محللون ومفكرون عرب لـ«البيان »: الإمارات نموذج متكامل لحضور دولي فاعل

المصدر: القاهرة - البيان

تحتفظ دولة الإمارات بحضورٍ فاعل ومؤثر إقليمياً ودولياً، وتقدم نموذجاً متكاملاً يحتذى به، تستهدف من خلاله تحقيق السلام الدولي ونشر قيم التسامح والتعايش، مع أدوار إنسانية وإغاثية يشار إليها بالبنان، تغلف صورة الدولة كركيزة أساسية للدعوة للاستقرار والسلم العالمي.

وبالتزامن مع احتفالات الدولة باليوم الوطني، تحدث مفكرون ومحللون عرب، في تصريحات متفرقة لـ «البيان»، عن جانب من ذلك الحضور الدولي المؤثر للدولة، مستعرضين أبرز العوامل التي أسهمت في نجاح تجربة الإمارات الملهمة في عالم العلاقات الدولية.

نهج السلام

يقول الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، د. محمد بشاري، إن «الإمارات ليست دولة تقليدية في سياساتها الخارجية، إنما تضع النموذج الملهم أمام العالم بأنه لا خيار اليوم سوى خيار السلم والتسامح والتعايش، ولا يمكن اعتماد الأفكار العنصرية والكراهية أو شن الحروب من أجل تحقيق الأهداف، وإنما الأهداف تتحقق أولاً من خلال بناء الإنسان وصناعته كما فعلت الدولة بالداخل، وكذلك بسياستها الخارجية الهادفة إلى إطفاء نيران الحروب وإغاثة الإنسان من الكوارث الإنسانية والطبيعية».

ويشدد على أنه منذ تأسيس الإمارات وهي تسعى لنشر ثقافة السلام والتسامح، بل جعلت ذلك منهجاً لها وعنواناً لعملها الخارجي، وقد رسخت ذلك في تشريعاتها الدستورية الوطنية مثل قانون رقم 2 لسنة 2015 (بشأن مكافحة التمييز والكراهية) وإنشاء وزارة التسامح والتعايش، والاحتفال بالتسامح عاماً كاملاً، اشتغلت خلاله الدولة من خلال الأنظمة التربوية والتعليمية والعمل الخارجي.

ويلفت إلى تأسيس الإمارات المعهد الدولي للتسامح، ومنظمات للتسامح، وكذا المؤسسات الإسلامية التي أنشئت على أرضها، كمجلس حكماء المسلمين ومنتدى أبوظبي للسلم والمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، وغيرها من المؤسسات التي تشتغل من أجل تقريب وجهات النظر وحوار الشعوب والثقافات.

إضافة إلى إطلاق مبادرات عدة منها «إعلان مراكش» الذي ينص على حق غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية، وحلف الفضول الذي هو أرضية مشتركة بين رجالات وقيادات الأديان والثقافات من أجل خيرية الإنسان والعمل على إسعاده، فضلاً عن إطلاق وثيقة الأخوة الإنسانية.

انفتاح على الآخر

ويتحدث المفكر السياسي المصري د. عبد المنعم سعيد عن واحدة من أهم العوامل التي شكلت حضور الإمارات على المستويين الإقليمي والدولي، والمرتبطة بجهود الدولة فيما يتصل بنشر قيم السلام والتسامح، موضحاً أن القيمة الكبيرة للإمارات هي التسامح والاعتراف بالآخر، الدولة منفتحة على الآخر بشكلٍ كبير، واحتضنت وثيقة الأخوة الإنسانية، وجمعت فيها شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية. ويلفت سعيد إلى أن «الإمارات الآن أصبحت الفكرة النموذج، التي ترغب جميع الدول العربية الأخرى السير على نهجها؛ فالإمارات تسبق الجميع، وكثير من ملامح الإصلاح بدول عربية بها كثير من ملامح الإصلاح الإماراتي من حيث تطوير الاستثمارات بصفة محددة».

