اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
المشهد:
غرفة خالية من الجدران. لا زمن، لا مكان.
كرسيان يواجهان بعضهما.
على الأول يجلس العقل الحائر، شاب أنهكته الأسئلة.
وعلى الثاني، لا أحد… حتى يبدأ الحوار.
---
العقل الحائر:
لماذا إسرائيل؟
لماذا تخرج من تحت كل قانون وتبقى واقفة، لا تمسّها عدالة ولا تقترب منها كلمة إدانة؟
لماذا يُسجن من يهتف ضدها في باريس، وتُصفّق له الحشود لو هتف ضد دولته؟
لماذا تُقصف غزة في الفجر وتُطبع تل أبيب في المساء؟
لماذا حين تقصف إسرائيل مطاراً عربياً لا يتحرك العالم، بينما لو رفعت دولة عربية صوتها، قامت القيامة؟
الصوت القادم من اللازمن:
لأن إسرائيل ليست دولة.
إنها رمز، عقدة، دين جديد اسمه الندم الغربي.
لكن العالم ملآن ظلمًا، فلماذا هذا الامتياز الإلهي لإسرائيل وحدها؟
لماذا الخوف منها وليس عليها؟
لماذا يُقرب من يحبها ولو كان غبيًا، ويُبعد من يكرهها ولو كان حكيمًا؟
أليست مجرد كيان سياسي كباقي الكيانات؟
أم أن فيها سرًا لم نفهمه بعد؟
الصوت:
السر ليس في إسرائيل...
بل في العالم الذي وُلد من رمادها.
تعبت من التفكير.
كلما نظرت إلى الأرض، رأيت آثار جريمة.
وكلما نظرت إلى السماء، وجدت بيانات دعم.
هل هذا وهم عالمي؟ مؤامرة كونية؟ غباء تاريخي؟
قل لي… لماذا هذا الصمت الكبير؟
لأن إسرائيل تسبح فوق بحر من
ذنوب العالم الغربي.
أوروبا لم تبكِ على قتلاها في الحرب… بل على ذنبها تجاه من بقي حيًا.
فخلقت لهم كيانًا… ثم لبست حوله درعًا من المحرمات.
العقل الحائر (ينهض غاضبًا):
لكن ماذا عن العرب؟
لماذا يصمتون، بل يهرولون؟
لماذا يصبح الخضوع حكمة، والمقاومة جنونًا؟
أين ذهب الذين كانوا يقولون لا؟
العرب تعبوا.
العروش تخشى أن تكون خارج نظام العالم.
والنظام كُتب بلغة لا تفهمها الكرامة.
فأصبح الاقتراب من إسرائيل هو تأشيرة الشرعية…
وأصبح الكره لها مرادفًا للخطر، حتى لو كان الكره أخلاقيًا.
العقل الحائر (بصوت متهدج):
لكن لماذا لا نرى الحقيقة كما هي؟
لماذا هذا الغشاء على العيون، والخوف في الحناجر؟
أليس من حقي أن أصرخ ضد الظلم دون أن أُسمّى متطرفًا؟
أليس من حقي أن أسأل دون أن أُراقب؟
أريد أن أفهم… فقط أفهم.
الصوت (بهدوء مؤلم):
لأنك تعيش في عصرٍ تُدار فيه الحقيقة كمنتج إعلامي.
ولأن إسرائيل ليست فوق القانون… بل خارجه.
لا تُحاسب لأنها ليست معنيّة بالعدالة، بل بحفظ ميزان القوى كما هو.
إنها 'الاستثناء الضروري' في معادلة القهر.
العقل الحائر (بهمس):
هل نحن خائفون منها… أم من أنفسنا إن واجهناها؟
هل الخضوع لإسرائيل هو مرآة لهزيمتنا العميقة؟
هل كرهنا لها يُفزِعنا لأنه يفضح كم صرنا صغارًا؟
الصوت (قاطعًا):
السر ليس إسرائيل.
السر أننا رضينا بأن نعيش في عالم لا يُحاسب إلا الضعيف،
ولا يصغي إلا للذي يملك الصوت والسلاح… لا للذي يملك الحق.
هل من مفر؟ هل من طريق؟
أم أن العقل الذي يسأل عن إسرائيل يُحكم عليه بالتعب… كما حُكم عليّ؟
الصوت (يتلاشى):
الطريق أن لا تنسى.
أن تحوّل سؤالك إلى نور… لا إلى نحيب.
أن لا تجعل صمت العالم هو المعيار، بل أن تصنع معيارك.
حين تصمت المحاكم، فليتكلم الضمير.
حين تخون الكلمات، فليصرخ المعنى.
ولا تجعل من استثناء إسرائيل نهاية للعقل…
بل بداية للوعي.
يُغلق المشهد.
يبقى العقل الحائر واقفًا…
لكن الآن، لا يبحث عن الجواب، بل عن الفعل.