اخبار اليمن

الأمناء نت

سياسة

مذكرات السجن – الحلقة الأولى

مذكرات السجن – الحلقة الأولى

klyoum.com

لم يبق موضع في جسدي إلا وفيه أثر عذاب وموضع جراح ولم تبق ذرة في نفسي إلا وفيها جرح عميق ينزف ألما وحسرة هل كل ما يحدث هنا في السجن الحربي يخرج من بشر من إنسان

غير معقول أن هؤلاء المخلوقات بشر إنهم مخلوقات تسمع وترى وتنطق وتمشي على رجلين ولها ذراعان وهيكل بشري لا لا إنها مخلوقات غريبة من تركيبة عجيبة

مر اليوم الأول بسلام في الزنزانة الجماعية محاطا برائحة الإسهال وأحاديث السجناء خصوصا قيس وتلك الأفكار التي راحت تطرق أبواب الذاكرة ظهيرة اليوم التالي كنت أجلس في الزاوية والجوع يعتريني ولم يكن في حوزتي سوى حبة قات رديئة جزء مني أراد إتمامها حتى نهايتها وجزء آخر أراد تركها لولا أن حالتي النفسية دفعتني لإنهائها

وإذا بأحد السجناء يشير إلي قائلا هات قطعة منها

آه ما أغلاها تلك القطعة في السجن إنها بمثابة التنازل عن حق من حقوقك بل عن روحك ومع ذلك أعطيتها له برضا فقد أحتاج منه واحدة لاحقا

اقتربت من نافذة الزنزانة الصغيرة وسمعت السجان يناديني هرعت نحوه ففتح الباب ونادى اسمي مرة أخرى لم أكن أعلم أن ذلك النداء يحمل قراره الأقسى التحويل إلى الزنزانة الانفرادية

ودعت قيس وعدته أن أخطب له تلك الفتاة وودعت الآخرين على وجوههم رأيت الحزن وكأنهم فقدوا شيئا ثمينا يوم ونصف فقط لكنه كان كافيا لأترك أثرا بالغناء والرقص وأغاني أيوب وفيصل علوي غريب هو السجن كيف يربطنا ببعضنا رغم البؤس وعندما يغادر أحدنا نشعر بالخسارة

في الزنزانة الانفرادية

الزنزانة لا تتجاوز مترين في متر ونصف بطانيتها بالكاد تغطي من الرأس حتى الركبة والفراش لا يختلف كثيرا عن البلاط إنها غرفة للعذاب النفسي الصامت

سلمني مساعد السجان قارورة ماء فارغة للتبول وأخبرني أن الخروج مسموح كل يومين مرة واحدة فقط عدا ذلك حتى لو شنقت نفسك فلن يسمحوا لك بالخروج

في هذه العزلة القاتلة يمر الوقت كسكين ينهش جسدك ببطء إنه عذاب يفوق النار وجحيم يتغذى من صمتك هناك حيث لا بشر تدخل في صراع داخلي امتد منذ ولادتك تبدأ تغرق في دوامات لا نهاية لها تنام بصعوبة تحلم بلا أحلام وتفيق على كوابيسك

من شدة الظلام والاكتئاب والرائحة التي تصدر بسبب المخلفات فضلت أن أظل واقفا على أقدامي وفي نهوضي ركلت رأسي حتى شعرت بالدوار تبولت حتى امتلأت القارورة ثم طرقت الباب عشر مرات أتى مساعد السجان ومعه كشاف كهربائي صعقني به في كتفي صعقة هزتني من الداخل أخرجتني من جسدي وتركتني بلا اتزان

غسلت فمي من بقايا القات ومكثت طويلا في الحمام هناك وسط البلاط البارد شعرت براحة لم أشعر بها منذ زمن قلت في نفسي لو أن الوطن حمام لربما عشنا فيه شيئا من الحرية

مواجهة التحقيق

مرت الليالي ثقيلة موحشة مظلمة ليس هناك ما يفرق بين الليل والنهار الجدران صامتة الوقت ميت والنفس تنهار ببطء

وفي اليوم الثالث بدأت التحقيقات دخل ضابط الأمن نظر إلي باستعلاء وسأل كيف خالدي وأنت من آنس ومع من المرتزقة

أجبته بقسوة خالدي بسيط سكنت آنس لكنها لم تسكنني أنا خرجت من رحم أمي حرا رضعت حليب العزة والكرامة ومن خلال ردي أظنك فهمت

ما كان منه إلا أن قيد قدمي وقال عشان تتأدب

نظرت إليه فشاهدت في عقلي صور الثوار الأوائل من فتحوا صدورهم للرصاص وسجنوا من أجل الوطن لا من أجله

اتهمني بالكفر والعمالة فقلت له أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله أؤمن برب الناس لا ربك الذي يأمرك بقتل من تشاء الله حر وأنقى من كتبكم وموروثكم لا يأمر بالتعذيب ولا بالقيود

كلماتي كانت كالصاعقة عليه فصعقني بالكهرباء شعرت وكأن العالم كله استقر على رأسي أغمي علي لأصحو في الزنزانة مجددا لا أقدر على الحركة

رحلة الألم مستمرة

أيام تمر دون طعام دون ماء دون تحقيق أربعة أيام في الزنزانة في عزلة أكلت كل ما تبقى من الأمل فتشت عن بقايا طعام فوجدت قطعة عند رأسي كما لو كان الأمل ذاته

ضحك بخبث وفي انتقام صامت قطع عني الماء ثلاثة أيام

صمت طيلة تلك الأيام لم أشتك بل ابتهلت لله وتضرعت له أن يمنحني صبرا

السجن ليس جدرانا فقط

ما الذي يمكن أن يسلبه السجن من الإنسان ربما لا يأخذ الأفكار لكنه يزرع الكوابيس يجعل من الأيام القادمة كوابيس مؤجلة السجن ليس مكانا بل حالة نفسية قاتلة

خمسة عشر يوما قضيتها بين التحقيقات الأسئلة المكررة التعذيب والشتائم لم أستسلم لم أنكسر وكنت أعلم أن الوقوف مع أفكاري أهم من كل شيء

ضربني الضابط صفعة جعلتني أترنح لكنه انتظر أن أسقط ولم أفعل

أخرجوني من الانفرادية إلى بدروم مكتظ بمئة وعشرين سجينا هناك بعد الوحدة شعرت أنني غريب وسط الزحام كنت قد اعتدت الصمت والانعزال والتوجس من الجميع رأيت فيهم جواسيس ومخبرين ونوايا غامضة

صمت حتى خيل إلي أنني أصم

يتبع

*المصدر: الأمناء نت | al-omana.net
اخبار اليمن على مدار الساعة