بقيادة محمد بن زايد... رؤية شاملة لمنظومة صناعية راسخة

يوسف العربي (أبوظبي)

يحظى القطاع الصناعي بأهمية بالغة ضمن رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد رئيس الدولة «حفظه الله»، وهو الأمر الذي بدا جلياً من خلال التأسيس لمنظومة صناعية قوية وراسخة وصلت بشهرتها ومنتجاتها إلى مختلف الأسواق العالمية.

وجاءت القطاعات الصناعية الاستراتيجية مثل الصناعات الدفاعية، والتصنيع المتقدم والأدوية وكذلك صناعات المستقبل مثل تكنولوجيا الفضاء والطيران والتكنولوجيا الطبية في مقدمة الاهتمام.

وشكلت زيارة سموه لمقر ستراتا للتصنيع في مدينة العين في ذروة الجائحة منتصف العام 2020 علامة فارقة بالقطاع، حيث أكد سموه حينها أن الإمارات تعمل على تعزيز موقعها مركزاً إقليمياً وعالمياً لصناعة الطيران.

وزارة الصناعة

وفي يوليو من عام 2020، تم إنشاء وزارة الصناعة وذلك لتطوير القطاع في الدولة والدفع به بما يلبي متطلبات المرحلة المقبلة في المسيرة التنموية الإماراتية المتسارعة نحو بناء وترسيخ اقتصاد معرفي، قائم على التكنولوجيا المتقدمة والصناعات المرتبطة بها ضمن رؤية مستقبلية وتمكين الاقتصاد الوطني.

وفي هذا الإطار، أطلقت الوزارة في الربع الأول من عام 2021 «الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة – مشروع 300 مليار» لتحقيق هذه الأهداف.

وتهدف الاستراتيجية الوطنية للصناعة إلى تطوير وتحفيز القطاع الصناعي في دولة الإمارات، ورفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي من 133 مليار درهم إلى 300 مليار درهم بحلول عام 2031.

وتتكامل أهداف «مشروع 300 مليار» مع الأهداف الوطنية لدولة الإمارات، والتزاماتها الدولية وجهودها نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام، وتوفير حلول الطاقة النظيفة والابتكار في المجال الصناعي، والاستهلاك والإنتاج بشكل مسؤول.

وتعد استراتيجية وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، المعروفة بمشروع 300 مليار، الخطة الأكبر والأشمل لتطوير القطاع الصناعي في الدولة، وتعزيز مساهمته في تحفيز الاقتصاد الوطني. وانطلقت الاستراتيجية من رؤية متكاملة لتطوير القطاع الصناعي الإماراتي لتعزيز القيمة الوطنية المضافة لقطاع الصناعة وتحويل الإمارات إلى مركز إقليمي وعالمي لصناعات المستقبل، وكذلك دعم الإقبال محلياً على الصناعات الإماراتية، وتعزيز الصادرات الإماراتية إلى الأسواق العالمية، واستحداث فرص وظيفية جديدة ونوعية في القطاع الصناعي.

صناعات دفاعية

ويشكل قطاع الصناعات الدفاعية ركيزة حيوية للسيادة الوطنية، وشهد القطاع خلال السنوات الماضية مسيرة حافلة بالابتكار والنجاحات حتى باتت الصناعات الدفاعية الإماراتية تضاهي مثيلاتها في أكثر الدول المتقدمة. وتنطلق أهمية القطاع من انسجامه مع توجهات الدولة الرامية إلى تقليص الواردات والاعتماد على المنتج الوطني من خلال نقل المعرفة وبناء القدرات والكوادر الوطنية المتخصصة. وتعتبر الصناعات الدفاعية من القطاعات الاستراتيجية، التي شهدت طفرات كبرى في نوعية وجودة ونطاق المواد والآليات والتقنيات التي يتم تصنيعها في الإمارات. وتضطلع الصناعات الدفاعية بإحداث أثر إيجابي على صعيد تطوير صناعات استراتيجية أخرى مثل الأنظمة الإلكترونية والرقمية، وصناعات الفضاء، والتكنولوجيا المتقدمة بشكل عام.

