الدكتور ياسين سعيد نعمان.. عقل اليمن السياسي وضميرها الوطني
klyoum.com
في تاريخ اليمن الحديث، تبرز شخصيات كان لها دورٌ محوري في صياغة ملامح النضال الوطني، وقيادة التحولات السياسية والاجتماعية بروح من الحكمة والمسؤولية.
ومن بين هذه الشخصيات، يتصدر الدكتور ياسين سعيد نعمان، بوصفه أحد أبرز القادة السياسيين الذين ظلوا متمسكين بمبادئ النضال من أجل الدولة، والوحدة، والعدالة، والديمقراطية.
وُلد ياسين سعيد نعمان الصبيحي في محافظة لحج جنوبي اليمن، وتتلمذ في مدارسها، قبل أن يلتحق بجامعة القاهرة بكالوريوس فيما نال درجة الدكتوراه في الاقتصاد. من المجر.
ومنذ بواكير شبابه، انخرط في العمل السياسي والنقابي، محمولا على وعي ثوري تشكل في خضم تحولات اليمن الجنوبي خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
ولقد كان عضوا فاعلا في الحزب الاشتراكي اليمني، وتدرج في صفوفه حتى أصبح أمينه العام، فيما عُرف آنذاك بقامته الفكرية، وصراحته السياسية، وقدرته النادرة على ممارسة النقد الذاتي، وهي خصلة ظل يراها حجر الأساس في تطور أي مشروع وطني.
بل لم يكن مجرد سياسي ينتمي إلى حزب، قدر ما كان مفكرا وطنيا يجيد النظر إلى الواقع بعين ناقدة، مستندا إلى مبادئ راسخة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
ولعل أحد أبرز محطات حياته السياسية كانت رئاسته لمجلس النواب اليمني بعد وحدة عام 1990، إذ لعب دورا متزنا في المرحلة الانتقالية كواحدة من أكثر المراحل السياسية تعقيدا في تاريخ اليمن المعاصر ، موازنا بين توجهات مختلفة، وساعيا لتكريس ثقافة الحوار داخل مؤسسة البرلمان.
أما في زمن الشقاق، فبقي الدكتور ياسين صوتا للوحدة، لا باعتبارها شكلا سياسيا، بل مضمونا وطنيا يعكس إرادة الناس وتطلعاتهم.
بمعنى أدق رأى أن بناء اليمن الاتحادية هو الخيار الأمثل لتجاوز الانقسامات، وتلبية الطموحات التنموية، واستيعاب التعددية الاجتماعية والثقافية في كيان سياسي جامع.
واما حين عصفت الحروب والأزمات بالبلاد، عقب الانقلاب على الشرعية من قبل المليشيات الح..وثية لم يكن ياسين سعيد نعمان جزءا من التجاذبات الحادة أو الخطابات المتطرفة، بل ظل منحازا إلى المنطق والعقلانية، وإلى مشروع الدولة الاتحادية التي تضمن الشراكة والعدالة لكل أبناء اليمن.
ففي خطاباته ومقالاته، يُلمَس عمقُ التجربة واتساع الأفق، ويظهر فيها ذلك الحس النقدي الرفيع الذي يجعل منه مرجعا سياسيا وأخلاقيا في زمن الاضطراب.
كما صار يشغل حاليا منصب سفير اليمن في بريطانيا، ليمثل الجمهورية اليمنية باحترام وكفاءة، واستثمر موقعه الدبلوماسي للتعريف بالقضية اليمنية، والدفاع عن مشروع الدولة، والتواصل مع المكونات السياسية الدولية من منطلق رؤيته الاتحادية المدنية.
وفي مأساة 13 يناير 1986، كان شاهدا على لحظة انكسار كبرى في تاريخ الجنوب اليمني، لكنه لم يغرق في مرارتها، بل نهض برؤية وطنية مبكرة، مؤمنا بأن الديمقراطية هي الطريق الوحيد لتجاوز العنف والانقسام، وكان من أوائل من رفعوا صوتهم قائلين: "الديمقراطية هي الحل."
..للأسف الشديد يروج البعض إشاعة زائفة تزعم أن الدكتور ياسين سعيد نعمان وصف الحوثيين بأنهم "قوة فتية صاعدة جاءت لتقضي على القوى التقليدية"، وهذا محض افتراء لا يستقيم مع مواقفه الثابتة ضد الانقلاب والمشروع السلالي.
لذلك اتحداهم أن يثبتوا صحة هذا القول في أي نص مكتوب أو مقابلة موثقة.
وبالتأكيد تبا للتزوير، ولمن يحاول تشويه رموز الدولة والجمهورية بالكذب الرخيص.
تذكيرا فإن المناصب التي شغلها:
1. مديرا عاما لشركة التجارة الخارجية – عام 1971م.
2. وكيلا لوزارة الصناعة – عام 1972م.
