اخبار اليمن

شبكة الأمة برس

منوعات

من خيال الثلاثينيات إلى واقع القرن 21.. رحلة تطور المنازل الذكية

من خيال الثلاثينيات إلى واقع القرن 21.. رحلة تطور المنازل الذكية

klyoum.com

تحدثنا في مقالٍ سابق عن المنازل الذكية بشكلٍ عام، وقلنا إنها منازل مجهزة بتكنولوجيا تسمح للمقيمين فيها بالتحكم بها وأتمتة مختلف أنظمتها وأجهزتها عن بُعد، لتعزيز الراحة والكفاءة والأمان، كما تطرقنا لكيفية عمل هذه المنازل، ومميزاتها وعيوبها، والتكلفة التي قد تحتاج إليها لبناء منزلك الذكي، بحسب الرجل.

واليوم، نخصص السطور التالية للحديث عن تاريخ هذه المنازل وتطورها منذ القرن الماضي وحتى وقتنا الحالي، مثلما نتناول الفرق بين المنازل التقليدية والذكية وأبرز التقنيات الحديثة المُستخدمة فيها.

المنازل الذكية: رحلة عبر الزمن

على الرغم من التطور المستمر والمخيف للتكنولوجيا عمومًا، وتكنولوجيا الاتصالات على وجه الخصوص، فإن المنازل الذكية لا تزال في بداياتها، فقد ظلّت فكرة هذه المنازل عالقة بالأذهان، وتتصدر نقاشات الخبراء الذين تنبأوا ظهور الخَدَم الآليين وما شابه، وهو ما يتحقق رويدًا رويدًا بفضل الشوط الطويل الذي قطعناه في السنوات الأخيرة، أو بالأحرى منذ سبعينيات القرن الماضي، بل قبل ذلك.

ففكرة وجود "منزلٍ ذكي" تتصرف مكوناته من تلقاء نفسها نُوقِشَت في عام 1939 كواحدة من أفكار الخيال العلمي، وفي تلك السنة، نشر مؤلفٌ يدعى " George H. Bucher" مقالةً في مجلة " Popular Mechanics" بعنوان: "المنزل الكهربائي المستقبلي"، وفيها وصف منزلًا يُدار بشبكة اتصالات تجعل الأبواب تفتح من تلقاء نفسه، والإضاءة تتغير حسب الاحتياجات، والضيوف يُرحّب بهم بواسطة نظامٍ داخلي.

وفي عام 1963، ظهرت المباني المُدارة بشبكاتِ اتصال للمرة الأولى مع ظهور أنظمة الإبلاغ عن الأعطال، والتي اعتمدت على التركيبات الكهربائية التقليدية.

كيف تطورت تقنية المنازل الذكية على مر السنوات؟

بدايات المنازل الذكية الفعلية تعود إلى السبعينيات، وبشكل أكثر تحديدًا في عام 1975 مع اختراع بروتوكول الـ X10، وهو بروتوكول اتصالات يستخدم تيار المنزل المتردد لتمكين التواصل بين الأجهزة ولوحات التحكم المختلفة المُثبَّتة بالمنزل، ونظرًا لتقدم هذه الأنظمة في ذلك الوقت، فإن تكاليفها كانت باهظة، وغالبًا ما كانت تحتاج إلى مختصين ذوي كفاءة عالية.

وعلى الرغم من المشكلات العديدة التي واجهت هذا البروتوكول في ذلك الوقت (مثل البُطء وضعف التشفير)، وهي مشكلات طبيعية في بداية هكذا تكنولوجيا، فإن الـ X10 أتاح إمكانية التحكم بمئات الأجهزة عن بعد، وكان بمثابة حجر الأساس الذي ستُبنى عليه لبنات الابتكار في المنازل الذكية التي وصلنا إليها اليوم.

ومع تزايد شعبية الإنترنت في التسعينيات، زادت سعة الاتصال بين الأجهزة وتطورت البروتوكولات، غير أنها احتفظت بالعديد من خصائص الـ X10 مثل التحكم المركزي، والاتصال السلكي، والأتمتة البسيطة.

أما التطور الحقيقي فكان مع ظهور الاتصالات اللاسلكية في بدايات الألفية الجديدة، حيث ظهرت تقنيات مثل الـ "Z-wave" و"Zigbee" (تقنيتيّ اتصال بترددات محدودة، ولكن مُشفرتان)، التي أتاحت إمكانيات لم نكن لنتخيلها سابقًا بالمنازل الذكية، ولأن الأسلاك لم تعد شرطًا أساسيًا للتواصل، بات تركيب أنظمة المنازل الذكية أسهل بكثير وحتى في متناول العامة.

واليوم، أصبحت المنازل الذكية أشهر وأكثر انتشارًا من أي وقتٍ مضى، وبعد أن كانت حِكرًا على الطبقات الغنية فقط، بات بإمكان الطبقات المتوسطة أن تحظى بتقنيات هذه المنازل، لا سيما مع وجود مشاريع مفتوحة المصدر يستطيع الجميع أن يستخدمها مثل openHAB وHome Assistant.

