ما حقيقة نفاد مخزون القمح في مطاحن البحر الأحمر بمحافظة الحديدة ؟

أحكموا قبضتهم على الموانئ.. كيف حوّل الحوثيون الغذاء إلى أداة حرب؟

ألا يرجع نفاد مخزون القمح إلى قيود الميليشيا ومضايقاتها على القطاع التجاري الخاص وما وراء تلك القيود؟

الداعري : إحداث الحوثيون لأزمة غذاء هدفها الضغط على المجتمع الدولي والأمريكي لتخفيف العقوبات الاقتصادية

الجماعي : نحذّر من بقاء منظومة الحوثيين المالية خارج الرقابة الرسمية والدولية

تُبرز أزمة مخزون القمح في مناطق سيطرة الحوثيين مخاطر إحكام الميليشيا قبضتها على مفاصل الاقتصاد وتحويله إلى منظومة مغلقة خاضعة لشبكاتها المالية؛ ما يمثّل تهديداً للأمن الغذائي وتقويضاً لما تبقّى من نشاط تجاري مستقل في مناطق شمال اليمن.

ومع تصاعد الخلافات داخل أجنحة الميليشيا حول استيراد القمح وتفضيلات الشحنات الواصلة إلى موانئ الحديدة، يتزايد القلق من أنّ ترسيخ الحوثيين لاقتصادهم الموازي قد يؤدي إلى شلّ الأسواق المحلية وتوسيع رقعة الجوع في بلد يعتمد كلياً على الواردات.

وفي أواخر الأسبوع الماضي، وجهت إحدى الشركات التجارية المحسوبة على الحوثيين رسالة إلى وزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار في حكومة الميليشيا، كشفت فيها عن نفاد مخزون القمح في مطاحن البحر الأحمر بمحافظة الحديدة، نتيجة عدم الاستجابة لمطالبها بسرعة إدخال شحناتها المستوردة إلى الموانئ المطلّة على مياه البحر الأحمر.

وأخلت الشركة التجارية في رسالتها المسرّبة على مواقع التواصل الاجتماعي مسؤوليتها عن أي نقص قد يحدث في إمدادات السوق أو استقراره، 'جراء توقف المطاحن'.

في المقابل، نفت الوزارة الحوثية ادعاءات الشركة، مؤكدةً استقرار المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية، وفي مقدمتها القمح، الذي قالت إنه 'يكفي لعدة أشهر قادمة'.

وأشارت إلى أنّ نظام الاستيراد 'يعتمد على آلية منظمة تضمن توزيع الحصص بشكل عادل وشفاف بين جميع المستوردين المعتمدين، وفقاً لجدول زمني محدد، يضمن العدالة بينهم جميعاً، ويضمن تدفق السلع بشكل منتظم ومستقر إلى الأسواق المحلية'، حسب زعمها.

ومع استئناف النشاط الملاحي في موانئ الحديدة الخاضعة للحوثيين بموجب الهدنة الإنسانية التي انطلقت في إبريل/نيسان من العام 2022 برعاية أممية، تصاعدت قيود الميليشيا ومضايقاتها على القطاع التجاري الخاص في مناطق سيطرتها، مفسحةً المجال للشركات والكيانات التجارية التابعة لها للسيطرة على السوق المحلية، باعتبارها إحدى أدوات التمويل الاقتصادي.

وعلى الرغم من تقارير الأمم المتحدة التي تشير إلى تزايد اعتماد اليمن على الواردات والمساعدات الدولية، أعلن الحوثيون مطلع العام الجاري منع استيراد مادة الدقيق عبر موانئ الحديدة، تحت مزاعم 'الاكتفاء الذاتي والاعتماد على المنتج المحلي'، بهدف سدّ الطريق على التجار المستوردين وتهيئته أمام الشركات التجارية التابعة للميليشيا.

القمح كسلاح

وقال المحلل الاقتصادي ماجد الداعري إن العديد من سفن القمح ترسو منذ فترة قبالة موانئ الحديدة، والحوثيون يمنعون تفريغها، ويمنحون الأولوية للتجار التابعين لهم الذين يستحوذون على حصص بقية المستوردين.