ويشير إلى أن «الإمارات هي التجربة الفيدرالية الأولى الناجحة في العالم منذ أكثر من 50 عاماً على تأسيسها»، مشدداً على أن ذلك يعبر عن «إنجاز حقيقي» لتجربة يتعين الاقتداء بها بالنسبة لعدد من الدول التي هي في حاجة إلى تعزيز قيم العيش المشترك.

كما يشير السعيد إلى عوامل نجاح التجربة الإماراتية، لا سيما ما يتعلق باعتماد معايير التنمية في الدول المتقدمة، وليس وفق معايير المنطقة أو دول العالم الثالث النامي، وقد «كانت النتيجة أن المشروع الوطني كان شاملاً لكل الإمارات ويتضمن منذ البداية تنويع مصادر الدخل». ويبرز اعتماد الدولة على تتبع أحدث التقنيات الحديثة في التكنولوجيا، ضمن المحاور الرئيسية التي شكلت التجربة الإماراتية.

نموذج ممتاز

ويلفت المفكر السوري، د. رياض نعسان أغا، إلى أن دولة الإمارات تقدم نموذجاً ممتازاً في فن العلاقات الدبلوماسية والتعاون الدولي، وهي بذلك تنفذ رؤية مؤسسي الدولة، حيث كان المؤسسون يدركون أن بناء دولة يحتاج إلى أسس واضحة في ترسيخ السلام الدولي وإقامة حوار وتفاهم مع كل الثقافات الإنسانية، كما كانوا يدركون أهمية التعاون مع دول العالم في ميادين السياسة والاقتصاد والتنمية الاجتماعية.

ويشير أغا، إلى أن بداية نسج العلاقات الخارجية كانت مع الدول العربية، على اعتبار أن هذا الانتماء العربي مؤكد وواضح بدءاً من اسم الدولة وأيضاً يعتبر ذلك ترسيخاً لهويتها التاريخية والوطنية، مردفاً: «كان القائد المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، يدرك تماماً أن هذه الدولة هي جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، ولكن هذا لا يجعل الدولة تنغلق على ذاتها أو على محيطها الإقليمي والعربي، بل إنه أسس لانفتاح دولي كبير جعل الإمارات اليوم تقدم نموذجاً غير مسبوق، حيث تضم أكتر من 200 جنسية من شعوب وأمم العالم، والجميع يتعاملون على أسس المساواة أمام القانون».

وتابع أغا قائلاً: «يعزز هذا أن الشعب الإماراتي ذاته منفتح ثقافياً ولا توجد لديه أية نزعة عنصرية، فهو شعب وريث حضارة إسلامية قوامها العدل والإحسان، كما أنه شعب لم يعرف العزلة في تاريخه، لأنه عاش على شواطئ البحار التي هي نقطة التواصل الكبرى بين دول العالم والقارات جميعاً».

وعلى صعيد الحضور الإقليمي للدولة، يقول أغا: «نتذكر جميعاً أن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، لقب عربياً بحكيم الأمة؛ لأنه كان يسعى دائماً إلى حل النزاعات والخلافات العربية حين تنشأ، ويبادر على الفور بإصلاح ذات البين بين أي دولتين عربيتين تنشأ بينهما خلافات.. كان حكيم العرب داعية إصلاح يحرص على أن تكون الدول العربية على قلب رجل واحد». ويتحدث المفكر السوري عن حرص الإمارات على تعزيز علاقاتها بمحيطها، مشيراً إلى الدور المؤثر الذي تلعبه في مجلس التعاون الخليجي، وهو الدور الذي برز بقوة في قمة العلا على سبيل المثال.

ولا يمكن الحديث عن الدور الإقليمي والدولي لدولة الإمارات دون ذكر الدور الإغاثي الذي قامت به الدولة، وهو ما يؤكده أغا بقوله: «الإمارات كانت دائماً داعمة للدول التي شهدت انتكاسات أو فوضى واضطرابات، ووقفت إلى جانب شعوبها.. ربما يكون دور الإمارات في نصرة الشعوب موضوعاً يدرس بعناية في مجال الإغاثات الإنسانية، ولولا هذه الإغاثات لكانت الكوارث أكبر بكثير».

