حصاد ست سنوات تحالف

قبل ست سنوات بتمامها شهدنا أول الطلعات الجوية للتحالف العربي لدعم الشرعية. كان الحوثي قبلها، بالتحالف مع علي صالح، سيطر على أغلب جغرافيا البلاد، وكان ثمة بضعة مناطق ما زالت تقاوم المد الحوثي وتصده باستبسال رائع وملهم: مأرب وتعز والضالع. لم يكن ثمة لتلك المقاومة الوطنية أدنى إسناد من أحد، وقد مضت في بطولاتها انطلاقاً وحسب من رصيدها الجمهوري، وبالاعتماد الكلي على الإمكانات الذاتية.

الآن، بعد ست سنوات تحالف، لا تبدو الخارطة تختلف لحد بعيد عما كانت عليه قبل مجيئه. بل إنني لن أكون مبالغاً إن قلت إننا حين نمضي في قراءة المشهد متخيلين عدم مجيء التحالف، لوجدناه من نواحٍ عديدة أفضل من وضعنا الحالي كشرعية، كشعب وجد نفسه بغتة بين نيوب ميليشيا ما كان لها أن تتغول لهذا الحد لو لم تكن أداة لقوى كبرى خارجية تسندها باستمرار.

قبل مجيء التحالف كان لدينا ميليشيا واحدة، هي الحوثية، وكانت صورة الصراع واضحة لدى الجميع: أننا أمام كيان انقلب على الجمهورية بكل ما وسعه من صفاقة.

الآن لدينا ميليشيات متعددة_ وإن كانت في لحظاتٍ ما تتناغم مفصحة عن يد مالكة واحدة_ ميليشيات استطاع بعضها انتزاع اعتراف من القيادة الشرعية وبضغط من تحالف 'دعم' الشرعية!

قبل مجيء التحالف كانت الحرب تلوح أمام الجميع، الداخل والخارج، سيما الخارج، حرباً يمنية يمنية، حيث الميليشيا الحوثية في قفص الاتهام وبإدانة فاقعة.

الآن يتعاطى العالم مع قضيتنا على أساس من كونها حرباً بين السعودية من جهة والحوثيين وخلفهم إيران من جهة ثانية، حيث تبدو المظلومية هنا لصالح الحوثيين وهم يواجهون الدولة الكبيرة العائمة فوق أكبر مخزون نفط في الدنيا! لم يعد العالم يرى معاناة شعبنا في نضاله اليومي ضد الميليشيا الحوثية، ولا يهتم لذلك.

قبل مجيء التحالف كان الحوثيون استهلكوا كل مخزونهم من الذرائع ومحاولات التغطية على قبح انقلابهم، ثم جاء التحالف ليمنحهم الورقة الرابحة في تحشيد أفواج من المقاتلين من أبناء القبائل بذريعة مواجهة العدوان الخارجي، مضفيين بذلك نوعاً من مشروعية على وضعيتهم في نظر الكثير من اليمنيين.

قبل مجيء التحالف كانت المقاومة تتشكل من أرقام صحيحة، حيث لم يكن ثمة أي نوع من المغانم، وهو ما كان كفيلاً باستمرارية تضخم الكيان المقاوم متكئاً فقط على ما تبثه الذاتية من حس بالبطولة ووعي بأصالة النضال، هذه العوامل الحاسمة لدى كل كيان مقاوم على مر التاريخ.

بعد مجيء التحالف، ولأسباب بعضها يتعلق بالتحالف نفسه وبعضها في الكيان الجمهوري وقد فقد جزءاً كبيراً من ذاتيته وأُثقل هيكله بالكثير من ذوي المصالح الخاصة، بل وأحياناً المتواطئة مع الميليشيا الحوثية، كان أن فقد النضال الجمهوري في بعض مراحله الكثير من ألقه، ساعد في ذلك الضخ الإعلامي للميليشيا وما بدا من أخطاء لقيادات شرعية وتحالف دعمها، ما أدى بطبيعة الحال لتضخيم إمكانية الحوثيين في التحشيد.

لا أود هنا أن أنكر على التحالف أي دور إيجابي، وأعرف أن أحدهم سيحاججني مثلاً بأنه لم يكن ثمة جيش وطني مسلح قبل مجيء التحالف، ولن يسعني أن أنكر ذلك، لكنني سأعود وأسأله: إلى أي حد كان ناجعاً تأسيس الجيش الوطني بالنظر لبقاء التحالف مصراً على تكبيله ومنعه من اجتياز الخطوط التي يحددها له بين فترة وأخرى؟ ثم سأدعوه للنظر في نوعية وحجم التسليح الذي منحه التحالف للجيش الوطني، ومن ذلك سيبدو كم أن التحالف لم يفعل الشيء الكثير حتى في هذه النقطة التي يفترض بها دليلاً قاطعاً على صدق نواياه في لافتته لدعم الشرعية.

على أنني سأعود بعد كلّ هذا لأعترف بأن من الحماقة أيضاً إلقاء كامل اللوم في بطء التحرير على التحالف وحده، فالحق أن الشرعية تتحمل النصيب الأكبر من كل هذا التعثر، الشرعية وقد ارتمت في حضن الحليف مفوضة إياه كلياً وبحالٍ من الاستلاب المخزي والمذل.

وللإنصاف أيضاً سيتوجب الاعتراف بأن الشرعية لم تكن على قدر من التعافي يكفي لأن تمسك بأوراقها جيداً وترتبها بالدهاء الضامن لتحقيق أكبر مكسب ممكن، لا قبل أن يبدأ التحالف انحرافه الغريب والعجيب، ولا بعد أن فعل، فحسب مونتسكيو: أحياناً يكون التخلص من حليف أصعب بكثير من هزيمة عدو.

غير أن كل هذا، ودونما حاجة للتورط في المزيد من التفاصيل، يضعنا أمام حقيقة ساحقة وغريبة في آن: يكاد التحالف على مدى ست سنوات من الحرب، من الضجيج والدوي، لم ينجز شيئاً واحداً يرقى لما يفترض قدرته عليه. حين ننظر مثلاً في حقيقة أننا ما زلنا نسمع على نحو شبه أسبوعي عن هجمات حوثية في الأراضي السعودية، فلا أظنني أكون جازفت بهذا التقدير.

أخيراً، لن أكون فعلت شيئاً من تقديم هذه القراءة ما لم أختمها بهذه الحقيقة الساطعة: أن هذه بلادنا نحن اليمنيين، وأننا وحدنا المعنيون باستعادتها، وأننا قادرون على ذلك إن تمكنا من ترميم تقديرنا لذاتنا وكففنا عن التعويل على الغير ، عن منحه قيمة لا يعتقدها هو عن نفسه!