وأشار في حديثه لـ'إرم نيوز' إلى أنّ الآلية التي تتبعها حكومة الجماعة تهدف إلى تحقيق مصالح الوكالات التجارية التابعة لها والتجار المحسوبين عليها، بعد أن أصبح العديد من قياداتها شريكاً ومالكاً للوكالات المستوردة للمواد الغذائية الأساسية، 'والقمح يأتي كواحد من أسلحتهم المالية'.

وذكر الداعري أنّ الحوثيين يحاولون استثمار الوضع بعد الغارات الأمريكية والإسرائيلية التي أحدثت أضراراً واسعة في موانئ الحديدة، والعقوبات التي تفرضها واشنطن، وتوظيف ذلك في صالحهم عبر توجهين اثنين: أولهما خلق ما يشبه 'السوق السوداء' من خلال رفع أسعار القمح، وتعويض خسائرهم المالية والعسكرية، خاصة بعد مغادرة المنظمات الأممية والدولية لمناطق الحوثيين عقب اعتقالهم أكثر من 55 موظفاً أممياً.

وأضاف أن التوجه الآخر يسعى إلى إحداث أزمة غذاء واسعة في مناطق سيطرتهم، واستغلالها إعلامياً للضغط على المجتمع الدولي والأمريكي لإيجاد آلية لتخفيف العقوبات والإجراءات الاقتصادية المفروضة على الموانئ الخاضعة لسيطرتهم، لا سيما أن الخزانة الأمريكية منعت استقبال موانئ الحديدة لكل المواد والسلع المتعلقة بالحوثيين، قبل أن يطلب مجلس القيادة الرئاسي السماح بوصول إمدادات الغذاء والقمح باعتبارها سلعا تخصّ المواطنين في المناطق الأكثر كثافة سكانية.

وبيّن أن الوضع الحالي هو الأصعب بالنسبة للمواطنين في مناطق نفوذ الحوثيين، 'بسبب تعرضهم لمواجهة العديد من التحديات في إيجاد أساسيات الحياة، وسط تضاؤل قدراتهم المعيشية واستغلال معاناتهم الإنسانية وتقليص برامج المساعدات الخارجية'.

غياب التنافس

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي علي التويتي أنّ تدخّل وزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار في حكومة الحوثيين في التحكم بدخول السفن وتقديم بعضها على الأخرى بحجة تقسيم الحصص بين التجار وليس وفق حصة كل منهم في السوق 'يخالف مبدأ التنافس في السوق لمصلحة تاجر عن آخر'.

وقال التويتي في منشور على 'فيسبوك' إن هذا التدخّل 'يضرّ بأطراف معينة لمصلحة أطراف أخرى، وليس كل التجار متساويين، هناك تجار كبار حصتهم أكبر، فلا يجوز المساواة إلا إذا كان توزيع الحصص حسب ما يملكه التاجر من نسبة في السوق'، موضحاً أنّ السبب الرئيس لكل هذه المشاكل 'هو تدمير الموانئ وإخراجها من جهوزيتها وكفاءتها السابقة؛ ما جعل الوزارة تفاضل وتقدّم وتؤخر حسب ما تراه لمصلحة البلاد'.

ولا يقتصر التمييز على مستوردي وتجار القمح والمواد الغذائية؛ إذ تشير منصة 'P.T.C.O.YEMEN' المحلية المتخصصة في تعقّب الجرائم المنظمة وغسل الأموال، في تقرير سابق لها، إلى أنّ الحوثيين أنشأوا 35 شركة محلية تعمل في قطاعات: الأدوية والمشتقات النفطية والمقاولات والتجارة العامة وتقنية المعلومات والتعليم، كـ'كيانات مالية سرّية توفر التمويل اللازم لمخططات الجماعة السياسية والعسكرية'.

بدوره، حذّر الخبير الاقتصادي محمد الجماعي من بقاء منظومة الحوثيين المالية خارج الرقابة الرسمية والدولية، دون تدخّل جاد من المؤسسات المعنية بمراقبة حركة الأموال وتمويل النزاعات.

وأكد الجماعي في حديثه لـ'إرم نيوز' أنّ استمرار الميليشيا في بناء اقتصادها الموازي وإقصاء القطاع الخاص والمستثمرين المستقلين يمنحها قدرة دائمة على تمويل عملياتها العسكرية وتثبيت سلطتها السياسية، 'ما يطيل أمدّ الصراع ويعمّق مأساة اليمن الإنسانية'.