اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ١٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
الكاتب:
محمد سليم
من يكتفي بالنظر إلى الصور سينتهي إلى نتيجة بديهية: إسرائيل انتصرت لأنها دمّرت. غير أن الحروب — خصوصًا حين تتحول إلى حدث تاريخي لا مجرد جولة عسكرية — لا تُقاس بالصور ولا بالأرقام المجردة، بل تُقاس بمآلاتها. هنا تصبح المفارقة صارخة: إسرائيل خرجت من الحرب أضعف سياسيًا وأخلاقيًا واستراتيجيًا، بينما خرج الفلسطينيون — رغم الثمن الكارثي — وقد استعادوا قدرة التأثير.
1) الحرب كشكل من أشكال السياسة
الحرب ليست “عملاً منفصلاً” عن السياسة بل استمرار لها بلغة القوة. وإسرائيل — وفق هذا المعيار — فشلت في تحويل قوتها العسكرية إلى عائد سياسي ملموس:
لم تسقط المقاومة، لم تستعد الردع، لم تُحرر الأسرى، ولم تُنتج ترتيبات ما بعد الحرب.
وفوق ذلك، كسرت الحرب الإجماع الدولي الذي كانت تتكئ عليه.
أي حرب لا تُحقق غايتها، بصرف النظر عن حجم النار، هي حرب فاشلة سياسيًا.
2) إسرائيل ككتلة معنوية… تتشقق
إسرائيل قامت على ركيزتين: تفوق القوة، وشرعية “الدولة الضحية”. الحرب الأخيرة هزّت الركيزتين معًا:
• تفوق القوة لم يمنع استمرار القتال، ما يعني سقوط الردع.
• رواية “الضحية” تهشّمت أخلاقيًا تحت وقع صور المجازر والحصار والتجويع.
الأخطر أن هذا التحول ليس ظرفيًا بل بنيوي: شرائح معتبرة من الرأي العام الغربي — للمرة الأولى بهذا الاتساع — تتعامل مع إسرائيل كفاعل مُدان لا ككيان بحكم التعاطف التاريخي.
3) الفلسطيني كفاعل لا كموضوع
ربحت غزة ما هو أبقى من “هدوء جبهة”: ربحت عودة القضية إلى المركز. هذا التحول الرمزي ليس تجميليًا؛ هو الذي يصنع البيئة السياسية التي تُفرض فيها التسويات لاحقًا. حين تتحول القضية من ملف جانبي إلى قضية كبرى، تتغير قواعد التفاوض، وموازين الضغط، ونوع الخطاب المسموح دوليًا.
4) النصر ليس حدثًا… النصر مسار
هذا النوع من الحروب لا يُحسم في يوم التوقيع على وقف إطلاق النار. الحرب تنتج أثمانًا، وهذه الأثمان تعمل بمرور الزمن:
• الاقتصاد الإسرائيلي ينزف من الداخل، لا من المقارنة مع غزة، بل من مقارنة إسرائيل بنفسها كدولة متقدمة.
• الشرعية الدولية تتآكل ببطء، لكن تآكل الشرعية لا علاج عكسي له قبل أجيال.
• صورة الاحتلال كحالة طبيعية داخل المنظومة الغربية أصابها شرخ يصعب ترميمه.
إذن… من المنتصر؟
المنتصر ليس من دمّر، بل من يستطيع تحويل نتيجة الحرب إلى موقع أفضل في معادلة التاريخ. بهذا المعنى:
• إسرائيل ربحت تكتيك الدمار… وخسرت استراتيجيا المعنى.
• غزة خسرت أجساد البشر… لكنها كسرت سقف السردية، وهذا مكسب لا يُعاد عقارب الزمن بعده.
ليس صحيحًا أن “لا أحد انتصر”. الصحيح أن “الانتصار لم يعد يُشاهَد في السماء المشتعلة بل في المستقبل الذي تغيّر اتجاهه”.

























































