قبل خمسة أيام من موعد انعقاد القمة العربية الـ34 لمجلس جامعة الدول العربية المقررة يوم السبت المقبل في بغداد وصلت الرسالة، إلى الرئيس السوري أحمد الشرع أن حضوره'غير مرحب به'، علما أنه كان تلقى دعوة من رئيس الوزراء العراقي الشهر الماضي لحضور القمة، إلا أن الدعوة أثارت الكثير من التحفظ والإنتقادات وصلت إلى حد تقديم حوالى 57 نائباً في البرلمان العراقي من أصل 329، عريضة إلى الحكومة لمنع الشرع من حضور القمة، وسرت شائعات بأنه قد تصدر بحقه مذكرة اعتقال في حال حضوره إلا أن السلطات العراقية نفت ذلك.

ما ليس خافيا أن النواب الذين وقّعوا على مسودة رفض استقبال رئيس سوريا الجديدة هم بطبيعة الحال من الشيعة الذين يتّهمون الشرع بأنه كان يقاتل مع تنظيم القاعدة في العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد عام 2003، وقد سُجن هناك لأكثر من خمس سنوات قبل الإفراج عنه لعدم كفاية الأدلة عام2011. ولاحقا عمل على تأسيس فرع لتنظيم القاعدة في سوريا ثم انفصل عنه عام 2016 ليشكل هيئة تحرير الشام، وهي الجماعة التي قادت الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد.

إعادة فتح ملف الشرع العسكري لم يأتِ من الغيب والأهداف معروفة يقول الباحث في تاريخ الشرق الأوسط الدكتور مارك أبو عبدالله لـ'المركزية'. ففي الأسباب السياسية والأمنية 'هناك تحفظات من جهة العراق على الشرع بسبب تاريخه السابق، خصوصا أنه شارك في القتال خلال الحرب على العراق وخلال الحرب في سوريا ضد الشيعة. والسبب الثاني يرتبط بخضوع النظام العراقي للنفوذ الإيراني ومن البديهي ألا يكون مرحبا به في العراق'. في أي حال يضيف 'فإن المشاركة أو عدم المشاركة في القمة العربية في بغداد لا يشكل فرقاً، لأن الأهمية تكمن في علاقات أحمد الشرع مع دول الخليج، وقد نجح في إعادة تكوينها والتأسيس لعلاقات جديدة مع دول أخرى، في حين أن إعادة تحسين علاقاته مع العراق لن تضيف على أوراق اعتماده شيئا'.

موقف نواب الشيعة في البرلمان العراقي بدا فاعلاً ومؤثراً، علما أن الدعوة الموجهة منذ حوالى الشهر إلى الشرع لحضور القمة جاءت من رئيس الوزراء العراقي 'وهذا ما يؤكد أن العراق لا يزال يخضع للنفوذ الإيراني وقد عمل على إعادة فتح ملف تاريخ الشرع المتطرف لتبرير عدم 'عدم الترحيب به'.في حين أن السبب الرئيسي يكمن في سيطرة النفوذ الإيراني على سلطة القرار في العراق.ويرجح أبو عبدالله أن يكون صمت الدول المشاركة في القمة إزاء الموقف العراقي بسبب الوعود التي قدمها الشرع حول التغييرات المقترحة خلال فترة ولايته وكونه لم يصدر عنه أي موقف يجنح به نحو التطرف'.

تزامنًا مع تحفظات نواب البرلمان الشيعة ، ظهرت تهديدات علنية ضد الشرع من بعض الشخصيات العراقية، حيث وصفه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بأنه 'مسؤول عن قتل ودمار في العراق، لكن الحكومة مجبرة على دعوته كونه يمثل دولة عربية '. وبناء على ذلك اقترح بعض النواب، دعوة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بدلاً من الشرع، نظرًا لكونه أكثر قبولًا داخليًا وأقل إثارة للجدل.

الكاتب السياسي خالد زين الدين يرى في رفض العراق استقبال احمد الشرع للمشاركة في القمة العربية في بغداد تحلل الدولة وخضوعها لقرار من وراء الحدود. ويقول لـ'المركزية' أن 'الدولة في العراق غائبة والمؤسسات مُغيَّبة وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأمن القومي والمصلحة العليا للدولة حيث أنها بعيدة ومدفونة للقومية العرقية والعشائرية والتجاذب السياسي'. ويأسف زين الدين لعدم 'أخذ العراقيين دروساً من مآسي الحروب على أرضهم وخضوعهم لقرار من خارج الحدود وفقا لمصالح جيوسياسية ، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من تحلل الدولة وغياب المكونات الأساسية والعناصر التي تساهم في عودة الحياة الديمقراطية وعمل المؤسسات الأمنية والقضائية. وكان من الأجدى أن يترفعوا عن الخلافات التي صُنعت خارج الحدود وتم تقسيمها على قياسهم الفكري والعقلي'.

ويردف تعليقا على صمت الدول العربية المشاركة في القمة ' الخلافات الداخلية العراقية حول الشرع هي شأن داخلي، ولا ترغب أي دولة بالتدخل فيها أو إحراج بغداد علنًا. ويدرك الرؤساء العرب المشاركون في القمة أن العراق هو البلد المضيف، ومن حقه أن يقرر من يستضيف على أراضيه. أي تصريح علني بشأن رفض العراق للشرع قد يخلق اصطفافًا غير مرغوب فيه بين مؤيدين ومعارضين، مما يهدد وحدة القمة أو نجاحها إعلاميًا'.

تداعيات عدم مشاركة أحمد الشرع في قمة بغداد قد تتخطى حدود القمة، وبحسب مصادر مطلعة 'فقد تؤثر سلبًا على علاقاته مع عدد من الدول العربية، وبشكل متفاوت من دولة إلى أخرى بناءً على عوامل متعددة. وترجح المصادر أن يخلق إعادة فتح ملف الشرع وتورطه المزعوم في دعم جماعات متطرفة خلال الاحتلال الأميركي للعراق تحفظات رسمية لدى بعض الحكومات، خصوصا تلك التي تتبنى موقفاً صارماً من الإرهاب أو كانت قد عانت من تدخلات خارجية. حتى الدول المتحالفة أو المحايدة قد تتردد في دعم الشرع علنًا خشية تبعات سياسية أو إعلامية. وقد تعيد بعض الدول التي كانت منفتحة على التعامل مع النظام السوري الموقت حساباتها، على الأقل دبلوماسيًا وإعلاميًا، وأن يُستخدم هذا الملف كورقة ضغط لإبطاء اندماجه في المنظومة العربية أو منعه من التمثيل في مؤتمرات قادمة.