تتزايد المخاوف الدولية من تصاعد التوترات في الممرات البحرية الحيوية، وعلى رأسها مضيقا هرمز وباب المندب، في ظل مؤشرات على نوايا إيرانية لاستخدام هذه الأوراق الاستراتيجية كأداة ضغط سياسي وعسكري، لا سيما عقب ما وصفته طهران بـ'العدوان الثنائي' الأميركي – الإسرائيلي الذي استهدف منشآتها النووية.

ويرى خبراء اقتصاديون أن أي خطوة من جانب إيران لإغلاق أحد المضيقين، أو حتى التلويح بذلك، قد تؤدي إلى قفزات قياسية في أسعار النفط، وإرباك سلاسل الإمداد العالمية، ما يُنذر بخسائر فادحة لاقتصادات الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.

شريان الطاقة العالمي

يقول الدكتور محمد العجمي، الخبير الاقتصادي المصري، إن إغلاق إيران للمضائق البحرية أو التهديد به، يمثّل خطرًا مباشرًا ليس فقط على أمن المنطقة، بل على الاقتصاد العالمي بأكمله.

وأوضح العجمي لـ 'فلسطين أون لاين '، أن مضيق هرمز يُعد أحد أهم شرايين الطاقة في العالم، إذ يمر عبره يوميًا نحو 21 مليون برميل من النفط الخام، ما يعادل نحو 20% من صادرات النفط العالمية، بالإضافة إلى كونه مسارًا رئيسيًا لتصدير الغاز الطبيعي المسال، خاصة من دولة قطر.

وأكد أن أي اضطراب في هذا الممر البحري الاستراتيجي قد يدفع بأسعار النفط إلى مستويات تتجاوز 150 دولارًا للبرميل، مما يُفاقم من معدلات التضخم على مستوى العالم، ويُبطئ وتيرة التعافي الاقتصادي، لا سيما بعد التداعيات السلبية لجائحة 'كورونا'.

وأشار إلى أن الاقتصادات المعتمدة بشكل كبير على واردات الطاقة، مثل الهند والصين ودول الاتحاد الأوروبي، ستكون الأكثر تضررًا من هذه الاضطرابات.

باب المندب.. الخطر الآخر

وفيما يخص مضيق باب المندب، أشار العجمي إلى أنه لا يقل أهمية، إذ تمر عبره نحو 8% من تجارة النفط العالمية، كما يُشكّل المنفذ البحري الرئيسي المؤدي إلى قناة السويس.

وبيّن أن أي استهداف أو تعطيل لحركة الملاحة فيه سينعكس سلبًا على التجارة العالمية، مضيفًا أن آثار ذلك بدأت تظهر بالفعل، إذ فقدت مصر نحو 8% من عائدات قناة السويس نتيجة تراجع حركة السفن.

وأوضح أن مضيق هرمز يقع بين إيران وسلطنة عُمان، ويربط الخليج العربي بخليج عُمان وبحر العرب، وتمتلك إيران سواحل ممتدة على المضيق، إلى جانب تمركز قوات بحرية تابعة لـ'الحرس الثوري الإيراني'، ما يمنحها نفوذًا فعليًا على حركة الملاحة.

أوراق ضغط استراتيجية

من جانبه، يرى الدكتور ثابت أبو الروس، المختص في الشأن الاقتصادي، أن الموانئ والمضائق البحرية التي تمتلك إيران نفوذًا عليها تمثّل أوراق ضغط استراتيجية في الصراعات الجيوسياسية المتصاعدة.

وأشار إلى أن طهران قد تستخدم هذه الأوراق إذا قررت التصعيد، سواء عبر إغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، أو عبر تهديد حركة الملاحة فيهما، ما سيدفع التجارة العالمية نحو طرق بديلة، مثل رأس الرجاء الصالح، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع كلفة الشحن بنسبة تصل إلى 30%، وإطالة زمن الإمداد إلى شهر ونصف أو شهرين بدلًا من أسابيع.

وأوضح أبو الروس لـ'فلسطين أون لاين ' أن بعض دول الخليج، مثل السعودية وقطر، حاولت تطوير خطوط بديلة لنقل النفط، من بينها مشروع أنبوب بطول 70 كيلومترًا، لكنه لم يكتمل بسبب عوائق مالية ولوجستية.

ونبّه إلى أن الضربة الأمريكية – الإسرائيلية الأخيرة ضد منشآت إيران النووية قد تُشعل موجة جديدة من التصعيد السياسي والاقتصادي، خاصة في ظل مؤشرات على ارتفاع مستوى التوتر في ملفات عدة بالمنطقة.

النفوذ عبر الوكلاء

وتطرّق أبو الروس إلى موقع باب المندب الجغرافي، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، ويمر بين اليمن من جهة، وجيبوتي وإريتريا من جهة أخرى، ويربط بشكل مباشر بين قناة السويس والبحر العربي، ما يجعله شريانًا حيويًا للتجارة بين آسيا وأوروبا.

ومع استمرار الحرب في اليمن، برزت جماعة الحوثيين كقوة إقليمية تهدد الملاحة البحرية، ما يمنح طهران نفوذًا غير مباشر دون تدخل فعلي، بحسب وصفه.

نحو ركود تضخمي؟

ويتفق العجمي وأبو الروس على أن استمرار التصعيد في هذه المضائق دون التوصل إلى حلول دبلوماسية شاملة، قد يُدخل الاقتصاد العالمي في حالة ركود تضخمي.

وأشارا إلى تقارير دولية تتوقع أن تُفضي هذه الأزمات إلى انخفاض النمو العالمي بنسبة 1%، وارتفاع معدلات التضخم بين 2–3% خلال العام المقبل.

واختتما بالإشارة إلى أن الحلول السياسية تظل المسار الوحيد لتجنب كارثة اقتصادية عالمية، محذرين من أن استمرار الأزمات في ملفات غزة، اليمن، والملف النووي الإيراني، سيبقي الاقتصاد العالمي في حالة ضبابية، ويفاقم أزمة الثقة بين الأسواق والمؤسسات المالية الدولية.