وفيما يخص حضور الإمارات دولياً، يشير المفكر السوري إلى حكمة القيادة الإماراتية، والتي تجلت في علاقاتها الخارجية، لجهة المحافظة على علاقات تاريخية بين المختلفين، مستدلاً بموقف الدولة من الحرب في أوكرانيا، وقدرتها على تجاوز الضغوطات على مختلف الصعد والمحافظة على قراراتها السيادية وحقها في الحياد.

ويسترسل: «رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في الموازنة الحكيمة التي قام بها عبر زيارة سموه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحرص سموه على لعب دور في السعي أو الدعوة لحل سلمي للحرب.. تتجلى البراعة الدبلوماسية والثقة الممتازة بالنفس في الحفاظ على علاقات تاريخية مع المختلفين؛ المحافظة على العلاقات مع الولايات المتحدة والصين وروسيا ضمن رؤية مستقلة تحافظ على المصالح العليا للدولة».

توافق ثلاثي

أما المفكر الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، فيشير إلى أن الإمارات ضلع رئيسي ضمن مثلث القيادة في الشرق الأوسط إلى جانب كل من المملكة العربية السعودية ومصر، موضحاً أن هذا الثلاثي يلعب دوراً مؤثراً في المنطقة، وهناك توافق بين أضلاعه على التحرك والتعامل مع الأزمات والمشكلات في المنطقة.

ويؤكد فرج أن الإمارات تتميز بقيادتها الرشيدة، استمراراً لسياسة المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، والذي أسس الدولة على مبدأ الاحتفاظ بشخصيتها العربية، ومساندة الدول والشعوب العربية، كما حدث بالنسبة لدعمه لمصر على سبيل المثال في محطات مختلفة.

ويلفت إلى أن هذا النهج العروبي شكل ركيزة أساسية في حضور الإمارات على المستويين الإقليمي والدولي، ومن هنا تأتي سياسة الإمارات الحكيمة والمتزنة والداعمة للقضايا العربية، فعلى سبيل المثال كانت الإمارات من أوائل الدول العربية التي اندفعت إلى مساندة الشعب السوري ودعمه بخلاف دورها في اليمن وعديد من الدول العربية.

ويوضح فرج، أن الإمارات دائماً وأبداً ما تعمل على نهج السلام، بما يشكل أحد عوامل نجاح التجربة الإماراتية، وامتداداً لسياسات الشيخ زايد، طيّب الله ثراه. ويقول فرج إن الإمارات تسير وفق المنهج العلمي، ولذلك فقد أصبحت دولة متقدمة يشار إليها بالبنان، موضحاً أن هذا التطور يأتي وفق قفزات متأنية علمية ومع استغلال أكبر قدر ممكن من الدخل والثروات التي تتمتع بها الدولة.

دولة متقدمة

ويستعرض رئيس المركز العربي الأسترالي، أحمد الياسري، نظرة الشعوب الغربية لدولة الإمارات، وذلك انطلاقاً من النموذج الذي تقدمه على الصعيد الدولي، موضحاً أن الغرب ينظر إلى الإمارات باعتبارها دولة متقدمة يسعون لإقامة مشاريعهم فيها، فهي دولة جاذبة للاستثمارات، وتقدم نموذجاً في هذا المجال، مبرزاً الحضور الفاعل والمؤثر للإمارات في السياسة الإقليمية والعالمية. ويلفت الياسري إلى أن الإمارات انتقلت من التجريب وبناء الدولة إلى مرحلة الفاعلية على المستوى الدولي بهيئة المؤثر.

الرشادة السياسية

يشير أستاذ العلوم السياسية بالقاهرة، د. طارق فهمي، إلى أن فكرة الرشادة السياسية تعمقت في السنوات الأخيرة، فقد أصبح للإمارات حضور عالمي كبير في قضايا العالم، من بينها الأزمة الروسية - الأوكرانية، والدور الذي لعبته الإمارات فيها.

ويشدد على أن وراء ذلك أمور عدة؛ أهمها الدبلوماسية الإماراتية، وتنوع أدوات الحركة لهذه الدبلوماسية، وهو ما أكسب السياسة الخارجية للإمارات حضوراً كبيراً بدلاً من الكلام العام أو الإنشائي.