ومع ذلك، لا تزال أنظمة المنازل الذكية تُنتَقد لعدة أسباب، منها غياب المعايير أو البروتوكولات الموحدة، وإن كان من المتوقع أن تُحَل هذه الأمور في وقتٍ قد يطول أو يقصر.

من المنازل التقليدية إلى المنازل الذكية

تتفوق المنازل الذكية على المنازل التقليدية في الراحة، والأمان، وتوفير الطاقة بالإضافة إلى مميزات أخرى سنستكشفها من خلال عقد مقارنة سريعة بين كليهما، من حيث:

الراحة والرفاهية:

توفر المنازل الذكية أقصى درجات الراحة والرفاهية لمالكيها، وذلك يرجع بشكلٍ أساسي لتقنيات الأتمتة المتقدمة، التي تتيح التحكم بكل أنظمة المنزل من الإضاءة إلى أقفال الأبواب عن طريق الهاتف أو حتى بالأوامر الصوتية، وهذا يعني -على سبيل المثال- أنك تستطيع تجهيز المنزل لاستقبالك من العمل عن طريق تشغيل نظام التدفئة وأنت في مكتبك، كذلك تستطيع أيضًا أن تُطفئ الأنوار بعد أن تُغادر المنزل، أو توصد الأبواب إذا نسيت أن تفعل ذلك يدويًا، وكل هذه الأمور تتطلب جهدًا إضافيًا في المنازل التقليدية.

توفير الطاقة:

تحتوي المنازل الذكية على أنظمة متقدمة لتوفير الطاقة ومراقبة استهلاك كل الأنظمة التي تعمل بالكهرباء على مدار الساعة، على سبيل المثال، يُمكنك برمجة أو تهيئة أجهزة تنظيم الحرارة (الثرموستات) لتشغيل نظام التدفئة تلقائيًا عند انخفاض درجات الحرارة إلى درجةٍ معينة في فصل الشتاء، والعكس في فصل الصيف، مما يوفر من الطاقة وفواتير الكهرباء، ويُعزز من الراحة أيضًا.

الأمان المتقدم:

المنازل الذكية تحتوي على أنظمة أمان متقدمة للغاية مثل كاميرات الهوية IP Cameras ومستشعرات الحركة، التي تُنبهك بكل شيء في الوقت الفعلي، وبالتالي ستستطيع أن تعرف وتراقب كل شيء يدور في مساحة منزلك بغض النظر عن المكان الذي تتواجد به، أضف إلى ذلك أن أنظمة الحماية هذه يمكن أن تتكامل مع خدمات أخرى خارجية لزيادة درجة الأمان، على سبيل المثال، تستطيع أن تتعاون مع شركة خارجية تُرسل فريقًا أمنيًا للتحقق من الأوضاع المريبة على الفور.

الأتمتة المتخصصة:

لعل أروع ما يميز المنازل الذكية عن الأخرى التقليدية، هي تلك الروبوتات الخفية التي يمكنك تهيئتها لتفعل ما تريده؛ تخيل أن تقول "صباح الخير" فور استيقاظك فتُفتَح لك الستائر وتبدأ ماكينة القهوة بإعداد مشروبك الصباحي المفضل، فيما يقوم الترموستات بضبط درجة الحرارة على الدرجة التي تجعلك مسترخيًا أو نشيطًا؛ هذه حياةٌ لن يشعر بمدى رفاهيتها سوى من يعيش بمنزلٍ ذكي.

إمكانيات التجديد:

أخيرًا وليس آخرًا، يمكنك أن تُجدد منزلك الذكي بسهولة شديدة، دون الحاجة إلى أسلاكٍ أو تركيبات معقدة كما هو الحال في المنازل التقليدية وأنظمتها، فكل ما ستحتاجه هو تثبيت الأجهزة في الأماكن التي تُفضلها، وستستطيع -غالبًا- أن توصل بينها بدون أسلاك، مما ينقلنا إلى الحديث عن أنظمة أو مكونات المنازل الذكية.

التقنيات الجديدة التي تشكل مستقبل المنازل الذكية

الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة:

سهلت روبوتات الدردشة العاملة بالذكاء الاصطناعي، مثل تشات جي بي تي وغيره، من عمليات الأتمتة، وبفضل مجال تعلم الآلة ML، أصبحت الأنظمة أذكى كثيرًا من السابق، حيث أصبحت أنظمة المساعدة الصوتية مثلًا تفهم لغة البشر بشكل كبير، ومن ثم باتت قادرة على تنفيذ ما يُطلب منها بالضبط، أو على الأقل بدرجة أفضل من السابق بكثير.