3. نائب وزير التخطيط
4. عضوا مرشحا للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني – انتُخب عام 1980م.
5. عضوا مرشحاً في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني – عام 1982م.
6. وزيرا للثروة السمكية – عام 1982م.
7. نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للثروة السمكية – اعتباراً من 14 فبراير 1985م.
8. عضوا في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني – عام 1986م.
9. رئيسا لمجلس الوزراء وعضوا في هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى – 6 نوفمبر 1986م.
10. رئيسا لأول مجلس للنواب في الجمهورية اليمنية بعد إعادة تحقيق الوحدة – من 22 مايو 1990م حتى أبريل 1993م.
11. الأمين العام الأسبق للحزب الاشتراكي اليمني
12. الرئيس الدوري لتكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارض في اليمن – حتى نهاية عام 2011م.
13. نائب رئيس مؤتمر الحوار الوطني الشامل – خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت 2011م.
و
هكذا تميزت المسيرة السياسية والوطنية لهذه الشخصية اليمنية البارزة بالثبات والالتزام بقضايا الوطن في مختلف المحطات التاريخية التي مرت بها اليمن، من مرحلة ما قبل الوحدة وحتى ما بعدها.
بل في كل ما خطه من كلمات، وفي كل موقف اتخذه، بقي "ياسينو" – كما أحب أن اسميه بمودة – العضد الباقي للوحدة، والضمير الحي لمشروع الدولة المدنية.
فهو يميل انحناء لا خضوعا، بل احتراما لحلم لم يكتمل بعد، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، نحو يمن جديد يسع الجميع.
أما كتيبه الاشكالي"عبور المضيق" فليس مجرد تحليل سياسي، قدر ما هو شهادة وجدانية على لحظة تاريخية نادرة، كُتبت بروح مأزومة بالحلم والخوف معا، بل هو تأمل في مصير وطن على حافة الحياة أو الفناء، عبر فيه الدكتور ياسين عن إيمان لا يتزعزع بأن اليمن، وقد دخل مضيق التغيير، لا يملك سوى خيار واحد: أن ينجو... أو يختنق في العبور.
وطبعا لم يكن الدكتور ياسين سعيد نعمان سياسيا مرموقا فقط، بل حمل قلمه بروح المفكر والإنسان، متجاوزا حدود الخطاب السياسي إلى عمق السرد الأدبي.
روايته "الملك والأفعى" ترسم صورة الحاكم المستبد المحاصر بخوفه، حين تواجهه الحقيقة فجأة على شكل أفعى تحاوره بمرآة النفس والسلطة.
وفي "أصل الحكاية كما يرويها عبد المرتجي البواب"، يفتح نافذة على مصر الستينيات، على لسان بواب شعبي، ليحكي عن الأحلام والخيبات، عن الثورة التي وُلدت لأجل العدالة الاجتماعية وما تحقق منها وما انكسر.
أما روايته "جمعة"، فهي صرخة أنثى في وجه القهر، ومرآة لعذابات المرأة في مجتمع ينتهك كرامتها يوميا.
.. ثلاث روايات، بثلاث زوايا، تعكس عمق التزامه الإنساني، ووعيه بأن السياسة وحدها لا تكفي لفهم الحياة، وأن الكلمة الحرة قادرة على أن تقول ما تعجز عنه المنابر.
بمعنى آخر فإن الحديث عن الدكتور ياسين سعيد نعمان، هو حديث عن اليمن الممكن، عن الأمل الذي لا يشيخ، عن رجل آمن بالحوار لا بالرصاص، وبالشراكة لا بالإقصاء، وبالتاريخ لا بالثأر.
لذلك سيظل، بلا شك، منارة في زمن التيه، وعنوانا للسياسي الذي لم تغلبه اللحظة، ولم يبتلع مواقفه من أجل مكسب عابر.
..عموما أتذكر الدكتور ياسين سعيد نعمان الآن لأنه، حين كنت سكرتيرا لصحيفة "الثوري"، لسان حال الحزب الإشتراكي اليمني ، لم يقمع رأيا أو يحذف سطرا حتى وإن كان النقد يطال الحزب نفسه.!
وحين ضاق النظام ذرعا بجرأة الصحيفة، واشتد الضغط عليه، كان يرد بهدوئه المعهود: "دعوا الكلمة تمر، فالحرية لا تُدار بالخوف".
أعني هو ذلك القائد الذي يحترم عقولنا قبل انتماءاتنا.!
سلام على الدكتور ياسين سعيد نعمان
سلامٌ عليه...
ذلك الذي عبر العواصف لاجئا إلى المعنى، وحمل جراح وطنه على كتفه كأنها وصايا، وظل، رغم الخيبات، مؤمنا بأن الفكرة لا تموت
وان اليمن... لا يُبنى إلا بالحكمة والكلمة الحرة.!