زيت تركي بطعم التاريخ.. معصرة حجرية تقاوم الزمن في أرتفين

منذ أكثر من 45 عامًا يواصل الأخوان أحمد وعاصم أرسلان، في منطقة يوسفلي التابعة لولاية أرتفين شمال تركيا، إنتاج زيت الزيتون بالطريقة التقليدية التي تعتمد على الطاحونة الحجرية، محافظَين بذلك على إرث والدهما ومُحيين تقاليد عائلية متجذّرة في هذه المهنة.

وتشتهر منطقة يوسفلي بزيتون 'بوتكو' الذي يمتاز بنكته الفريدة ونسبة حموضته المنخفضة، ويُعد من أبرز المحاصيل الزراعية في المنطقة. ويُنتج هذا النوع زيتًا متفردًا في طعمه، حاز على جوائز عالمية متعددة، بفضل جودته العالية وخصائصه الطبيعية المتميزة.

ويُزرع هذا الزيتون في وادي 'تشوروه' المعروف بخصائصه المناخية الفريدة، والتي توفر بيئة مثالية لزراعة أشجار الزيتون، ما يجعل إنتاجه عالي الجودة وذا قيمة مضافة.

ومع حلول موسم الحصاد منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، تنشط الحركة الإنتاجية في المنطقة، حيث يبدأ الأخوان أرسلان عملية استخراج زيت الزيتون وتعبئته باستخدام الوسائل التقليدية نفسها التي ورثاها عن والدهما، يعقوب أرسلان، الذي أسس معصرة الزيتون قبل نحو 55 عامًا معتمدًا على نظام العصر بالحجر.

** إرث عائلي

بدأ الأخوان أحمد وعاصم أرسلان العمل في معصرة الزيتون إلى جانب والدهما منذ طفولتهما، حيث تعلّما منه أساسيات المهنة وتفاصيلها الدقيقة. وبعد تقدّم والدهما في السن، توليا مسؤولية الإنتاج بالكامل، ليواصلا مسيرة العائلة في الحفاظ على هذا الإرث الممتد لعقود.

وبفضل التعاون المستمر بينهما، يواصل الأخوان ممارسة هذا العمل الشاق منذ أكثر من 45 عامًا، ملتزمَين بالحفاظ على جودة الزيت وتقاليد العمل التي ورثاها عن والدهما.

وقال عاصم أرسلان لوكالة الأناضول إنه تعلّم أسرار وتفاصيل المهنة من والده، مؤكّدًا أنه يمارس عمله بحب وشغف كبيرين. وأضاف: 'نحن نحب هذه المهنة ونعمل بها بكل إخلاص. بدأنا في المعصرة عندما كنا في الثانية عشرة من عمرنا، ولا يزال الشغف نفسه يرافقنا حتى اليوم'.

وفي معرض حديثه عن زيتون 'بوتكو' الذي يُنتج منه الزيت، أوضح عاصم أنه يتمتع بنكهة خاصة ويحتوي على نسبة زيت أعلى مقارنة بالأنواع الأخرى. وتابع قائلاً: 'من 2.7 كيلوغرام من زيتون بوتكو يمكن استخراج ليتر واحد من الزيت، وهذه الميزة تجعل منه أحد أكثر الأصناف المحبّبة في المنطقة. كما أن نكهته الفريدة وجودته العالية أثبتت مكانته، وهو ما أهّله للفوز بعدد من الجوائز المختلفة'.

** طلب متزايد

وأشار عاصم أرسلان إلى وجود طلب متزايد على زيت الزيتون المنتج في المنطقة، موضحًا أن الإقبال في تزايد مستمر لدرجة أنّهم يواجهون صعوبة في تلبية جميع الطلبات. وقال: 'الطلب على الزيتون وزيت الزيتون يزداد عامًا بعد عام. السكان هنا يستهلكون كميات كبيرة من الزيتون والزيت، وبعد أن يلبّوا احتياجاتهم الشخصية، يقومون ببيع الفائض عن حاجتهم'.

وأكد عاصم أن معصرتهم تُعدّ الوحيدة في المنطقة التي ما زالت تستخدم الأساليب التقليدية، مشيرًا إلى أن الأهالي يجلبون محصولهم إلى المعصرة ليتم وزنه وتحديد موعد استلام الزيت بعد عصره.

** طاحونة حجرية

وأوضح عاصم طريقة العصر التقليدية التي يعتمدونها، قائلًا: 'نقوم أولًا بغسل الزيتون، ثم نطحنه باستخدام الطاحونة الحجرية. وبعد ذلك نضغط العجينة لاستخراج الزيت، ثم نتركه ليترسب في أوعية خاصة لعدة ساعات قبل تعبئته في عبوات مخصّصة'.

وفي ما يتعلق بالأسعار، أشار إلى أنّ سعر ليتر زيت الزيتون لا يقل عن 1000 ليرة تركية (ما يعادل نحو 23.5 دولارًا)، لافتًا إلى أن المنطقة تشهد ارتفاعًا واضحًا في الطلب على الزيت خلال موسم الإنتاج.

وأضاف أن معظم الإنتاج يتركز في قرية 'ياغجيلر' بوادي تشوروه، التي تُعد من أبرز مناطق الزيتون في تركيا، فضلًا عن أنّ المناخ الذي تتمتع به ولاية أرتفين عمومًا، والوادي خصوصًا، يضفي جودة ونكهة مميزة على النباتات المتوسطية مثل الزيتون.

وفي ما يتصل بالوصول إلى العالمية، قال عاصم: 'هنا يُزرع أفضل زيتون في تركيا. زيت الزيتون المنتج في هذه المنطقة حقق شهرة محلية واسعة، وهو في طريقه لأن يصبح علامة تجارية معروفة عالميًا'.

من جانبه، أكد أحمد أرسلان أنه وشقيقه عازمان على مواصلة العمل في إنتاج زيت الزيتون ما دامت صحتهما تسمح بذلك. وختم قائلًا: 'هذه المهنة إرث عائلي ثمين، ونحن متمسكون به بقوة، وسنواصل العمل فيها ونقلها إلى الأجيال القادمة'.