كتب غاصب المختار في 'اللواء'

منذ ان تم الإعلان عن زيارة بابا الفاتيكان لاوون الرابع عشر الى لبنان قبل نحو شهر وأكثر، انطلقت عملية تشويش واسعة إسرائيلية وأميركية للتأثير على توجهات البابا الداعية الى رسالة السلام في المنطقة، وهو السلام القائم على الحق والعدل والذي لا تقبل به إسرائيل ولا الولايات المتحدة، بل تريدان سلاما على قياس مصالحهما في منطقة الشرق الأوسط، وتطويع الدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة بحجة «حماية الأمن الإسرائيلي» ولو على حساب أمن واستقرار دول المنطقة التي باتت يد كيان الاحتلال مطلقة فيها بالقوة العسكرية الغاشمة.

وفي جو التعبئة والتحريض والتهويل ورفع مستوى العدوان الإسرائيلي على لبنان، الذي سبق زيارة البابا، بدأت التسريبات من «مصادر أميركية وعربية وأوروبية» عن ربط رفع مستوى التصعيد العدواني المرتقب بإنتهاء زيارة البابا الى بيروت، وإن آخر مهلة أمام لبنان لجمع سلاح حزب الله في كامل لبنان وليس في الجنوب فقط هي نهاية هذا الشهر، أو مطلع الشهر المقبل، أي بعد انتهاء زيارة البابا، وهي رسالة مباشرة له مفادها «انتبه لما ستقوله وتدعو إليه»؟

جاء ذلك، بالتوازي مع كلام إسرائيلي صريح على ألسنة كبار قادة ومسؤولي كيان الاحتلال عن عدم الانسحاب من النقاط المحتلة في الجنوب (كلام وزير الحرب يسرائيل كاتس)، ورفض صيغة التفاوض التي طرحها رئيس الجمهورية جوزاف عون في مبادرته الاستقلالية.. بينما الأميركي لم يعلن أي موقف مؤيد لموقف البابا لتحريك عملية السلام وفق الأسس التي حدّدها البابا بقوله للصحافيين في الطائرة التي أقلته من روما الى تركيا أمس: «سأطالب قادة المنطقة بالسلام المبنيّ على العدالة الاجتماعية، و سأحثّ حزب الله وإسرائيل على التفاوض لكي لا يفوّتوا قطار السلام.. كما نأمل أن نؤكد على أهمية السلام للعالم أجمع، داعيا جميع البشر إلى الاتحاد من أجل السلام والسعي إلى طرق تحقيقه». ولأن مفهوم الحقوق والعدالة الاجتماعية لا يعنيا لا كيان الاحتلال ولا الإدارة الأميركية الهوجاء سيكون التصعيد المرتقب ردّاً على دعوات البابا وتوجهاته.

وعلى هذا… وبعد العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت كرسالة أولى تبشّر بحجم التصعيد المرتقب، وبعد الغارات على الجنوب أمس التي تزامنت مع بدء جولة البابا من تركيا، ستذهب دعوات البابا الى السلام سدى في ظل التصعيد الإسرائيلي في لبنان وفي فلسطين (غزة والضفة الغربية) وفي سوريا ومع إيران، بناء على ما يعلنه قادة إسرائيل، وإتكالاً على فائض القوة الذي تؤمّنه الإدارة الأميركية لإسرائيل. علما ان وزير الحرب يسرائيل كاتس قال في جلسة سرية الأربعاء أن «إسرائيل ليست على طريق السلام مع سوريا. وتضع ضمن اعتبارات الدفاع عن حدودها سيناريو الهجوم على شمالها». وهو كلام إستباقي تمهيدي لعدوان على لبنان وربما على سوريا، التي ترفض أيضا شروط الاحتلال وتدعو لعقد اتفاق أمني يعيد سوريا الى تطبيق اتفاق الهدنة لعام 1949، وهو موقف لبنان أيضا، وهو ما ترفضه إسرائيل بشدّة.

واتضح من فشل كل المساعي التي بذلها الوسطاء ومن إسقاط اتفاقات وقف اطلاق النار لإنهاء الأعمال العدائية في لبنان وسوريا وقطاع غزة، ان الكيان الإسرائيلي لا يلتزم بأي تعهدات أو اتفاقات، وان مصير أي اتفاق جديد يمكن أن يتوصل إليه سعاة السلام سيبؤ بالفشل نتيجة سياسة التملّص الإسرائيلية، وإذا كان كيان الاحتلال لا يقيم وزناً لوساطة ودعوات «الحلفاء والأصدقاء العرب والغربيين» فكيف سيُقيم وزنا واعتباراً لمساعي بابا السلام لا سيما بعد مواقف الفاتيكان من حرب الإبادة في غزة؟

لذلك أحيا كيان الاحتلال مرور سنة على بدء تنفيذ اتفاق قف الأعمال العدائية بالغارات على الجرمق والمحمودية ونبع الطاسة، كدليل على تفلّته من كل التعهدات والاتفاقات. فعن أي سلام مع إسرائيل يراهن المراهنون؟