مجلس التوازن

ويعمل «مجلس التوازن الاقتصادي» على جذب الشركات الدولية الكبرى للاستثمار في الصناعات الدفاعية الوطنية، بما يسهم في نقل تكنولوجيا الدفاع وتوطينها في دولة الإمارات.

وتعد مجموعة «إيدج» إحدى أهم الشركات التي تعمل على تعزيز القوة الدفاعية في الدولة عبر تصنيع وتصدير التقنيات الدفاعية في عدة قطاعات للدول التي تطلب مساعدتها في مسألة الأمن والدفاع.

وتضم «إيدج» المتخصصة في المجال الأمني والعسكري تحت مظلتها 25 شركة إماراتية في خمسة قطاعات: المنصات والأنظمة، والصواريخ والأسلحة، والدفاع السيبراني، والحرب الإلكترونية والاستخبارات ودعم المهام.

وفي غضون 18 شهراً، نجحت إيدج في إطلاق أكثر من 20 منتجاً جديداً تتراوح من الطائرات من دون طيار إلى المركبات الروبوتية المستقلة ونظام صواريخ الدفاع الجوي وأجهزة التشويش والخداع.

وتنصب أولويات شركة إيدج على ثلاثة مجالات هي القدرات ذاتية التحكم، والأسلحة الذكية، والحرب الإلكترونية، مع توطين قدراتنا حيثما أمكن.وتتطلع «إيدج» إلى المستقبل وتعمل على دمج ابتكارات السوق التجارية مع القدرات العسكرية لإنتاج منتجات وتقديم خدمات في طليعة التطورات التكنولوجية

وصنفت شركة «إيدج» كإحدى أفضل 25 مورداً عسكرياً في العالم من قبل معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الذي يتخصص في تحليل البيانات المتعلقة بالإنفاق العسكري وتجارة الأسلحة وغيرها من المسائل المتعلقة بالسلام والأمن.

وتعد السابقة الأولى من نوعها التي تصنف بها شركة شرق أوسطية بين أكبر مصنعي المعدات الأصلية الدفاعية وموردي المنتجات الأمنية.

الفضاء والطيران

وشهدت صناعة أجزاء هياكل الطيران والأقمار الصناعية في الإمارات مسيرة حافلة بالإنجازات من خلال ستراتا للتصنيع في مدينة العين، التي تقوم بتصنيع هذه الأجزاء لكبريات شركات صناعة الطائرات العالمية مثل «بوينغ»، و«إيرباص»، و«ساب»، و«سابكا»، و«بيلاتوس»، و«إف إيه سي سي»، و«ليوناردو».

وسلمت شركة «ستراتا للتصنيع» أجزاء من القمر الاصطناعي «MBZ-Sat» الذي يعمل عليه مركز محمد بن راشد للفضاء، ليكون الأكثر تقدماً في المنطقة في مجال صور الأقمار الاصطناعية عالية الدقة.

وتمتد مسيرة الشركة منذ تأسيسها عام 2009، مروراً باكتمال العمل في بناء مرافقها الصناعية، وانتهاءً بمشروع توسعتها الجديدة «ستراتا بلس» الذي دشنته الشركة في شهر يوليو من العام 2019 حتى تمكنت من تلبية متطلبات خط تجميع المثبتات العمودية لطائرة «بوينج 787 دريملاينر» ضمن مرافقها في مجمع نبراس العين للطيران.

وتضم قدرات ستراتا الصناعية إنتاج الأسطح الخارجية لرفارف أجنحة طائرات إيرباص A330، والمصنعة من الألياف الزجاجية والأسطح الخارجية لرفارف أجنحة طائرات إيرباص A350 المصنعة من ألياف الكربون، والأسطح الخارجية لرفارف أجنحة طائرات إيرباص A380 وهي أكبر أسطح خارجية لرفارف الأجنحة في العالم.

