ذلك لا يُضاهي ما نراه اليوم في ظل الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
تعيش غزة اليوم حالة انهيار تام تحت وطأة مجاعة من صنع الإنسان، تتحمل النساء والأطفال العبء الأكبر منها، فيما وصفها خبراء أمميون بأنها "تجويع متعمد وذو دوافع سياسية" — ليست ناجمة عن كارثة طبيعية، بل نتيجة تخطيط مقصود.
طوال سنواتي في العمل الميداني، لم أرَ قط اعتداءً منظّمًا بهذا القدر من القسوة على صحة الأمهات والأطفال.
ليست هذه أزمة إنسانية نظرية، بل جريمة متعمّدة تُمارس بحق شعب بأكمله، يُمنع عنهم الطعام والماء والدواء — مأساة تتكشف أمام أنظار العالم بصمت مؤلم.
تُمنع المنظمات الإنسانية، مثل مؤسستي أكشن فور هيومانتي، بشكل روتيني من دخول غزة.
وفي الوقت نفسه، يجري استغلال ما يُسمّى بـ"مؤسسة غزة الإنسانية" — وهي منظمة وهمية — إما لتحقيق مكاسب سياسية، أو في أسوأ الأحوال، لتعميق معاناة الفلسطينيين.
الغذاء والوقود والأدوية، وحتى حليب الرضّع، يتم حجزها ومنعها من الوصول إلى غزة.
تشير تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن أكثر من 71 ألف طفل دون سن الخامسة، ونحو 17 ألف أم حامل أو مرضعة، وهم بحاجة عاجلة للعلاج من سوء التغذية الحاد.
عندما تُصاب الأمهات بسوء التغذية، يتوقف جسدهن عن إنتاج الحليب.
الرضيعة لينا، التي لم يتجاوز عمرها ستة أشهر، وُلدت بوزن ناقص وتعتمد كليًا على الحليب الصناعي — واليوم، ومع نفاده، بدأ الجوع يفتك بها.
والدتها، النحيلة والمصابة بفقر الدم، غير قادرة على إرضاعها طبيعيًا. كانت لديهم بعض علب الحليب التي رُصدت لتكفي لشهر، لكنها نفدت في غضون أيام.
تلد النساء في خيام، وسط الأنقاض، وفي عيادات مكتظة تفتقر للتخدير، والمضادات الحيوية، واللوازم الصحية.
تُجرى عمليات الولادة القيصرية دون توفير مسكنات مناسبة للألم. سمعتُ مباشرة من نساء مثل رانيا التي أنجبت طفلها وحيدة، وعانت من الألم الشديد بلا ماء، وتم إخراجها من المستشفى بعد ساعات قليلة وهي تنزف ومثقلة بالألم وهي تحتضن مولودتها الجديدة.
وقد أعلن طاقم مستشفى ناصر أن آخر علب الحليب العلاجي الخاص قد نفدت بالكامل.
هؤلاء الرضّع، الذين لا يتجاوز وزن بعضهم كيلوغرامًا ونصف، لا يموتون لأنهم غير محبوبين، بل لأن أجسادهم لا تجد ما يكفي من الطاقة.
الإغاثة تُستَغل كسلاح
ليست هذه مآسي معزولة، بل هي الواقع السائد في غزة اليوم.
يشهد العاملون في القطاع الصحي كارثة صحية عامة في الوقت الحقيقي، عاجزين عن التدخل بسبب تدمير النظام الصحي وعرقلة المساعدات المتعمدة.
هذه ليست مشكلة في تنظيم الإمدادات، بل سياسة مقصودة. إنها جريمة. جريمة ترتكب ضد الإنسانية.
ينص القانون الدولي الإنساني بوضوح على أن التجويع المتعمد للمدنيين كوسيلة في الحرب يُعد جريمة حرب.
أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش في أبريل 2024 أن الأطفال في غزة بدأوا بالفعل يموتون بسبب أسباب مرتبطة بالجوع.
وفي مايو 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية أمراً لإسرائيل بضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى غزة، إلا أن هذه الأوامر تم تجاهلها بشكل كامل.
هذا الأمر لا يمكن تبريره أخلاقياً فحسب، بل هو فعل إجرامي.
بصفتي طبيبةً، شاهدتُ التدهور البطيء لطفل مصاب بسوء التغذية.
رأيتُ عيني الأم تفقدان بريقهما بينما لا يستطيع طفلها الصراخ بسبب نقص الطاقة.
حملتُ أطفالًا يحتضرون بين ذراعيّ. إنه مأساة لا توصف عندما يكون الأمر حالة فردية، لكن هذا هو الواقع الطبيعي في غزة الآن – والعالم يراقب بصمت.
في ظل انتهاك حقوق الإنسان والقانون الدولي وأبسط مبادئ الكرامة الإنسانية في غزة كل دقيقة، يجب أن نرفع صوتنا مجددًا للمطالبة بفتح ممرات إنسانية عاجلة تسمح بتوفير الغذاء، والوقود، وحليب الرضع، والإمدادات الطبية بأمان وباستمرار.
هناك حاجة مُلِّحة أيضًا لإنشاء مناطق طارئة مخصصة لرعاية الأمومة وحديثي الولادة، تكون مزودة بالكوادر والإمدادات اللازمة لتأمين الولادة الآمنة وتقديم الرعاية المنقذة للحياة للرضع.
دعوة عاجلة للتحرك
تقع على عاتق الحكومات مسؤولية أخلاقية لتمويل وتفعيل برامج طارئة لتغذية الأمهات والرضّع، من خلال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) والأونروا والمنظمات الإنسانية غير الحكومية، بهدف توسيع نطاق علاج سوء التغذية الحاد وتوفير الحليب الصناعي الضروري.
لسنا بحاجة إلى قوانين دولية جديدة لمنع ما يحدث، فهو بالفعل محظور قانونًا. ما نحتاجه هو تطبيق القانون.
يجب على المجتمع الدولي أن يضمن الامتثال لأحكام محكمة العدل الدولية، وذلك من خلال الضغط الدبلوماسي، والآليات القانونية، وتعليق نقل الأسلحة.
إن الفشل في التحرك الآن لا يُعرض أطفال غزة وحدهم للخطر، بل يُهدد كذلك ضحايا الحروب المستقبلية من الأطفال في كل مكان.
السماح لإسرائيل بارتكاب انتهاكات واسعة لقوانين الحرب يشكل سابقة خطيرة ستكلف أرواحًا لسنوات قادمة، تتجاوز حدود غزة بكثير.
هذه حالة طبية طارئة. هذه أزمة إنسانية. هذه أزمة أخلاقية. وهذه الأزمة تتطلب ردًا يتناسب مع حجم الرعب الذي تشكّله.
كعاملة في المجال الإنساني، أطالب باتخاذ إجراءات عاجلة. وكطبيبة، أدعو إلى فرز الحالات على نطاق المجتمع. وكأم، أسأل: كيف نسمح لهذا أن يحدث؟
الموقع : ميدل إيست آي
تقدم "ميدل إيست آي" تغطية وتحليلاً مستقلاً لا مثيل لهما لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وما وراءهما.
الكاتبة: شميلا إسلام ذو الفقار، طبيبة بريطانية، ناشطة إنسانية ومدافعة عن حقوق الإنسان، تقود جهود جمع التبرعات والإرشاد الإنساني في "أكشن فور هيومانيتي". لديها خبرة واسعة في العمل المباشر في أزمات إنسانية بفلسطين، سوريا، اليمن، باكستان، وخارجها.
رابط المادة الأصلية اضغط هنا