حوسبة الحافة:

تحدثنا في مقالٍ سابق عن حوسبة الحافة أو الـ "Edge Computing"، وباختصارٍ شديد؛ ستُسرع هذه التقنية من زمن الاستجابة بشكلٍ كبير، لأنها تُعالج البيانات محليًا على الأجهزة بدلًا من الاعتماد على سيرفرات أو مراكز بيانات مركزية بعيدة، وبالتالي بمجرد إلقائك للأمر سيتم تنفيذه في أسرع وقت ممكن.

الجيل الخامس من الاتصالات 5G:

تتمثل فائدة تقنيات الجيل الخامس من الاتصالات، والتي تتوسع يومًا تلو الآخر، في شيئين هما سُرعة نقل البيانات وخفض زمن الاستجابة latency (مثل حوسبة الحافة)، مما سيسمح بربط المزيد من الأجهزة مع بعضها، وبالتبعية الحصول على استخدامات جديدة كليًّا.

الأجهزة المستدامة والموفرة للطاقة:

تُصمم الكثير من التقنيات الحديثة بطريقة توفر من استهلاك الطاقة وتكون مستدامة قدر المستطاع، مثل الثرموستات التي تحدثنا عنها بالأعلى، وعمومًا، بفضل المستشعرات الذكية وخوارزميات التعلم الجديدة أصبحت الأجهزة قادرة على فهم الظروف المحيطة وتحليلها، ومن ثَم التصرف على أساس المعطيات، وهذا ينطبق أيضًا على ظروف الطقس خارج الغرفة، حيث تمتلك الأجهزة وصولًا إلى بيانات الطقس المحلية وتتكيف على أساسها.

أجهزة الحماية المُعززة:

تقوم المنازل الذكية أيضًا على أجهزة الحماية المتطورة، التي تتعرف عليك وتميزك كصاحب المنزل أو العقار، وذلك يرجع بشكلٍ أساسي للتطور الحاصل في تقنيات التعرف على الوجه وتمييز الصوت ومراقبة ورصد الحركة، ولمن يعتقد أن المنازل الذكية قد تُخترق بسهولة، نقول إن هذا ليس صحيحًا بفضل تقنية مثل سلسلة الكتل Blockchain، التي ستكون جزءًا أساسيًا من أنظمة الحماية لتعززها وتجعل اختراقها أمرًا في غاية الصعوبة على الهاكرز.

المطابخ الذكية:

تتضمن ثلّاجات ذكية مزودة بكاميرات تُراقب الطعام لئلا يفسد، وأفران يمكن التحكم بها عن بُعد، وفي بعض الحالات تقترح الوصفات، وآلات تصنع لك القهوة بمجرد أن تستيقظ، إلخ من الأجهزة الذكية التي ستسهل عليك الحياة كثيرًا.

أجهزة مراقبة الصحة واللياقة:

سيساعدك النظام البيئي بالمنازل الذكية على مراقبة صحتك وذلك لأنه يتتبع نومك، ويفحص جودة الهواء الداخلي، إلخ، بالإضافة إلى أنك إذا ارتديت الساعات الذكية التي تتكامل بشكلٍ وثيق مع أنظمة المنزل الذكي ستحصل على تنبيهات وتحديثات صحية في الوقت الفعلي، وسيسهل عليك التحكم بكل شيء في المنزل.

ما المستقبل الذي ينتظر المنازل الذكية؟

هناك مئات الملايين من المنازل الذكية حول العالم، وعشرات الملايين من الأسر تستخدم الأدوات المنزلية الذكية، ولفظ "الذكية" أساسًا أصبح يُطلق على معظم الأجهزة التي نعرفها ونستخدمها يوميًا؛ وكل شيء يدل على أن المنازل الذكية هي المستقبل.

فيما يتوقع الخبراء وصول سوق تكنولوجيا المنازل الذكية إلى 138 مليار دولار بحلول عام 2026، ويقول المحللون إن 20% من الأسر في جميع أنحاء العالم تمتلك الآن تقنيات المنزل الذكي.

والانتشار الواسع للمنازل الذكية في المستقبل يمكن أن يرجع لأكثر من عامل، مثل ارتفاع التوافقية بين الأجهزة، وتطور إنترنت الأشياء IoT، وتوحيد البروتوكولات العالمية تحت ما يُسمى بمعيار الـ (Convergence on Matter (CMO أو غيره، وبالطبع إلى تطور التكنولوجيا بشكلٍ عام.

في النهاية، هناك الكثير من مميزات المنازل الذكية التي لا يسعنا المجال لذكرها، مثل توفير الوقت، حيث يقول أكثر من نصف مالكي هذه المنازل (60% تقريبًا) إنها توفر وقتهم بشكلٍ كبير، فكل الأعمال المنزلية التقليدية التي قد تستغرق ساعات، يُمكن أن تُنجَز بدقائق بفضل الأتمتة وغيرها، وهذا غيضٌ من فيض المزايا الكثيرة الأخرى.

*المصدر: شبكة الأمة برس | thenationpress.net
اخبار اليمن على مدار الساعة