وتشمل تقنيات الثورة الصناعية الرابعة والابتكارات التي وظفتها ستراتا في عملية التصنيع، روبوت الثقب الآلي وتركيب لوحة الصواميل المستخدمة في تجميع الهياكل المعقدة لبرنامج الرفارف الداخلية لأجنحة طائرات إيرباص A350-900، وروبوت يقوم بنفس الوظيفة تم تطويره بالتعاون المشترك بين ستراتا وشركة بوينج العالمية، ويستخدم لأول مرة في العالم في مرافق ستراتا، بالإضافة إلى روبوت مبتكر متحرك يستخدم لضمان الجودة ومراقبة الإنتاج في حالة تعذر وجود المشرفين في مرافق الشركة، والذي استخدمته ستراتا خلال فترة التعامل مع وباء فيروس كورونا. وسيشكل مصنع «ستراتا سولفي للمواد المتقدمة» في مدينة العين، وهو المشروع المشترك مع شركة سولفي البلجيكية المختصة في تصنيع المواد المركبة والكيماويات، نقلة نوعية في إطار جهود ستراتا لتنويع منتجاتها، حيث ستصبح المورد الأول للمواد المركبة المتقدمة لقطاع صناعة الطيران في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمورد الرابع لهذه المواد على المستوى العالمي.

صناعات غذائية

وشكل قطاع الصناعات الغذائية والمشروبات والتكنولوجيا الزراعية المحور الأول ضمن الاستراتيجية الوطنية للصناعة والذي ضم أيضاً الأدوية والمنتجات الصيدلانية، والمعدات الكهربائية والإلكترونيات، والتصنيع المتقدم.

وبلغ عدد مصانع المواد الغذائية والمشروبات في الإمارات أكثر من 568 مصنعاً موزعة على مختلف إمارات الدولة، وتعمل بطاقة إنتاجية عالية لتأمين متطلبات الأسواق ومنافذ البيع المحلية، بل والتصدير إلى الأسواق الإقليمية والعالمية.

ويقدر حجم الاستثمار في قطاع صناعة الأغذية والمشروبات بالدولة بما يزيد على 62 مليار درهم، وهو رقم مرشح للزيادة بشكل كبير في المستقبل، نتيجة الزيادة الطبيعية في تعداد السكان وما يرافقها من ارتفاع في معدلات استهلاك الطعام والشراب.

الصناعات الدوائية

شهد قطاع الصناعات الدوائية والرعاية الصحية تطورات متسارعة خلال الفترة الماضية، بعد أن أظهرت تبعات جائحة «كوفيد-19» أهمية قطاع علوم الحياة والدور الحاسم الذي يمكن أن يؤديه لتحقيق الانتعاش طويل الأجل، فضلاً عن أهميته البالغة بوصفه محركاً رئيساً للنمو الاقتصادي.

وتشير دراسة أجرتها شركة الاستشارات الاقتصادية العالمية «فيتش سوليوشن» إلى توقعات بوصول قيمة قطاع الصناعات الدوائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحدها إلى 60 مليار دولار بحلول عام 2025، وأظهرت الدراسة أن شركات الصناعات الدوائية في المنطقة باتت الآن على أعتاب مرحلة مهمة من النمو والازدهار خلال الأعوام المقبلة، حيث بدأت تتطلع إلى المزيد من التعاون في الأنشطة المتعلقة بعمليات البحث والتطوير والتصنيع، بالإضافة إلى تراخيص التسويق.

وشكل مجمع علوم الحياة، على سبيل المثال، مركز جذب رئيس لهذه الأنشطة، لا سيما وأنه صمم خصيصاً لتلبية الاحتياجات المتنامية لهذا القطاع، ويوفر المجمع العديد من المزايا والخدمات الفريدة التي تشكل دعماً مهماً لمنظومة عمل الشركات العاملة في مجال علوم الحياة سواء من خلال الخدمات المتميزة، والبنية التحتية عالمية المستوى، أو من خلال مزايا الربط متعدد الوسائط التي تتيح للمؤسسات وصولاً سهلاً إلى جميع أسواق المنطقة بأعلى درجات الكفاءة.

ووفر مجمع علوم الحياة العديد من المبادرات الأخرى، بما في ذلك البرنامج الوطني للجينوم الذي يعد الأكثر شمولاً في العالم ويعمل بالذكاء الاصطناعي، والبنك الحيوي المركزي وتسلسل الجينات، إضافة إلى الإمكانيات الكبيرة التي يتيحها فيما يخص تبادل المعلومات الصحية الرائدة، وربط المستشفيات والتأمينات والنظم الصحية الأخرى، وتوافر مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال.